25-12-2023

انتظار.... ا

الانتظار يولد القلق والملل ... وفي كل الظروف سواء كنا في انتظار موعد مع صديق او دكتور او حبيب وتختلف من حالة الى أخرى، لكنهُ وقت وزمن يؤخذ من عمرنا مضطرين او احيانا برغبة منا لكن أقسى لعنه انتظار هي انتظار نهاية حياتك والى الابد غير راغبا بذألك... (هكذا هي الحياة!!)

كنت جالسا على الاريكة في صالة مفتوحة وكبيرة في مطار ستوكهولم، منتظرا أحدا من البوليس ان يعطيني جواب على طلب اللجوء هنا. أكثر من نصف ساعة وانا في حالة من القلق والترقب والوساوس التي ما عادت تخرج من راسي بالكثير من الاحتمالات، ربما الرجوع الى موسكو او يذهبوا بي الى السجن (كما حدث لي في تركمانستان في بداية الامر) او قبول اللجوء

المفارقة انني لم استوعب هذه الفكرة وبهذه السهولة بان اتي الى بلد واقول انني اريد اللجوء لديكم!؟ربما يشعر المرء بانه لا شي ولا قيمة له!!؟ وربما يتبادر الى الذهن سؤال لماذا لم اطلب اللجوء في موسكو (عاصمة الاتحاد السوفيتي سابقا) وهو بلد اشتراكي!!؟ واطلب اللجوء في بلد اوربي رأسمالي!! وهو معادي لطموحات العمال وغيرهم في تحقيق العدالة الاجتماعية حسب ما تعلمنا به خلال سنوات ماضية...! ا

وانا مشغول بالتفكير بهذه الاسئلة والوساوس يأتي رجل بوليس باتجاهي مع شخص اخر وهو يتحدث معه ويده تومي باتجاهي وقفت قال الشخص الذي مع البوليس

يقول رجل البوليس سوف نرسلك الى مكان خاص بطالبي اللجوء ...ا

لم اقل اي شي...هذا الجواب الذي كنت منتظره جعلني اشعر بقليل من الارتياح لأنني سوف أبقى هنا على الرغم لا اعرف ماذا سوف يحدث في الغد او بعد غد ...!!ا

وصلت في اليوم التالي الحادية عشر ظهرا ...بنظرة سريعة وانا ادخل المكان شاهدت خليط من البشر الاسيوي والافريقي والامريكي اللاتيني وغيرهم حينها التقيت مع مسؤولي المكان مع مترجم اللغة العربية وضحوا لنا اين نسكن واين نأكل ...هنا يختلف سكن العائلة عن الشخص الغير متزوج

المتزوجون لهم غرف خاصة والاعزب يسكن مع الاخرين في غرفة كبيرة تتكون من ستة اسرة او ثمانية حسب سعة الغرفة وهناك غرف فردية ربما للذي لديه حظوة (واسطة) او انه له فترة طويلة يسكن هنا او يمتلك ظروف خاصة

وضحوا لي بان اسكن في غرفة كبيرة مؤلفة من ثمانية اسرة وهناك وقت محدد للغداء والعشاء والا أفقد دوري في الحصول على وجبة الاكل ليس غريبا ان اسكن مع ثمانية اشخاص ...لأنني عشت تجربة سابقة (البيشمركة) وربما في ظروف أخرى قبل ذألك!! من سوء الحظ سكنت مع اشخاص لم يتكلموا العربية. هذه ربما ليست مشكلة كبيرة لكن تصرفات الناس الذين معي تختلف من شخص الى اخر هناك من يأتي بعد منتصف الليل وهو يتكلم بصوت عالي وهناك اشخاص غير مكترثين باي شي عبثيين. قلت لنفسي هذه فترة مؤقتة يجب ان اتحملها وانتظار ما تحمله الايام القادمة لي من نتائج …!! اعتبرها استراحة محارب!! وابداء بحياة جديدة وانفتاح على عالم اخر هكذا تخيلت للمستقبل...!!ا

الحادية عشر والنصف بدأ الناس (اللاجئين) تتجمع امام المطعم واقفة في الطابور، هنا يقف الافريقي والايراني والعراقي والاثيوبي والشيلي والفلسطيني حينها شاهدت العديد من اصدقائنا (البيشمركة) الذين اعرفهم لكن لم أستطيع التكلم مع أحد (عدا ابوعماد وزوجته) احيانا لا اعرف السبب ربما مسالة شخصية او هناك توصية لكيلا أحد يعرف اننا نفس المجموعة (البيشمركة الشيوعيين) …! ا

الانتظار في الطابور لأجل ان تأكل وجبة غداء او عشاء ربما يولد لدى الانسان احساس بالضعف وقليل من الذل شعرت هكذا!!ا

خلال وجودي تعرفت على العديد من الجنسيات المختلفة، اللغة لم تكن عائق في ان نجتمع وأحيانا نسهر وكل يغني بطريقته الخاصة وخصوصا المجموعة الايرانية التي تزيد الاجواء أكثر بهجة.ا

السكن مع ثمانية اشخاص والوقوف في الطابور للحصول على الغداء او العشاء اصبحت مزعجه لي بالرغم انها تحت ظرف اضطراري، تعرفت على شخص فلسطيني اسمه نافع متوسط القامة أصلع في مقدمة راسة وفي العقد الخامس يتكلم اللغة السويدية بشكل جيد لديه سيارة خاصة يستخدمها كتاكسي في الليل بشكل غير قانوني (يعمل ما يسمى الدفع بالأسود)

  وجوده هنا لفترة ثمانية سنوات جعلته يمتلك خبرة وعلاقات جيدة مع الاخرين من ضمنهم بعض المسؤولين في المخيم لكنهُ لا يمتلك إقامة في السويد وبسبب وجودة لفترة طويلة يسكن في غرفة لوحدة

تتطور العلاقة فيما بيننا مما جعلني اشرح له ظروفي التي اعيشها مع ثمانية اشخاص وعدم ارتياحي بوجودي معهم أجاب وبدون تردد وبصيغة سؤال لماذا لا تأتي وتسكن معي !؟وكما تعرف انا اسكن وحدي ولا اتواجد في الليل واضاف أنك سوف تحافظ على حاجياتي فرحت للفكرة وشكرته قال من اليوم تستطيع المجيء الى الغرفة

بقيت على تواجدي في الغرفة لفترة خمسة عشرة يوما بعدها نقلت الى فندق في منطقة داخل استوكهولم مع بعض طالبي اللجوء الذين كان غالبيتهم من البيشمركة الانصار الشيوعيين

التحقيق...!!ا

في هذا الفندق جرى التحقيق معي ومع العديد من البيشمركة كان العدد عشرين الى خمسة عشرين والمتفق علية اعطاء المعلومات بتفاصيلها منذ بداية الخروج من العراق الى الوصول للسويد ومن نحن!؟

الاكثر مفارقة وربما أكثر غرابة ان الانسان لا يعترف باي شي امام جلاديه وبمختلف وسائل التعذيب التي تمارس ضده ربما حدث هذا مع بعض البيشمركة الانصار قبل التحاقهم

لكن هنا سوف يعترفوا (وانا منهم) بكل شي بأراداتهم وبدون تعذيب واكراه للحصول على الاقامة في دولة اوربية -السويد - اجبت على الكثير من الاسئلة، لماذا اتيت الى هنا؟ وكيف وصلت؟ ومن الذي ساعدني؟ لكن قبل التحقيق 

كان الحديث المتداول الى اين مدينة سوف يرسلونا (بالرغم اننا لم نحصل على الاقامة!) حينها سمعت اسم مدينة (محافظة) في الشمال اسمها كيرونة وهي منطقة باردة وفيها يسقط الثلج كثيرا حينها عند التحقيق تجرأت وقلت للمحقق بأنني لا أستطيع تحمل البرد هناك وإذا توجد منطقة اخرى اذهب اليها !!ا

بعد ثلاثة أشهر حصلت على الاقامة التي كانت فرحة كبيرة بطعم مرارة الانتظار...! ا يتبع

_____________________