فكّرتُ باصطحاب زوجتي وبناتي الثلاث إلى إحدى مدن الألعاب الصغيرة المنتشرة في بغداد، لمناسبة العيد، لإحساسي بتبرمهن من الملل ورتابة الحياة اليومية، ولزومهن البيت بسبب الحذر من مفاجآت الشارع وأعمال التفجير والخطف والنهب.

هناك  وددن الصعود في دولاب الهواء، رغبن  في أن أركب معهن، فقلتُ:

-                    سأرى العجب وأنا في  مكاني..

لم يفهمن عبارتي الأخيرة.

خُيّل إلي بعد تسارع حركة الدولاب، أن شكله أصبح بيضاوياً وليس دائرياً، أصبح يدور حول نفسه كما الأرض، ولم يتوقف بعد خمس دقائق كما اعتاد المشغّل أن يفعل.

جميع أهالي الراكبين والراكبات انشدهوا مرتعبين بما يحدث، رواد المدينة تجمعوا ومعهم المسؤولون عنها. المشغّل فقد السيطرة، المسار البيضاوي الجديد للدولاب نسج شمساً صغيرة تحلّق فوقه، وكأن هناك خيوطاً غير مرئية تربط  بينهما، المحيّر إن الدولاب بقي يدور حول نفسه والشمس الصغيرة، ثابتة في مكانها، دوراناً امتد لساعات، استدعي خلالها خبراء الألعاب وبعض علماء الفلك، كما مسؤولون أمنيون خشية أن يكون ما يحدث عملاً إرهابياً.

بقية رواد المدينة ممن لم يكن أحد من ذويهم في الدولاب، خرجوا بعد أن شلّهم  الخوف عن التحرك، وبعد أن تجمع هذا الكم الهائل من المسؤولين والخبراء في المدينة.                                      

شروق الشمس الصغيرة في المدينة أصبح يطل على بغداد بأكملها، وتغير الوقت بمقدار اثنتي عشرة ساعة، عبر ساعة شعاعية علت سماء المدينة، إنها التاسعة صباحاً.

ارتبكت مواقيت كل الناس، لا يعرفون ما يعملون، هل يمارسون عاداتهم الصباحية، أم يختبئون في بيوتهم يترقبون ماذا سيحدث، عجز الخبراء عن تفسير هذا الأمر، بعضهم قال هذه ظاهرة فلكية جديدة، مواطنون قالوا: إنه بلاء آخر يضاف إلى بلاءات العراقيين، صحفيون أجانب نقلوا الظاهرة إلى وكالاتهم .

أما ذوو الركاب فحالاتهم يرثى لها، أم إحدى الراكبات توفيت بالسكتة القلبية، بعضهم نقلوا إلى أقرب مستشفى، مصابين بارتفاع الضغط والسكري، فضلاً عن ممن أصيبوا بذبحات صدرية. بعضهم تمددوا مرهقين على حدائق المدينة الصغيرة، بعد أن اتصلوا وأقاربهم ومعارفهم، كما جُلبَ لهم الماء والغذاء والعقاقير كي يقاوموا حالة الانهيار.

مع تقادم الساعات، أصبحت الأنظار تتجه نحو الشمس الصغيرة، ففيها يكمن سر ما يحدث. ولتفادي إشعاعها القوي وُزعت نظارات سود واقية، فإن كانت قد بزغت في التاسعة ليلاً، وعُدّت بحسب  التقويم الشمسي الجديد، التاسعة صباحاً، فقد هبّ الناس وقوفاً لملاحظة أن تلك الشمس بدأت تغيب بعد اثنتي عشرة ساعة من الشروق الفنتازي، وبعد أن بدأت الشمس الأم  بالشروق المعتاد، فهلّل الناس فرحاً بها، وما إن اقتربت الساعة من التاسعة صباحاً بحسب التوقيت التقليدي، اختفت الصغيرة، وزاغت عيون الجميع، حينما تحول مسار دولاب الهواء من مساره البيضاوي إلى الدائري.

حينها عاد المشغل إلى التحكم بالدولاب ومن ثم إيقافه، وصفَق الجميع وتعالت الهلاهل، مستقبلين الراكبات والراكبين بالتهاني، وبدؤوا يسألونهم عن أوضاعهم وصحتهم.

 تقدمتُ معهم، فسألتُ زوجتي وبناتي عما جرى.. فقلن:

- فاتتك السفرة... شاهدنا نصف العالم!

* أديب وناقد عراقي