صدرت رواية (غابة همرباكر) للكاتب والصديق كريم عباس حسن عن دار أكودي للثقافة عام 2024م، وبواقع (145) من الحجم المتوسط، وزين غلاف الرواية بلوحة للفنانة الدنماركية (ArtByBettina). والرواية تعتبر الرابعة بعد أن صدر له ثلاثة روايات، هي: (مصير بلقيس عام 2020م، والبطريق الحالم عام 2021م، وقاموس الخلاص عام 2022م).

والصديق كريم عباس حسن من مواليد العراق- الديوانية عام 1951م، أكمل دراسته الابتدائية والثانوية فيها وحصل على شهادة الدبلوم في معهد الزراعة- بغداد عام 1976م، وشهادة معهد التربية في مملكة الدنمارك عام 1996م، وهو مقيم حالياً في الدنمارك منذ عام 1985م، والمتزوج من امرأة دنماركية تعرَّف عليها من خلال العمل في المعهد التربوي وعلم النفس، وله منها أبنتان وحفيدتين.

ومن خلال التواصل مع الروائي كريم عباس حسن عبر الماسنجر والواتساب يذكر لي أن كل رواية كتبها يخوض فيها امتحان جديد يكمن ذلك في سحر الكتابة والمفردات التي يستخدمها من خلال تجربته في هذا المجال، فيتحدى نفسه في كل مرة وينجح في ذلك، وكان للحوار مع الراحل حميد العقابي الدور في تطوير ادوات الصديق كريم عباس. فهو يكتب من أجل أن ينجز مشروعه الروائي، وهو أجمل أحلامه وآماله. فكان يتخذ من أحد أماكن منزله مكاناً لخلوته ليوظب ادوات الكتابة وفق مفاهيمه الفلسفية واليسارية، ويعالج من خلال ابطاله الحالات النفسية والاجتماعية التي يمر بها أبطال رواياته.

تعد غابة همرباكر (Hammer Bakker) أحد أهم عشرة غابات في الدنمارك، وتدور احداث رواية الصديق كريم عباس حسن في تلك الغابة وفي القرية القريبة منها (فودسكو)، للفترة من عام 1985 ولغاية عام 2023م من خلال اللقاءات في بار المصباح (Lygten Bar). وكان بطل الرواية (أندرياس) الحاصل على الشهادة الجامعية في قسم الهندسة الكهربائية في مدينة البورج، ومن هواياته ممارسة رياضة الجري في أوقات فراغه، ثم في نادي البورج للساحة والميدان، إضافة إلى التجوال في غابة همرباكر، وما حدثت من جريمة قتل بحق مونيكا في تلك الغابة، فالأحداث تدور عن الدواعي للقتل والبحث عن القاتل من خلال توظيف عناصر وأفراد تلك الرواية منها (بائعة العسل)؛ والحديث عن واقع حال المجتمع الدنماركي المسالم والمستقر دون ازمات تمر به.

عندما يستنطق بطل روايته (كارولينا) في ص15 قائلاً: (شعور منفصل تماماً عن الوجود، أقرب إلى الشحنات الموجبة أو السالبة، ربما هو شعور بشيء من السعادة المجهولة!... علمتني هذه السقطة- الغيبوبية أن الموت جميل، إذا كان يشبه الإغماء! لكن لا بأس سأنتظره دون خوف منه وسوف أحاول أن أعيش بشكل أفضل، دون التعجل في الذهاب إلى الإغماءة الأخيرة بتعمد، هي قادمة لا محال!).

تنقلنا صور الرواية من خلال الأحداث عن حياة المجتمع الدنماركي برؤية عميقة، وأنا كنت قريباً ومطلعاً على ذلك المجتمع الراقي من خلال العيش فيه للفترة من عام 2001م ولغاية عام 2004م، فكان الروائي دقيقاً في نقل الصور الحقيقية والواسعة عن ذلك المجتمع الذي نال السعادة من خلال رقي تاريخه وأدبه وسلوكيات أفراده والمقيمين على مملكته العريقة. وما جذبني من عنوان الرواية (Hammer Bakker)، وقد كان لدور الروائي السردي الرائع لينقلك خلال الأحداث الزمكانية دون ملل.

والروائي كريم عباس حسن يمتلك الأدوات الفنية للرواية التي تتعلق بالجانب الاجتماعي والإنساني والنفسي والأخلاقي والفلسفي والسياسي للمجتمع الذي عاش فيه منذ عام 1985م وأخلص له ليعتبر نفسه ضمن مواطنيه، وقد اعتمد على اسلوب الاسترجاع للأحداث من خلال السرد وربطها بالحاضر. فمن خلال اطلاعي على رواياته الأربعة أجد أن الروائي قد نجح في استخدام أدب السرد كتقنية أدبية روائية، مستغلاً أدواته الفنية في وضع لمساته الأخيرة في رواياته.

ثم ينقلنا الروائي إلى حال الأشخاص الذين كان يعطف عليهم الروائي منها (ماريا) التي تسكن على (طرف الغابة من جهة فودسكو، حيث تقع الكنيسة على بعد أقل من أربعمئة متر من سكنها) ص17. وينقلنا الروائي في ص69 إلى حال ايزابيلا والنقاش المفعم بين أفراد الرواية حسب التقييم الشخصي  لترتيب القيم وفق الترتيب: (الحرية، الحب، السعادة، الأمان)، ويستنطق الروائي ايزابيلا في ص76 حول ذلك الترتيب: (يبقى السؤال يعيد نفسه، هل الشعب الدنماركي يعد من أسعد الشعوب؟ كمحاولة للإجابة الشخصية، كان بإمكاني أن أجيب: نعم بقناعة كاملة، إننا سعداء، أنا لا ينقصني شيء، بيني وبين ذاتي شخصياً أعتقد أن مفهوم السعادة هو فردي ونسبي في آن واحد، مفهوم السعادة، هي كلمة ذات قيمة تتعلق بحالة الفرد النفسية، يحصّلها كنتيجة نجاح، فوز، لقاء مفاجئ لشخص عزيز، اشباع رغبة أو تنفيذ حاجة).

وفي ص120 ينقلنا الروائي إلى ترتيب الهرم وفق القيم الأربعة؛ (السعادة، الأمان، والحب والحرية)، حسب أهميتها بالنسبة (لأندرياس وكارولينا)، فيبدأ الحوار على أيهما أهم، ويتم الترتيب في ص121 وفق الأولوية (الأمان، الحرية، الحب، السعادة). فالحوارات بين شخصيات الرواية (أندرياس وكارولينا) و( كارولينا وغوستاف) عكست انساقاً ثقافية فضلاً أخبار مجلة القرية المحلية لاستخدام فن السيرة في الرواية والحراك السردي. فالرواية عبرت عن عمل أدبي جميل برؤيا بصرية نافذة، وسلطت الضوء على مرحلة تاريخية في مملكة الدنمارك، فأضفى الروائي عليها جمالاً وقوة من خلال عطاءه الأدبي في الابداع. أما الجوانب السلبية فقد أظهر الروائي جانب الجنس المنحرف والشذوذ في المجتمع الدنماركي وفكرة الزواج المثلي. إلا أن الروائي تمكن من عصرنة حركة الشخصيات في تفكيرهم من خلال الأحداث والحداثة.

 

 

 

حلة- السبت- 21/9/2024