في العاصمة الفنلندية، هلسنكي، مع حضور متميز ونوعي، ضيّفت المكتبة العامة في منطقة باسيلا، وهي من أقدم وأكبر المكتبات، الكاتب العراقي يوسف أبو الفوز (تولد 1956) في أمسية ثقافية تحت عنوان (تجربة الهجرة وأثرها على عمل الكاتب). رحب وقدم الضيف السيد أحمد الطيب، وأشاد بجهود الكاتب ومسيرته وبين ان أبو الفوز من الأصوات الأدبية الجادة في المنفى، وتناول موضوع الهجرة في العديد من اعماله الأدبية، ومنها المترجمة الى اللغة الفنلندية، والتي ساعدت في تقديم للقارئ فهم موضوعي لعالم الهجرة وهمومها وتحدياتها.
الكاتب يوسف أبو الفوز، شكر المنظمين وجهودهم الطيبة، ورحب بحضور ممثلي رابطة الكتاب والفنانين الفنلنديين (كيلا)، البيت العراقي في فنلندا، الجمعية العربية السورية واتحاد مهاجري فنلندا، والحضور المتميز والنوعي، الذي ضم العديد من الكتاب والفنلنديين والعاملين في المجال الأكاديمي، وشكر وجود السيدتين مانيا الخطيب وأمينة فيسالاينين اللواتي تناوبن على الترجمة من العربية الى الفنلندية.
استهل أبو الفوز، الحديث، بالإشارة الى علاقته بالكتب والكتابة التي بدأت مبكرا، في عائلة، تهتم بالثقافة والمعرفة، فأكتشف مدرس اللغة العربية، كتابته لأول قصة قصيرة، وكان عمره ثلاثة عشر عاما، فأدرك من يومها أهمية الكلمة. وبين ان اختيار القصة والرواية كنوع دبي أساسي في نشاطه لم يأت بشكل مباشر، اذ كان في بدايته مشتتا بين كتابة الشعر والقصة والمقالات في المجلات المدرسية. وبين ان انتقاله للدراسة الجامعية 1975، والعمل في الصحافة، في المكاتب الصحفية لصحيفة (طريق الشعب)، قادته الى الخوض في حياة ومشاكل الناس وهمومهم وآمالهم، ورسخت عنده ان القصة هي بيته المناسب، فاهتم بتأثيث هذا البيت في القراءات العميقة في صنوف الادب والنقد وعلم النفس والاجتماع، وعلمته الصحافة الإحاطة بالتفاصيل وملاحقتها واستنباط الأسئلة، والسعي لمزيد من المعرفة والاطلاع.
وبين الكاتب الضيف ان موضوعات الكتابة ارتبطت عنده بطبيعة المراحل المختلفة في حياته، فخلال وجوده في العراق، ثم الكويت 1979التي اضطر مجبرا لمغادرة وطنه اليها، مشيا على الاقدام، إثر القمع السياسي من نظام البعث الشوفيني، ثم وجوده في اليمن الديمقراطي 1980 ـ 1982، كان موضوعة الحرية والنضال لأجل حياة جديدة، هي الأساس في كتاباته وعبرت عن ذلك المجموعة القصصية (النهر والعشاق. صدرت عام 2025). وفي سنوات كردستان عند التحاقه بحركة الكفاح المسلح 1982 ــ 1989، كتب عن حياة ومعاناة وشهداء الأنصار والشعب الكردي وعبرت عن ذلك كتبه (عراقيون صدر 1985)، (تلك القرى.. . تلك البنادق صدر عام 2007)، (أطفال الانفال 2004، صدرت ترجمته الى الكردية 2020)، وخلال فترة التشرد في عدة دول والبحث عن سقف آمن، أنجز كتابة مجموعته القصصية (طائر الدهشة 1998، صدرت باللغة الفنلندية عام 2000 بترجمة من الدكتور ماركو يونتنين)، فبعد وصوله الى فنلندا، لاجئا لأسباب إنسانية مطلع عام 1995، بدأت مسيرة جديدة في حياته، حيث عاد لاستخدام أسمه الصريح في التعامل الرسمي واليومي، بعد ان عاش طويلا تحت أسماء مستعارة عديدة. وكأنسان مهاجر أولا وكاتب ثانيا، واجهته العديد من التحديات تتعلق بعملية الاندماج في مجتمع مختلف في اللغة، الثقافة، القوانين والتقاليد. وبين ان الحياة في فنلندا قدمت وأضافت لتجربته ككاتب الكثير، فمساحة الحرية الواسعة، ساعدته على الكتابة بحرية وكسر التابوات المفروضة على الكاتب في البلدان العربية، إلا وهي تابوات السياسة، الدين والجنس، وان حياة الاستقرار التي عاشها في فنلندا، خصوصا بعد ارتباطه وزواجه، ساعدت على امتلاك قدرة في البحث وكتابة اكثر من مشروع روائي، إضافة الى ان الاحتكاك بالآخر، المختلف، علمته الكثير ووسعت من آفاق معرفته، وادراك انه مواطن كوني ينتمي لهذه الأرض، يتطلب منه مواصلة العمل والسعي لأجل السلام وكرامة الانسان والعدالة الاجتماعية. وبحكم تزايد اعداد المهاجرين في فنلندا، ومنهم القادمين من العراق، نالت موضوعة الهجرة اهتماما متزايدا منه، ككاتب وباحث جامعي، فتوقف طويلا في اعماله الأدبية عند موضوعات الهوية والجذور والاندماج والتغيرات في المجتمع الفنلندي والتحديات الاجتماعية والنفسية التي يسببها تصاعد ونشاط أحزاب اليمين والجماعات العنصرية، مدركا ان المهاجر لا يقطع تذكرة بأتجاه واحد إذ يبقى مرتبطا بجذوره وهويته ساعيا للتمسك بها وابرازها بطرق مختلفة بشكل صحيح او خاطيء. وأشار الى ان النقاد الفنلنديين يوصفون اعماله الأدبية كونها (تطير بجناحين فنلندي وعراقي)، فهو يبدأ عادة من فنلندا، بتقديم شخصياته المهاجرة وظروف حياتها ومعاناتها، ويعود معهم الى جذورهم وحيواتهم التي تركوها في وطنهم الام.
باب الأسئلة والتعليقات التي اشترك فيها العديد من الحضور ومنهم كتاب وفنانين فنلنديين ومهاجرين، بارزين على الساحة الفنلندية، فتحت محاورا إضافية للنقاش، منها حالة التهميش التي يعاني منها المبدع المهاجر والحصار الذي تفرضه عليه القوى اليمنية والمتسلطة على وسائل الاعلام، وأيضا أثيرت موضوعة الذاكرة كأحد الأدوات المهمة للكاتب المهاجر، وأيضا موضوعة الرقابة عند نشر الكتب، المكتوب بحرية في أجواء فنلندا والمنشورة في بلاد عربية تمارس السلطة فيها فرض التابوات. وقدم الكاتب أبو الفوز الإجابات للاسئلة وعلق على بعض الملاحظات، ثم قدمت في نهاية الجلسة التي استمرت ساعتين، باقات الورد، من منظمة الكتاب والفنانين الفنلندية، البيت العراقي، وبعض الحاضرين، ووقع الكاتب للحضور بعضا من إصداراته.
تصوير: شادمان علي فتاح
نشر في المدى البغدادية 14 سبتمبر 2025