
×× دوافع الرؤية الفكرية التي كونت وصياغة الحدث الروائي وأهميته في الترميز الدال وهي .
1 - الحدث الأول : الذئاب الغازية المكشرة الأنياب التي اقتحمت الدار وعاثت خراباً وفزعاً ورعباً لأهل الدار . ليس فقط سرقت الجمل بما حمل , وإنما سرقت الأماني والتطلعات بغدٍ أفضل , وهذا البعد الرمزي لحقيقية العراق الحالي بكل التفاصيل الدراماتيكية والسريالية .
2 -الحدث الثاني : الظروف المعيشية القاسية في أزماتها خانقة وتفاقمها نحو الخناق الكلي , تدفع العقل الى الجنون والانتحار ( خروجك قبل ثلاثة أيام على الدراجة في الشارع و درجة الحرارة 55 م , لتجلب الثلج بسبب انقطاع التيار الكهربائي , كان خروجك انتحارياً , فما إن عدت الى الدار حتى سقطت مغمياً عليك ) ص27 .
3 - الحدث الثالث : الظلم الاجتماعي على المرأة بتبريرات اجتماعية ودينية , بأنها ناقصة العقل , او عورة ينبغي لجمها وحصرها في البيت , ومنعها من حقوقها في الكثير من المسائل الجوهرية , اعطى كل شيء للرجل وحرمان كل شيء للمرأة .
4 - شماعة ( الدين افيون الشعوب ) خرجت من ظرفها و سياقها الزمني ضد الكنيسة المتسلطة آنذاك , وأصبحت سلاحاً في مواجهة المعترضين والمعارضين , وصفهم بالكفر والإلحاد , السلاح الناجح والخطير بيد العقلية السلفية المنغلقة , وتكميم الأفواه وخنق حرية الفكر المتنور , وتشويه السمعة لأصحاب المدنية والعلمانية .
×× صياغة المضمون الفكري وأبعاده الرمزية الدالة :
تغليف الحدث السردي برؤية فكرية تضع موجودات الواقع الفعلي في مسائله الرئيسية في الشأن السياسي والاجتماعي والديني , هي مهمة في غاية الصعوبة , ان تملك معنى ومغزى ورمز , لابد من مهارة احترافية في التسويق والصياغة بشكل تؤثر لدى القارئ والمتابع , لذلك اختار الاستاذ حميد الحريزي اللعبة السريالية أو الحدث السريالي الواقعي , الذي يتناسب مع سريالية الواقع القائم , وموت بطل الرواية والشخصية المحورية ( حامد ) لكي يضع مرئياته في الحياة والموت , تحت مشرحة الجدل والمناقشة , في الصراع القائم بين الحقائق والمغالطات في مقولاتهم الفكرية البالية , التي لم تعد تصلح لمتطلبات الزمن الحاضر , بل اصبحت من الزمن الماضي , يعاد تدويرها وانتاجها بشكل مخالف للعقل والمنطق , بل راحت تصب في المتاجرة والربح لصالح المنافع الضيقة , بالضد من المصالح العامة , وما شخصية ( حامد ) تمثل شخصية المثقف الملتزم الذي لا يساوم على الحقائق ولا يبيع قلمه لمن هب ودب , بغمط مجريات الأمور مقابل مقايضات مالية . لا يمكن ان يصمت أمام معاناة الانسان والوطن . لا يمكن ان يصمت عن الصواب , في تفنيد المفاهيم والتقاليد الاجتماعية والدينية المغلوطة , ان يجابه بالمواقف الصلبة في الرفض والتمرد , وهذه الشخصية ( حامد ) هي تمثل المؤلف نفسه ( تساءل بطل الرواية , ليستعرض عناوين كتبه العزيزة التي لم يتمكن من قرائتها لحد الآن ..... أننا أيتامك ايها الغادر ) ص5 , وهنا يتبادر السؤال : كيف يكون موت المؤلف قبل ان يحدد مصير بطل الرواية ضمن روايته الجديدة , وما صيغة ( هذيان محموم ) هو عنوان استفزازي يغري القارئ , والعمق الفكري لهذا الهذيان , هو صراخ المثقف الواعي لما يجري من مهاترات وتجارة واسفاف في غسل العقول بالعواطف الدينية المزيفة , ليكون الباطل منتصراً على الحق والحقائق . انها صرخة احتجاج وتمرد على ما يقومون بهدم المجتمع , بالعادات والتقاليد الدينية المتخلفة التي لا تحترم قيمة الإنسان لا في حياته ولا في موته , وهو في سرير الموت حتى مراسيم الدفن ومراسيم اقامة العزاء وتقديم الطعام والموائد خلال أيام الوفاة وفي يوم الأربعين لغيابه عن الحياة , يتناولها بشكل ساخر وانتقادي . هذا الاحتجاج يمتلك مشروعية منطقية ( - صرخ حامد بأعلى صوت , يا أحبتي أنا لا اريد أن تقام على روحي الفاتحة وتولم الولائم , يكفيني ان تزرع على قبري شجرة واحدة مزدهرة ) وكذلك بدلاً من البذخ في تقديم الطعام , يمكن توزيعه على الفقراء . وأن يكون لمراسيم الجنازة والدفن , قيمة حضارية وانسانية , تحترم المتوفي بالتقدير والإجلال وليس وضعه في ( الصندوق الخشبي العفن والضيق ناتئ المسامير الذي سيلقى فيه بعد ان تخمد انفاسه , والادهى من ذلك بأن هذا الصندوق القذر سيوضع فوق سقف سيارة ويربط بالحبال معرضاً لحرارة الشمس اللاهبة و الرياح المغبرة صيفاً ولزخات المطر والبرد في الشتاء دون رحمة ودون احترام من اقرب الناس اليه ومن الذارفين الدموع نفاقاً عليه , فلا يحمل في سيارة خاصة مكيفة كبقية البشر في نقل الجنائز ) ص6 . هذا المحاور الجدلية لبطل الرواية ( حامد ) خلال رحلته إلى عالم السفلي ( الأموات ) تبقى اسئلة عالقة للحياة جديرة بالاحترام , مقولات الفكر الديني السلفي لم تعد تلائم الظرف الراهن , التي تحولت الى التراجيدية الكوميدية . واصحاب الالهة الارض الذين اصبحوا لعبة بيد السلطة الظالمة , كأنهم نزعوا ثوب الدين الصائب بالمسؤولية والنزاهة , بأنهم مبشرين للخير وليس للشر في وجود هذه الالهة ( على فرض وجود , فهذه الالهة بوصفها آلهة هي أسمى من أن تهتم بأمرك أيها المسكين المتوهم, أن الالهة في عليائها تنتظر لتموت لتحاسبك , ما وزنك أنت ؟ ما قيمتك أنت في هذا العالم اللامتناهي ؟ ) ص17 . الجدل في مناقشات بطل الرواية ( حامد ) اين يقف رجال الدين ومراجعهم ؟ . اذا كانت تقف مع العدل وإحقاق المظلومين , يكونوا في صف قوى الخير , أما ان يقفوا مع سلطة المال والسلطة الظالمة , يفقدون دورهم كرجال دين مصلحين , وإنما يكونوا اتباع تحركهم شهية المال والنفوذ والسطوة المتنفذة .
أن الحوارات التي يقدمها بطل الرواية ( حامد ) تدور في ذهن كل مثقف ملتزم بمسؤولية القلم والمواقف الرشيدة . وهي تمثل صراع اليوم بكل تفاصيله الاساسية . . انها حمى الهموم الاساسية للواقع والحياة .
جمعة عبدالله