الذكرى 66 لثورة 14 تموز
الطائفية تلغي العيد الوطني، ماذا تبقى من مبدأ المواطنة في العراق؟
نعيش هذه الأيام الذكرى 66 لثورة 14 تموز، وتعتبر هذه الثورة من أهم الأحداث، التي غيرت التاريخ العراقي الحديث على جميع المستويات، رغم ما أصابها من نكسات عبر العقود الأخيرة
تفجرت ثورة 14 تموز لأسباب موضوعية وتراكمات تاريخية، فقد واجه النظام الملكي في سنواته الأخيرة رفضا شعبيا بسبب الوضع المعيشي لغالبية الشعب العراقي وتحالف النظام مع الإقطاع والارتباط المباشر بالاستعمار، المتمثل بالمعاهدات، التي كبلت العراق ببنود هيمنة جائرة على سيادته وموارده وقراره السياسي. وكان لإخفاق الحكومات العربية في حرب فلسطين عام 1948 والموقف الغربي من قضية فلسطين أثرا واضحا على وعي الجماهير. ورافقت هذه الأزمات مظاهر عديدة لاضطهاد الشعب العراقي والدفاع الواضح عن مصالح الاستعمار الإنكليزي، التي منها إجهاض حركة رشيد عالي الكيلاني عام 1941 ضد الاستعمار البريطاني وإعدام قادتها، وملاحقة المعارضة، مثل زج آلاف المعارضين في السجون وإعدام قادة الحزب الشيوعي العراقي.
حققت ثورة 14 تموز الكثير من المكاسب على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مثل الخروج من حلف بغداد ومنطقة الجنيه الإسترليني واتباع سياسة اقتصادية مستقلة وإصدار قانون الإصلاح الزراعي وتعديل الكثير من القوانين، التي كان هدفها إعطاء المرأة والطفل حقوقا أكبر.
ولكن، مع الأسف، حصلت كذلك عدة سلبيات مثل القضاء على العائلة الملكية من قبل التيارات المتداخلة في الجيش، الشيء الذي لم يكن مخططا له، وكذلك الصراعات التي جرت بين التيارات المختلفة، والتي انتهت بانقلاب عام 1963 الدموي.
اليوم ونحن نحتفل بالذكرى السادسة والستين لثورة تموز، ما تزال بلادنا تعاني من وطأة الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، حيث تم تفكيك مؤسسات الدولة العراقية من جيش وشرطة وحرس حدود إلخ. وأسس الحاكم الأمريكي بريمر بالتعاون مع الأحزاب الطائفية والاثنية نظام المحاصصة التوافقي، وألغى بهذا مبدأ المواطنة، ليحل محله مبدأ الانتماء الطائفي والاثني، وعمل على تدمير الإنتاج المحلي الزراعي والصناعي، وفتح أبواب الاستيراد غير المحدود، وألغى العديد من القوانين، التي تراعي حقوق المواطنين، وعوض عنها بقوانين جديدة تضمن مصالح الفئات الحاكمة وتتعارض مع المصالح العامة.
أدى حل الدولة العراقية إلى ما نراه اليوم من التدخلات الأجنبية العلنية من قبل إيران وتركيا والولايات المتحدة. وأصبح الشعب العراقي يعاني، بشكل مكثف، من الفساد الإداري وسرقة الأموال العامة وسيطرة المليشيات المسلحة. وكانت نتيجة ذلك افتقاد أبناء الشعب العراقي إلى حياة كريمة وإلى أبسط مقومات الحياة في بلد غني بالموارد، مثل توفير المياه الصالحة للشرب والكهرباء والرعاية الصحية إلخ. وجاءت انتفاضة تشرين 2019، معبرة عن غضب الجماهير، لما وصل إليه العراق، وهادفة للتغيير الجذري، والتي خنقت بمشاركة القوى المهيمنة والمليشيات المسلحة، بعد أن قدم المنتفضون أكثر من 800 شهيد و 25000 جريح. ولكن أهداف الانتفاضة لا زالت حية في ذاكرة الشعب العراقي.
وفي السنوات الأخيرة اشتدت الممارسات القمعية ضد الجماهير المطالبة بحقوقها، فقد تم إصدار العديد من القوانين، التي غرضها تقليص الحريات العامة، كحرية إبداء الرأي وحرية الصحافة، وصارت ملاحقة الصحفيين وأصحاب الرأي، اللذين ينتقدون الأوضاع المزرية في العراق، امرأ يوميا.
وفي سياق إلغاء الوطن ومبدأ المواطنة وتعميق الممارسات الطائفية والاثنية، وافق قبل مدة قصيرة البرلمان على قانون العطل الرسمية الجديد، الذي الغي العطلة الوطنية الوحيدة للعراقيين، عطلة 14 تموز، وعوض عنها "عطل" اثنية وطائفية، بعض منها يعتمد على سرديات طائفية ليس عليها إجماع بين الطوائف الإسلامية، مما يثير، بشكل واضح، النعرات الطائفية.
كما تحولت في المدة الأخيرة أرض العراق إلى ساحة للصراع المفتوح بين إيران والولايات المتحدة، حيث تتحدث السفيرة الجديدة (فوق العادة) للولايات المتحدة جاكوبسون بشكل صريح عن تجفيف النفوذ الإيراني في العراق، متحدية بذلك المليشيات المسلحة التابعة لإيران. فماذا سيكون مصير العراق في هذا الصراع الشامل بعد كوارث العقود الأخيرة؟
ستبقى ذكرى ثورة 14 تموز في قلوبنا حية بكل دروسها...
نحو عراق جديد – ألمانيا
تموز 2024