دائماً يردني  الكابوس ذاته، منذ أن كنت صغيراً، فأستيقظ لاجئاً  إلى حضن أمي مرتعباً، فتهدهدني كي أعود إلى نومي، بقراءة آياتٍ قرآنيةٍ واضعةً الكتاب الكريم فوق رأسي، كي تطرد الشرَّ عني، كما تقول لي في كل مرة، لكني لم أكنْ أروي لأمي، ماذا جرى لي في الكابوس، ولم أكن أسمّيه كذلك.

حين دخلت سنَّ المراهقة ومن ثم الشباب، كان الكابوس، بدأت أسمّيه كذلك، ولكني لا أعيره اهتماماً، مارست أحلام اليقظة كنوعٍ من الـتأثير في الكوابيس، أمشي في أرصفة المدينة ساهياً عن الناس، أحلم بوعيٍ بكل ما لم أنله على أرض الواقع.

في سنِّ البلوغ راوغت الكابوس بالقلم، مستثمراً ما قيل عن الكتابة بأنها أحلامٌ مرسومةٌ بالكلمات، بريشة خيال الكاتب، كما توصف بأنها نوعٌ من البقاء الإنساني ضد المحو الفردي والجماعي، الممارس بفعالياتٍ شتى، ومنها الموت. ولم يجدِ ذلك نفعاً.

 ذهبت إلى طبيبٍ نفساني، لأسأله عن ذلك الكابوس فقط، فنصحني بالزواج" لعلك تسقط في أحضان زوجتك". وآخر قال لي: "تزوجْ وخلٍّفْ طفلاً، فتصبح أباً، فتنسيك مسؤولياتك المتزايدة، هذا الكابوس، بل يصبح قديماً إزاء واقعك الجديد ولكن المرير أيضاً"  

عندما تزوّجتُ، لجأت إلى مبرراتٍ طريفةٍ، أتداولها مع نفسي وأضحك، منها إن السرر التي نمت عليها في طفولتي وشبابي وبلوغي كانت واطئةً، مما يسهّل لهذا الكابوس أن يقطفني  من دون جهدٍ، كأنني ثمرةٌ في شجرةٍ غصونها دانية.

الآن بات السرير مرتفعاً،  سرير الضغط العالي المندوف لأجل راحة الزوجين. وفي ليلةٍ معتكرةٍ انهمكت بين أوراقي، ككل الليالي، وإن  لم تدفعْ هذه الأوراق غول الكابوس عني، صاحت زوجتي:

- لا تدفنْ رأسك هكذا، بذاك سندفن أنفسنا في الحياة.

 كانت ليلة صراعٍ بين الزوجة وضرَّتها الكتابة، لم تكن الأولى، بل تتكاثر الليالي، كلما اقترب موعد قدوم الطفل إلى عالمنا.

حين نمت في تلك الليلة الظلماء، وطأني كابوسٌ آخر، استيقظت منه بهبوطي على أرضية الغرفة بقوَّة، فقد رأيت نفسي تمشي على صراطٍ مستقيمٍ شاهق العلوِّ فوق  بحرٍ عكرٍ لا متناهٍ.

 مع آلام الهبوط التي عانيتها في اليوم التالي، قلت: فسد الكابوس القديم، الهبوط المزمن من السرير إلى الأرض، وعليَّ إفساد كابوسٍ جديدٍ، ليس له حدود.

* أديب وناقد عراقي