في مساء خريفي كنت جالسا وحيدا اشاهد نتفات الثلج من الشباك التي تتساقط على الاشجار واعمدة المصابيح والشبابيك كيف تتجمع على اوراق الشجر ويسقطا معا. كان لديَ شعور حزين ومحبط... حيث تأملت في الاوراق التي تسقط كل خريف والتي تتجدد كل ربيع في السنة التالية. لكن خريف عمري لا يتجدد ابدا ويذهب في النهاية الى حتفه....!! (هذه هي سُنة الحياة...!!؟؟) هكذا الناس تقول ...ا

في الفترة الاخيرة لم يعد يتذكرني أحد وانت منهم وكما تعرف ليس لديَ تلد ولا ولد منذ ولادتي من زمن بعيد على هذه الارض

هكذا كان يحكي لي صديقي(المغُترب) ابو ادم عن وجوده في شمال السويد في منطقة اسمها فيندلن وهو جالسا قبالتي في المطبخ يأخذ رَشفَ من كوب الشاي الذي امامه

رن تلفون صديقي ابو ادم  ترن...ترن...ا

مسكت يده .. قلت ابو ادم ارجوك لا تجيب ...ا واتمنى ان تواصل حكايتك ,وتفضي ما في قلبك واضفت...ا  

اليوم انت ليس على ما يرام وضعك حزين وكئيب...ا

قال ابو ادم هذا صحيح ,لذلك جئت اليك ...لأنك الوحيد الذي يصغي الي ويواسيني وايضا تحفظ كل اسراري التي امنتك عَلَيها ...ا

قلت عزيزي ابو ادم لا تقول ذألك, الغربة جعلتنا واحدا ...! ا

المهم دعنا من المجاملات وأكمل حكايتك ...ا

قال ابو ادم سوف أكمل حكايتي لكن لا اتحدث بالسياسة بالرغم انها الملح في أحاديثنا لأنها اصبحت ( لا تغني ولا تسمن من جوع كما يقال ) .ا

ما احلاك يا غربة...ا

----

انت تدوينة تاريخ...ا

بقايا صور وشمس وقمر...خاتمة لمواسم قسوة فاضت بها الحياة...) *ا

كما تعرف يا صديقي الحاضر يرتبط بالماضي البعيد ولم أستطع الانفكاك منه ابدا رغم انني ربما  تجاوزت السبعين او التسعين او الالف عام...لا اعرف ...ا

 طفولتي في العراق كانت الامكنة قريبة لي احسها أستطيع استنطاقها احاكيها لأنني اعيش معها. خيال الطفولة بسيط وواقعي ...نداء وصدى صوت امي لا يزال يرن في اذنيي ...ا  يجعلني اشعر انني ليس غريب عن المكان ...! ا

 اشعر احيانا انني على هامش الحياة هذا الشعور يختفي عند سماع نداء وصوت امي وايضا عندما تلسعني ظهيرة حرارة الشمس  وأضاه القمر في الليل في غفوة على سطح البيت ...ا

 عندما كبرت ازدادت الاماكن وازداد لها العشق وحب الحياة .هكذا تخيلت حينها .لكن خريف العمر يمضي والسنين تمضي وربما الاماكن والعشق والحب قد تتغير ...ّا

 هجرت الاماكن التي كنت عاشقا لها مضطرا او رغب مني ...!؟

بعد ثلاثين سنة اعيش هنا...ذهبت الى تلك الاماكن ...شاهدت ان الاماكن والناس قد تغيرت.وانا ايضا لم اعد ارى الاشياء كما هي وهذا ليس غريبا كما اعتقد تطور الحياة يفرض علينا ذلك...! ا

قلت يا صديقي ابو ادم المشكلة ليست فقط أنك تعاني من ذلك ...!! ربما العديد من الناس مثلك لديهم نفس المعاناة او مشابهه ...ا ا اتمنى ان تكمل حكايتك...ا

قال ارجوك لا تواسيني ...فانا ابحث عن حل يرضي نفسي التائه في الفضاء وليست مستقرة في مكان ما...؟ كما تعرف فانت الاقرب اليَ ...في السنوات الاخيرة ما بقي من خريف العمر وربما ما يرضي نفسي ان اكون متصالح معها وان لا يكون جسدي مدفون في الارض ويكون معلقا في الفضاء ...لأشم رائحة الطفولة النقية التي تأتيني من بعيد ..............بعيد... هناك...ا  

 ---------------------------------------------------

مقطع من قصيدة (صهيل جواد الغربة...)

الشاعر بدل رفو*