10-03-2024

(... ربما الاشجار تثمر... وجذورها يابسة )

سكنت عائلة سمرة بنت يوسف المتكونة من زوجها وطفلين في أحد قرى مدن جنوب العراق . كانوا لا يملكوا شيئا فقط كوخ صغير من البردي وسعف النخيل يأويهم مع اطفالهم ,عاشوا ظروف صعبة حيث بالكاد يسدوا رمقهم من عملهم اليومي. في احد الايام التي لم تعد مهمة لهم لعدها، والاهم ان تستمر حياتهم رغم صعوبته

قالت سمرة لزوجها لديَ بذرة شجرة اريد ان ازرعها في الكوخ عسى الايام والسنين القادمة ان تنمو وتكبر وتثمر وتعيننا في ايام الضنك ...! ا

قال لكن انت من تهتمِ بها...!!ا

اجابت وبشعور من الفرح ... موافقة ...!!ا

مرت عدة أشهر وهم على هذا الحال ...قالت سمرة لزوجها حالتنا لا تسر لابد ان نجد حل ...!!ا

قال انا كذلك أحس بالضيق والحزن واضاف دعينا نرحل من هنا الى اي مدينة عسى أجد فيها شغل !!ا

قالت سوف اكون عونا دائما لكَ.ا

قال هيئي نفسك غدا لنرحل من هنا ...اجابت وبشيء من الحزن قبل ان اهيئ نفسي اريد ان اريك شيئا ربما يسرك ...البذرة التي زرعتها قبل عدة أشهر الان اصبحت نبتة صغيرة ...! ا

قال لها بشي من الحزن في نبرة صوته كيف نتركها هنا...! ا

اجابت لن نتركها سوف نأخذها معنا ...ا

قال هذه نبتة صغيرة والمسافة طويلة الى المدينة ربما تأخذ يومين او أكثر وسوف تيبس بالطريق... قالت لا تقلق انها مبللة الجذور كثيرا من ماء النهر واضافت لديَ (شيلة) * ورثتها من امي مخبأ في الصندوق سوف ابللها بماء النهر واضع النبتة فيها وأشدها على بطني لكي تبقى مبللة الجذور واحسبها أحد اطفالي الذين اعتني بهم قدر ما أستطيع. ا

هاجرت سمرة بنت يوسف الى المدينة مع زوجها وطفليهما والنبتة الصغيرة التي تعتبرها طفلها الثالث . في المدينة لم تكن الظروف سهلة عليهم في البداية . حاولَ زوجها ان يسعى ويكافح في الحصول على عمل, استطاع اخيرا بعد شهر من وجوده ايجاد عمل في معمل لصنع السجاد. ا

شعرت زوجته بالفرح والاستقرار النفسي بعد حصول زوجها على العمل لكي تعتني بطفليها مع النبتة الصغيرة التي بقي لونها اخضر وجذورها مبللة حيث زرعتها وسط البيت. ا

كبروا الاطفال وأصبحوا شباب وايضا كبرت الشجرة قليلا التي كانت اوراقها الصغيرة خضراء .ا

بعد عدة سنوات توفي زوج سمرة بنت يوسف وهو في عمر ليس كبيرا بسبب مرض القلب ... تزوج الابن والبنت وخرجوا من البيت وبقيت الام وحيدة مع الشجرة (تقول لنفسها ليت الاصغار ما كبروا)* اصبحت لا تقوى على مٌدارتها بسقيها او تقليم اغصانها . بعد فترة جاءها ناس طيبون عرضوا عليها نصيحة ان يأخذوا الشجرة الصغيرة الى بيتهم الكبير وسوف يهتموا بها ويداروها ويفروا لها وللأشجار الاخرى كل شي حتى تصبح المدينة جنة تحلم بها الاشجار والمدن معا .فرحت الام جدا لهذه النصيحة . قالت الام حقا انا كبرت ولم يعد باستطاعتي مُداراتها، لكن إذا رغبت ان تأخذوها لديَ شرط ان تبقى (الشيلة) ملفوفة على جذورها. ا

قالوا نعم نوافق على ذلك وهذا ما سوف نعمله ...ا

( المرء يقطع الشجرة التي تظله...ا)

اهتمت العائلة الكبيرة كثيرا للشجرة الصغيرة سقيها بالماء وتقليم اغصانها بين فترة واخرى .بعد عدة سنوات تعرضت العائلة الى ظروف صعبة وقاسية حينها لم يستطع اهل البيت تحمل المسؤولية في الاهتمام بالبيت والاعتناء بالشجرة بسبب قلت الحكمة والقدرة في تقدير الظروف ...! ا

فقررت هجرة البيت والذهاب الى مدينة اخرى رغما عنهم وتركت الشجرة وحيدة ...حيث دخل الغرباء واللصوص الى البيت وعبثوا بكل اشياء وتركوا كلابهم تنهش وتتبول على الشجرة ...ا

وصل الخبر الى سمرة بنت يوسف بان شجرتها التي اعطتها الى العائلة الطيبة لم يوفوا بوعدهم حيث تركوها وحدها للصوص والكلاب السائبة... .هذا الوضع جعلها تحزن كثيرا بكت بكاء مرا لأنها شعرت ان ابنها الثالث سوف يقطعوه من الجذور...! ا

بذلت جهدا كبيرا في محاولة انقاذ شجرتها التي تعتبرها أحد أبناها العزيزين عليها، بالذهاب الى أحد اقاربها ليساعدها في الذهاب الى البيت الكبير في خلسه وفي جنح الظلام لكي يهربها الى مدينة اخرى بعيدة عن المجرمين والعابثين بأرواح الناس والشجر معاً...ا

الهروب الى ارض مجهولة...ا

استطاع هذا القريب الطيب ان يهرب الشجرة مع جذورها الملفوفة ( بالشيلة ) التي لا زالت مبللة بالماء الى قرية اناسها طيبون لكن ارضها صخرية وماءها قليل ...ولا يعرف هذا القريب كيف سيكون مصيرها هناك ...لكنهُ طمان قريبتهَ سمرة بنت يوسف بان الشجرة قد وصلت بأمان وزرعوها في أحد القرى البعيدة التي لا يصلها العابثين...ا

في مرور عدة سنوات هبت ريح وعواصف عاتية مدمرة لجميع القرى والاشجار وهجرت الناس قرائهم التي من بينها القرية التي غرست شجرة سمرة بنت يوسف في ارضهم ...ا

لكن اهل القرية فيها ناس طيبون قال احدهم سوف لن اترك هذه الشجرة الصغيرة تتعرض للموت لابد ان ابعثها الى مكان بعيد ...بعيد... عسى ان تجد مكان وارض تزرع وتكبر فيها وربما تثمر ...! ا

في هذا المكان والارض البعيد جدا كبرت هذه الشجرة ونمت واثمرت نبتت الحياة بعد توفرت لها كل شئ ماء وارض ...لكنها بقيت جذورها يابسة وملفوفة (بشيلة ) جدة سمرة بنت يوسف المبللة بماء النهر البعيد... هناك ...هناك...! ا

_________________

مقطع من قصيدة كاظم اسماعيل الكاطع*