لم أجد من أناكده في نهار تموزيٍّ  قائظٍ سوى ظلي، بل مضيت أفضّله بطلاً لقصصي التي تولد وتعتاش، وتموت في الظلال. لم أجد، بعد بحثٍ وتقصٍ، أفضل من دار سينما مكاناً أطفئ فيه ظلي.

سأتخلص منه وهو الذي رافقني العمر كله لمدة ساعتين.

ابتدأ عرض فيلم (الخروج من الزمن)، فدهشت حين رأيت بطل الفيلم يشبهني أشدًّ الشبه، بماذا أفسر الأمر؟ ولمن أعلن تساؤلاتي؟

الآخرون منشغلون بمتابعة أحداث الفيلم .هل أتقمص شخصية بطل الفيلم؟ خفتت تساؤلاتي حين انهمكت بأحداث القصة.

خرجتُ من دار السينما مغتماً لواقعية حياتي القحَّة ( البطاقة التموينية / الغاز/ مشاكل الأولاد/ وصايا الزوجة بالعودة مبكراً للبيت).حزمتُ أمري على أن أكون لا مبالياً وظلي هو البديل لذلك. طلبتُ منه وأنا أكلمه في الشوارع بصوت عالٍ أن يرعى زوجتي وأولادي وجلب مواد البطاقة وملء قناني الغاز، لكن ظلًّي رفض ذلك وبشدة فهو لن يفارقني أبداً. توعّدت وهدّدت، لكن ذلك لم يجد نفعاً أمام عزم الظل.

- حسنا، اذهبْ معي، لكنك ستموت عند خروج القطار من السكة.

استغرب الظل من كلامي:

-ماذا تقول يا مجنون؟ أيُّ قطار؟

- لن تفهم أيَّ قطار. أنا المتن وأنت الهامش.

تقمَّصتُ صورة البطل (هو)، كما في الفيلم، وارتحلت في المدن والبراري.. تاركًا زوجتي وأطفالي متوهماً وجه عرافة جميلة أنبأتني بأنني سألتقي البطلة (هي). من تتقمص صورة (هي)؟ شباك الأسئلة امتدت إلى عشرات السنين من عمري، كيف هدرتْ من دون جدوى، غير أنني لمحتُ في المدينة الأخيرة شبحاً لوجهٍ لم أتوصل إلى معرفته، فالقطار المجنون ليس له إلا الخروج من السكة منقلباً.

متُّ  لكنني رأيت رؤية المحتضر ظلي وزوجتي وأطفالي الثلاثة  قد غادروا المحطة، فتأكد لي  أن ظلي فاز بكل شيء.