تشكلت حكومة السيد محمد شياع السوداني بعد عام من اجراء انتخابات تشرين  2021 البرلمانية، وجراء حالة الاستعصاء السياسي الناجمة عن تشبث المتنفذين بنهج المحاصصة المقيت، وتقاسمهم المواقع باعتبارهم ممثلين لـ "المكونات" حسب ادعائهم. ولم يتم حسم الصراع بشأن تشكيل الحكومة الا بعد امتناع التيار الصدري عن المشاركة فيها غداة انسحابه من البرلمان. تشكلت الحكومة من برلمان يفتقد للشرعية السياسية والشعبية والذي جاء أساسا في انتخابات لم تزد نسبة المشاركة  فيها عن 20 في المائة، وبعد صراع مرير صاحبه إراقة دماء.   

وجاءت الحكومة وفقا لآليات التحاصص المعهودة، وكان للارادات الخارجية والارتهان لها  دورها الواضح في مسار التشكيل. كما انها حظيت بدعم الاطار التنسيقي، الذي توافق مع قوى سياسية أخرى لتشكيل  تحالف قوى الدولة. بمعنى ان الاطار التنسيقي هو من يتحمل المسؤولية الأولى عن نجاح أو فشل الحكومة، وان لم يعفِ هذا الأطراف الأخرى في تحالف قوى الدولة من المسؤولية، بحكم دعمها ومشاركتها فيها.

وتشكلت الحكومة وأمامها أعباء وتحديات جسيمة، وفي مقدمتها حالة الاستياء الشعبي الواسع وعدم الثقة وحتى النفور من أقطاب السلطة والأحزاب والقوى والشخصيات الماسكة بزمامها، والتي كان انفجار الاحتجاج الشعبي في  تشرين 2019 تعبيرا صارخا عنها، وعن الغضب المتراكم عند قطاعات شعبية واسعة.

وأكدت مسيرة الحكومة في سنتها الأولى التناقض الصارخ بين البرنامج الحكومي وأولوياته والذي جاءت العديد من فقراته تحت ضغط الانتفاصة والحراك الجماهيري، ومعادلات نهج وحكم المحاصصة والتزاماته إزاء الأحزاب والقوى الراعية لهذا النهج.

ففي مجال ما اعلن من شن حملة شاملة لمكافحة الفساد، أظهر سير التنفيذ بان سقفها  تكشف على نحو صارخ عندما أشرت خيوط فضيحة "سرقة القرن" تورط قوى متنفذة فيها. فتم اطلاق سراح المتورط الرئيس مقابل استرجاع نسبة ضئيلة من الأموال الهائلة المسروقة. ولم يتم التعامل والاقتراب من ملفات فساد كبيرة معروفة.

وعلى صعيد الحقوق والحريات، فقد تزايدت مساعي القوى المتنفذة لقضمها وفرض القيود على حرية الراي والتعبير، فيما استمر التنصل من وعود متكررة بملاحقة قتلة المنتفضين والناشطين وتقديم المجرمين ومن يقف وراءهم الى العدالة.

كما لم يتمكن السيد السوداني  من إجراء تعديل وزاري كما وعد، كذلك تلكأت عملية تقييم أداء الوزراء وكبار المسؤولين. وعندما تقرر تغيير بعض الوكلاء والمدراء العامين استنادا إلى نتائج عملية التقييم، جرت عملية الاستبدال والتغيير وتوزيع المناصب وفق نهج التحاصص عينه، وليس وفق معايير الكفاءة والنزاهة والمواطنة. ويظهر الفشل بوضوح أكبر كلما كان الملف او الهدف المقصود على تماس وذا مساس بمصالح ونفوذ أحزاب المحاصصة وأذرعها المسلحة. لذا ليس غريبا ان نلاحظ غياب المنجز أو ضآلته، في ملفات إصلاح مؤسسات الدولة والنظام المالي والمصرفي، وفي إزالة مختلف أنواع التجاوزات على ممتلكات الدولة والمواطنين، وضبط المنافذ الحدودية. كذلك عند السعي لضبط الجماعات المسلحة، وحل "المكاتب الاقتصادية" للأحزاب التي تستحوذ على معظم المشاريع الحكومية.

كما لم ينفذ مطلب اجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة وتم استبدالها بانتخابات مجالس المحافظات.    

أما الإجراءات المتخذة لتخفيف الفقر في اوساط الفئات الاجتماعية الهشة، فإنها لم ترتق إلى معالجة أسباب ظهور الفقر وانتشاره، وإيجاد الحلول لمشكلة البطالة، خاصة بين الشباب والخريجين، كذلك توفير الخدمات الصحية والتعليمية الأساسية وتأمين الضمان الاجتماعي، لاسيما للفئات الهشة، وانتهاج سياسات اقتصادية ومالية سليمة وذات طابع تنموي، وتحقيق مستوى أفضل من العدالة الاجتماعية.

كما لم يتم تحريك ملف التشريعات والقوانين ذات العلاقة بالمرأة، وتمكينها من اخذ دورها كاملا في الحياة السياسية والعامة.

وفي الأشهر الأخيرة شهدت بلادنا ارتفاعا كبيرافي أسعار المواد الغذائية والمفردات الأساسية في سلة استهلاك الشرائح ضعيفة الدخل، كما ازدادت نسب التضخم وانخفضت القدرة الشرائية للرواتب والأجور بنسبة تزيد على العشرين في المائة بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار، ما نجم عنه ازدياد مصاعب العيش حتى لبعض الشرائح الوسطى من الموظفين والكسبة، لكنه زاد وضاعف من أرباح المضاربين ومهربي العملة والمهيمنين على مزاد العملة في البنك المركزي العراقي.

وفي الوقت نفسه، ارتفعت أعباء أجور التعليم والطب الخاصين في ميزانية الأسرة العراقية بسبب التدهور في التعليم والطب الحكوميين، ولا يزال ما يخصص لهذين القطاعين دون المستوى المطلوب، واقل من نسبة ما تخصصه دول عربية ذات موارد متواضعة، لا تقارن بموارد العراق.

وقد بينت تجربة السنة الماضية ان هناك فرقا كبيرا بين السعي الى التهدئة واطفاء بؤر التوتر ومظاهر الاحتقان السياسي والاجتماعي، وبين العمل بإرادة قوية واضحة لتحقيق الاستقرار الفعلي، ذي الركائز والدعامات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والأمنية، ولمعالجة طائفة من الملفات.

ونرى ان الاستقرار الفعلي يتطلب توفير شروطه المتمثلة بالدرجة الأساس في تحقيق أوسع مشاركة مجتمعية وسياسية ممكنة في عملية صناعة القرار، بالتلازم مع تحقيق أكبر قدر ممكن من العدالة الاجتماعية، وفي توزيع الدخل والثروة. وأثبتت آليات عمل نهج المحاصصة أن التحاصص المكوناتي قاد عمليا إلى تضييق دائرة صناعة القرار السياسي واتخاذه، وإلى زيادة الاستقطاب الاجتماعي، وإلى تعمق الطبيعة الريعية للاقتصاد الوطني وتهميش القطاعات الإنتاجية الصناعية والزراعية، وتكريس الهويات الفرعية.

وعموما نرى ان الإجراءات المتخذة في مجالات محددة من البرنامج الحكومي، لم ترتق الى مستوى الحاجات الفعلية والتوجه الجاد لمعالجة أسباب الازمات المستفحلة والاكتفاء بمعالجات "إطفاء الحرائق"، ولم يتم الاقدام على اجراءات فاعلة قوية وملموسة لاحداث نقلة في إدارة الدولة وتعزيز قوة القانون والمؤسسات، والتخفيف من معاناة المواطنين الاقتصادية والمعيشية، ومن سوء الخدمات، ناهيك عن وضع خطط كفيلة بالسير على طريق التنمية المستدامة  الشاملة.   

لذا فإن وضع العراق على سكة الاستقرار والازدهار، يتطلب من بين أمور أخرى، أن يقترن ذلك بالتوجه نحو اعتماد مبدأ المواطنة في شؤون الدولة، والسعي للتحرر من معادلات واشتراطات المحاصصة، ومعالجة العلاقة بين الحكومة الاتحادية والاقليم، واتخاذ إجراءات حاسمة لمكافحة الفساد المستشري وتقديم كبار المسؤولين عنه الى المحاكم، ووضع حد لظاهرة المليشيات والسلاح المنفلت وانهاء التدخلات الخارجية والانتهاكات الفظة للأراضي العراقية وسيادته الوطنية،كذلك حماية منظومة الحقوق والحريات المكفولة دستوريا والتي تتعرض أكثر فأكثر الى التضييق والانتهاك، والاستناد إلى الشعب المتطلع إلى  تحقيق الإصلاحات الجذرية.   

وتحقيق هذا وغيره يتطلب مواصلة تعزيز الحراك والضغط الشعبيين، وانتزاع الحقوق وفرض إرادة الشعب والخلاص من منظومة المحاصصة والفساد والسلاح المنفلت وفتح الفضاء لبناء عراق اخر يستحقه العراقيون.

وحيث ان انتخابات مجالس المحافظات على الأبواب والحملات الانتخابية قد بدأت، نتوجه الى جماهير شعبنا وندعوها الى المشاركة الواسعة فيها واختيار الاكفأ والاصلح، ودعم واسناد مرشحي "تحالف قيم المدني" بما يمثله من توجهات منحازة الى المواطن والى كادحي الشعب، والتوق الى التغيير الشامل ولاقامة الدولة المدنية الديمقراطية على قاعدة العدالة الاجتماعية.

 

 

اللجنة المركزية

للحزب الشيوعي العراقي