النص السردي يمتلك براعة التجديد والابتكار في الصياغة الفنية في تقنياتها الحديثة , تتجاوز التقليد والمألوف , إذ يملك خاصية الصراع بتصاعد  الفعل الدرامي في سرد حكاية النص , وخاصة ان الاستاذ ( شوقي كريم حسن ) يمزج السرد بالدراما , ليشكل  الثنائي  في تقديم الحدث في البنية والأسلوب , هذه المنهجية برع بها بشكل فائق ومرموق , في الاتجاه الروائي أو القصصي الذي يسلكه  , يصب في الاتجاه  الواقعية الجديدة  أو الواقعية الانتقادية , ويوظف معالم الكوميدية / التراجيدية ( المضحك / المبكي ) متدفقة من الخيال والواقع , على خلفية فكرية عميقة الدلالة والاشارة , في عمق الرموز الدالة في المعنى والمغزى , في تناول مفردات الواقع بحجمها الاجتماعي والسياسي الطاغي  للحقب والمراحل التي مرت على العراق ,  وأخذت  صبغتها الخاصة ومتميزة . نجد براعة التمرد والمشاكسة في الشخوص , في الشخصية الواحدة , التي تدور حولها الحدث أو الاحداث في النص السردي ,  وفي لغته المشوقة في غاية البساطة , حتى تشعل السخونة في الحدث الدرامي / السردي , في  تنقلاتها وتحولاتها نحو الذروة . مما يخلق براعة في النص القص بتحويله  الى مشاهد تصويرية في الصورة والوصف , يتناولها بكل شجاعة وجرأة في المكاشفة الصريحة , في عمق الإحساس والشعور , ليجعل القارئ يعيش احداث السرديات , هذا ما نجده في المجموعة القصصية ( عربة ماركس المنسية ) بشكلها الانتقادي الساخر , وفي روحية صبي متمرد ومشاكس . كأنه يريدان  يصعد الجبل الى القمة ليمسك الوهم والحلم , وان لا يهادن ولا ينحني للعواصف مهما كانت شدتها , كما وعد وتعهد الى والده المرحوم كما جاء في الإهداء ( الاهداء ... الى كريم حسن شهاب .... الذي علمني أن مواجهة الظلم مهمة أنسانية , شريطة ألا تكون مرتبطة بمصالح شخصية ضيقة الأفق , وأوصاني , ذات غضب ........... ( مجنون من تسيره أوهام محال الى تحقيقها ) ) لذلك نتابع ونلاحق ذلك الصبي المجنون والمتمرد  , كأنه في غابة الوحوش الكاسرة ليسرق منهم الحلم   , او انه يحاول ان يمسك الريح براحة يديه , هذا الصبي الجنوبي القروي , عينيه متورمة بالاحمرار , وجسده النحيل , يحاول أن يطفر على مراحل  طفولته جزافاً , لذلك يدخلنا في رحلة حياته  العجيبة , مليئة بالجنون والتمرد ( كان الصبي الذي كأنه يرفل لاهثاً ممسكاً بطرف الثوب المقلم بخطوط خضر مسطرية , يطبق أجفانه  ويتأوه لاحساً جفاف شفتيه المالحتين , ثمة عالم آخر يشده إلى  وجوده , عالم تأخذه الاحلام إليه لحظة تلفح حرارة الشمس باطن قدميه الراكضتين دوما ) ص6 . ولكن روحه مليئة بالتمرد والانتفاض , ولم يغادر أحلامه ,  وحتى لو هذه   تغادره دون وداع , يظل صامداً في جسارته وتحدياته , رغم ان يزرع أحلامه في أرض  قاحلة وجافة تعبث بها الاتربة ( - لمَ أنت هذا بعد هذا الكد المضني ؟ ولمَ غادرتك الاحلام دون وداع ؟ ما الذي جنت سنواتك غير تراب مملوح وأرض قاحلة , وحدك أيها الغريب الضائع في متاهات مدن روحهِ . وحدك تبقى  ووحدك تغادر ) .

  × قصة : قوافل الشط .

  (  لا غرابة في أني أقدم جنوني بين يدي صديقي المغدور فيصل غازي الثاني المبجل ) ص12 . تبقى الحقيقة  الصادمة , أن مقتل الملك الشاب المغدور , فتحت صندوق ( باندورا ) بكل الشرور والعدوانية والمجازر لم تتوقف حتى يومنا هذا . حكاية السرد تتناول الواقع آنذاك بشكل أسلوب  ساخر وانتقادي . نقتطف بعضها رغم أن الحياة لا تخلو من مشاكل وعثرات   , ولكن كانت الحياة تحمل البساطة والتواضع بدون بهرجة فاقعة من الملك حتى أصغر مواطن بسيط . كانت الحياة تحمل نكهة خاصة في مذاقها الحلو والمتواضع , منها مسؤول النادي بأمر حكومي من مدير الناحية , كتب في لافتة عريضة في  باب النادي مجموعة ممنوعات ( كتب المسؤول عن النادي . ممنوع الغناء , وممنوع الرقص , وممنوع الحديث بالسياسة , ممنوع جداً الهتاف ضد الحكومة بعد منتصف الربع الثاني من ثمالات العرق المغشوش ) ص12 مما حدى بزبائن النادي تركه والتوجه الى ضفاف  الشط والبساتين , ولكن لتلطيف الجو في قائمة الممنوعات وتخفيفها , بما صرح به مفوض الشرطة بقوله ( يحق للمواطن الغناء وتجاوز حدود الهذيان , بشرط أن تكون سورية حسين , وحلوة الطباع لميعة توفيق ) ص13 . ومدير المستوصف يحاول أن يتصالح مع المضمد المنفي , ان يسمح له بتناول القصائد الممنوعة ومنها واهمها  قصيدة ( أين حقي ) وارسل إليه حارسه الشخصي مع نصف قنينة ( عرق ) عربون المحبة والتصالح  .

  × قصة : عربة ماركس المنسية :

  التحليق في عولم الوهم بعقلية صبي وقح ,  يشاكس حتى اوهامه بالتمرد عليها ( - أنت لن تقوى العبور إلى ضفاف المعاني القصية  , تحتاج  إلى عدة وقبول . أنت لن تقوى على فعل سبر الاغوار هذا , كن مع الاقرب , واترك البعيد يجيء اليك ..... حيرتك تنث مطراً مالحاً من الارتدادات التي تزيدك  نفوراً ) ص23 . تتوغل مسرودة  الحدث السردي  بالمعنى الرمزي البليغ في المعنى والمغزى الدال . بأن رجل غريب الأطوار دخل الى القرية في ليلة ماطرة ليكسر مرايا الواقع ويقلبها على العقب  بالضجيج والصخب ( لا أحد يدري كيف ظهر الرجل كث اللحية في قريتنا , سمعتهم يقولون , أنه ما جاء ولم يراه احد يدخل مرابعنا .. لكنهم وجدوه ذات ليلة راعدة ماطرة ) ص23 . وانكشف سره بأن هذا الرجل كث الشعر واللحية جاء من بلاد الفرنجة ( ليسكن ديارنا المفعمة بالصمت . بعد أن أعلن جهاراً ( أن الدين افيون الشعوب )  لاحقته السن الغوغاء , بعد أن امطرته بوابل من السباب , وامطار من الحجج مطالبة برميه  في لجج البحر , وهذا ما قام

 به كهنة المعابد , الذين تضررت مصالحهم قبل مصالح الفقراء والمساكين ) ص24 , وأصبح الصراع  محتدما في منع زعزعة سلطة   كهنة المعابد  المطلقة , لذلك أن هذا الرجل كث اللحية يعزف في الفراغ  في ارض لا ينبت فيها العشب,   ( - يا سيد نبؤتنا تقول , يدرككم الموت لو كنتم في بروج مشيدة ...  عُد من حيث اتيت , ان استطعت عد )  ص24 .

  × قصة أمنيات :

 تطرح سؤالاً جوهرياً في مفهوم الحرب ومشعليها  , دائما وقودها الشرائح المسحوقة والمظلومة يرجعون في توابيت الموت . ليتنعم  أصحاب الجاه والنفوذ ....... تتحدث عن ضحية رجع من الحرب مبتور الساق وينتهي به المطاف  بالسجن  , و يتندر عليه مسؤول السجن بالاستهزاء والسخرية ( أعرج البين من أجل ماذا فقدت ساقك ؟ وأضعت سنوات عمرك هباء منثوراً ؟ كنت اتابعك بشغف وحب وتفاخر , وانت تركض مثل غزال شارد , مجتازاً الحاجز تلو الحاجز . يصفق لك الجمهور ويهلل بأسمك ....  ما كان عليك أن تبقى منتظراً موتك ) ص31 .

  × قصة : وقف منتهي الصلاحية .

 سلاح الطغاة الحيل والمكر بجانب السيف , وانتاج ثقافة التمجيد والتعظيم والتقديس , للضحك على ذقون الجهلة والاغبياء حكاية السرد في رمزيتها العميقة , تتحدث عن مجون وهوس وبذخ الباشا ( مراد باشا )  حول القصر الى مجون وخمر ونساء ومتعة  , تقودها جاريته المحبوبة ( درة الملك ) التي تعرف كل اسرار القصر    , ولكن بعد موت ( مراد باشا ) تحولت الى عاهرة مبتذلة ومنبوذة , وخشية من فضح أسرار القصر , دبروا أمر مقتلها , وبعد موتها , اصدار القصر فرماناً , ببناء مزاراً باعتبارها  سيدة مقدسة , بما جاء فيه ( تقديساً لسيدة العفة والبهاء والرفعة , مولاتنا درة الملك , قررنا بناء مزاراً يكون مكاناً آمناً , لتلاقي العشاق والمتيمين حباً , وعلى الجميع التهيؤ لدفع الضرائب والمستحقات , دون تأخير وتخاذل )ص59 .

  × قصة : مزار الغريب هتلر .

 دائماً وابداً الطغاة والأباطرة يركبون حصان بدعة الإنقاذ ودعاة التحرير  ,   أعوانهم  يرفعونهم  على الأكتاف بالمجد والتعظيم والقدسية , ويبثون رياح  الرعب والخوف في نفوس معارضيهم , ليذهب الى جهنم من يتطاول على  الحضر الأعظم المقدس  ( قال الملأ, بعد ان تيقن ما سعت إليه  أحلامه صار يقيناً

 - لابد من مزار . . لمنقذنا الآتي من بلاد البرد , يدعونا لحفظ هيبة حضوره ) ص82 . فهذا ليس بغريب وعجيب  ان تقام اضرحة مقدسة لهتلر  وامثاله من الطغاة , ونتذكر الحقيقية المرة , ألم يطالب احد من النخبة الحاكمة الحالية , بإقامة تمثال من الذهب  للغازي المحتل جورج بوش ؟ . ألم يقدم سيف الامام علي ( ع ) سيف ذو الفقار هدية الى وزير الدفاع الأمريكي القاتل ؟

   والقادم اتعسش