كورونا 2020

4

مواعظ كرونا!

(مقطع من عمل سردي)

تشعر بالخوف من هلع "كورونا"، تهمس:

- ﴿وَعَنَتِ الوُجُوهُ لِلْحَيِّ القَيُّوم﴾.

تختفي وراء طفولتها لتكتشف علاقتها بالماء، منذ كانت مُضْغَة في رحِم أُمِّها، إلى أن أصبحت في سنها الذهبي تُنعت بأنها من القواعد، وصادفتها "كورونا". تفرك يديها بالماء والصَّابون السائل بلون الورد المعطر، وتَعُدُّ الفقاعات الصغيرة، الكبيرة... تقف أمام المرآة، تفرك مرةً بلطف ومرةً بشدة، تفرك كَفَّ يدها اليمنى على ظهر يدها اليسرى.. جمعت كَفَيْها.. فركتهما، تنبعث فقاعات جديدة. تغسل يديها بالماء فوق حوض المِغْسلة، تشبك أصابع يديها، ترى أمام المرآة:

- أُمَّة واحدة!

تثبت في مكانها بغرفة التلفاز. تتابع الأخبار على القناة الأولى:

-كورونا صُنعت في الصين أول مرة. ارتفعت عدد الإصابات وتعددت الوفيات. يوصي الإعلامي (الغُماري) بوضع الكمامات، ويعلن مدير الأوبئة (اليُوبِي) عن الحجر الصحي. يقرأ الآية:

- ﴿قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُم مِنْهَا ومِن كُلِّ كَرْبٍ...﴾.

تسمع نَقْرًا على الهاتف، رسالة إلكترونية من صديقتها الطبيبة الدكتورة (لميس):

-كورونا، لا تنفع معها فاكهة السَّفَرْجَل. يجب أكل فاكهة اللَّيْمُون. احذري من ارتفاع ضغط الدَّم، إنه يَهْجم على الرِّئة، والرِّئة تجمع السوائل والأوساخ. حافظي على النوم والهُدُوء، وابتعدي عن ارتشاف القهوة.

لا تعجبها توصيات الوعظ والإرشاد في زمن كورونا. تسمع نَقْرًا على الهاتف، رسالة من صديقتها الشاعرة (إِباء) التي عَمَّرت صداقتهما أكثر من رُبع قرن:

-عائلتي بخير. الحمد لله. مَشينا اليوم ساعة، تَمتعنا بالهواء النقي وَعُدنا إلى البيت. حاكمة ولاية ميتشغان أصدرت تقريرًا معناه: أن الولاية في حالة كارثة من انتشار كورونا، وازدياد عدد الضحايا بآلاف المصابين، وآخرون فقدوا حياتهم. مستر (ترامب) رفض الاستجابة للاستغاثة، كي لا يدفع بمساعدات جديدة للولاية. الحمد لله أننا نسكن في كلا ركستن، مدينة نائية بعيدة عن الازدحام، وكل بيت مستقل وحولنا الكثير من الغابات والمياه. كل شيء مغلق في ولاية ميتشغان لمدة21 يومًا. حماكم الله جميعًا.

أغلقت رسالة (إباء) وانشغلت بالبحث عن السفن العالقة بالبحر. السفينة زاندام السياحية التي تحمل عشرات الركاب المصابين بفيروس كورونا، وأربع وفيات. الهلع أصاب ركاب السفينة بعد أن رفضت جميع دول العام أن ترسو سفينتهم باليابسة، إلى أن يسر الله لها الاقتراب من سواحل ولاية فلوريدا، ورخص لها كبير إدارة الولايات المتحدة الأمريكية ( ترامب) لترسوا بميناء (فورت لودرديل)، وذلك بعد أن علم بوجود أمريكيتين على متن السفينة، والباقي من جنسيات مختلفة.

مخابرات (ترامب) ضعيفة لا علم لهم أن إحدى الأمريكيتين جد والدها كان جارًا للحاج (عبد الله المِرِيكَانِي)، وكان متصوفًا دَرْقَاوِيًا، يتعبد بزاوية بمدينة آزمور. في نهاية القرن التاسع عشر هاجر إلى أمريكا، عاد إلى بلده فأصبح يلقب بالمريكاني. وترك بنته بأمريكا. مع زوجته الأمريكية.

حصلت البَرَكة من خلال الأمريكية من أصل مغربي، التي كان والدها (عبد الله) يتعبد في زاوية آزمور. رست السفينة على اليابسة. وهدأ خوف الركاب من هول كورونا.

تنقر حروفا على اللوح الحاسوبي المسطح، ترسل رسالة إلكترونية إلى صديقتها (شانتال Chantal)، بمونتريال، ضمنتها قطعة سردية: "بازُوكا وكورونا". ترجمتها لها بنت عمها إلى اللغة الإنجليزية، لِتَطَّلِع عليها صديقتها شانتال، وتحولها لصديقات أجمل العمر بكندا، اللاتي لا يتقنَّ اللغة الفرنسية ويجهلن العربية :

 

كُورُونا 2020

5

امرأة الوَرد بلا برواز!

(مقطع من عمل سردي)

بدت حزينة من هلع كُورُونا، وهي ترسل رسالة إلِكترونيَّة إلى صديقتها (سُعْدَى)، 24-4-2020.

-أخبركِ، صديقتي (سُعْدَى)، أنني احترفتُ مهنة السرقة، منذ وصول كُورُونا إلى الرباط! واكتشفت معها أن عندي موهبة جُبِلْتُ عليها، كانت مُختفية! السؤال الآن: كيف انبعثت هذه الموهبة زمن كُورُونا؟ وتيقنت أني سارقة ماهرة أستطيع أن أَلِج دُور صديقات أجمل العمر؟

حصل أمر السرقة عندما اشتاقت إلى أصدقائها وأولادها المقيمين في وطنهم الجديد كندا، وتيقنت من مهارة حرفتها، حينها أعلنت على صفحتها بـ"الفيسبوك" عن مشروع سرقة لوحات من دُور صديقات أجمل العمر، برسم وردة. بدأت باقتحام دار الفنانة التشكيلية (أمل الركابي)، وهي كندية من أصل عراقي تقيم بمدينة مونتريال.

بعثت بأول سرقة إلى صديقتها (سُعْدَى)، لوحة تشكيلية برسم وردة، وذلك بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.

بقدرة قادر نفذتْ إلى دار صديقتها الفنانة التشكيلية (أمل). كانت الفنانة غارقة في النوم. فارق الوقت يساعدها على السرقة. حَمَّلَتْ على هاتفها "الذكي جِدًّا" اللوحة برسم الوردة وانصرفت. لا أحد يراها، الله يراها. عادت إلى بلدها عبر (بحر الظلمات) إلى شاطئ هرهورة، الذي كان فارغًا من المشاة. السكَّان يحترمون الحجر الصحي؛ لا يخرجون من ديارهم "بغير حق". تقلِّب شاشة هاتفها.. ترى لوحة الوردة.

اللوحة سبق أن شاهدتها بمونتريال في معرضLevan Le . عندما وصلت اللوحة التشكيلية عن بُعد إلى دار صديقتها (سُعْدَى)، أجابتها على الفور: إنها ستتولى الدفاع عنها في المحكمة في موضوع السرقة.. يجب أن تطمئن!

- كُورُونا ما زالت تفعل فعلها: رسائل إلِكترونية، من صديقتها (خَدِيج)، تخبرها أنها أصبحت مدمنة على القراءة في زمن كُورُونا.

... ... ...

23 -05-2020:

انتهت من قراءة مجموعة ميلان كونديرا Milan Kundera القصصية: "Risibles Amours".

منذ انتشار كُورُونا تغيَّر كل شيء. أصبح العالم حزينًا. أُغلِقت المطارات، وأُغلِقت معه المنافذ والنوافذ، ولم تعد (خديج) تبحث عن الجزء الآخَر المفقود. اعتادت أن تكتب لها عن الحُبِّ عبر نافذتين بين مونتريال وباريس:

- الحُبُّ هو تلك الرغبة في إيجاد النصف الآخَر المفقود.

كان لهما مشروع نافذتين ورديَّتين، للحديث عن خصوصية المرأة الحُرَّة، دون وضعها في بِرْوَاز: صنف.. معتقد.. دِين.. أو ما شابه! كانتا تتجاذبان أطراف الحديث. تهاتفها على "الواتساب".. تخبرها أنها

بصدد البحث عن البريد الإلِكتروني للكاتبة السورية (غادة)، التي تقيم بين بيروت وباريس، والتي كَتَبَتْ، على عمودٍ لها بصحيفة عربية، إشارة إلى علاقة زوجها (بشير الداعوق)، بيوم اختطاف (مهدي بن بركة)، بباريس سنة 1965. تعجَّبت من أمر علاقة مدير مطبعة لبناني مع سياسي مغربي!

وللوَرد بقيَّة...