مهم جدًا أن تحلم... لكن الأهم هو كيف تحقق الحلم...! ا

كعادته، بدأ أدهم عبود يتحدث بحماسة ثورية يسارية بعد ان شاهدة على شاشة التلفاز سقوط الصنم ... قائلاً: "يجب عليَّ الرجوع إلى العراق في أسرع وقت، لأُغير ما أستطيع، هذا ما كافحت طيلة حياتي لأجله..." ا.

ثم أضاف بثقة: "كما تعلم، لديَّ أصدقاء كثر يساعدونني هناك..."

قاطعه أبو آدم قائلاً: "يا صديقي، ألا تظن أنك متسرع في حماستك هذه؟ الظروف والناس قد تغيروا بعد أربعين عاماً من الابتعاد عن العراق..." ا

أجاب أدهم بعتب: "أرجوك، لا تُحبط معنوياتي! كما تعلم، هذه مسؤولية أخلاقية واجتماعية..."!!؟

اعتذر أبو آدم محاولًا التخفيف من اندفاع صديقه: "لم يكن المقصود كسر همتك وحماستك في الرجوع إلى هناك. أنا أعرفك جيدًا، حماستك الثورية مخلصة كحماستك الجيفارية حين التحقت بالجبل في عقد الثمانينات..." ا

ثم تساءل: "متى تشد الرحال؟"

أجاب أدهم: "هذا الشهر، أي بعد مضي شهر على دخول قوات الاحتلال الأمريكي إلى العراق..."

العودة إلى العراق

سافر أدهم إلى بغداد في أيار 2003، وترك زوجته لتلتحق به لاحقًا في أربيل. التقى بأصدقائه الذين سبقوه إلى بغداد وكانوا على علم بقدومه، ومن بينهم صديقه القديم الجديد، حميد ناصر الحلي، الذي كان يسكن في بيته القديم. ا

شرح له حميد الوضع السياسي والاجتماعي بحماس ثوري، وحثه قائلاً: "هذه فرصتنا لنستعيد ما فاتنا قبل أربعين عامًا..." ا

أجاب أدهم بحماسة: "أنا مستعد للنشاط في كل مكان، بين المثقفين والأدباء والناس، لكنني أحتاج إلى صديق يساعدني في هذه المهمة الصعبة..." ا

قال حميد بثقة: "هذه مهمة سهلة، تعرف صديقنا القديم جاسم مهدي، ابن بغداد. سيصل بعد ساعة إلى هنا. يمكننا الاعتماد عليه، وسيساعدك في التعرف على العديد من الأدباء الذين عرفناهم سابقًا." ا

شعر أدهم بالسعادة بلقاء صديقه القديم، الذي كان يعتقد أنه أكثر ثورية منه...

التخطيط للمستقبل

بعد العناق ولهفة اللقاء مع جاسم مهدي، بدأ الحديث حول: من أين نبدأ؟ هل نحارب الاحتلال الأمريكي (الإمبريالي)، أم ننخرط في الحكومة المؤقتة؟

قال حميد: "لكي نكسب ونضع موطئ قدم في الحكومة، وفي الوقت ذاته ننشر أفكارنا بين الناس. وهذه نصيحة من أصدقائنا..." ا

علق جاسم مهدي مؤيدًا: "أنا أتفق معك تمامًا. بل أكاد أجزم أن هذه فرصة كبيرة للانتشار بين الناس..."

فكر أدهم مع نفسه وقال: "يبدو أن البداية لا تبشر بخير..."

سأله جاسم: "ماذا تقول يا صديقي الرومانسي العنيد؟"

أجاب أدهم بحزم: "أنا لا أتفق مع هذا الرأي...!"

كان الجواب مفاجئًا لهم. بادر جاسم بسؤال: "لماذا؟ وهل لديك حل آخر؟"

قال أدهم: "برأيي، أمريكا (الإمبريالية) تبحث دائمًا عن مصالحها، ومن الأفضل – على الأقل – ألا نكون شركاء معهم." ا

علق حميد موجّهًا كلامه إلى أدهم: "نحن نعيش في واقع ملتبس، ولا بد أن نسير مع الواقع...!" ا

ابتسم جاسم بخبث وقال مازحًا: "نحن أكثرية، والجميع يخضع للأغلبية، كما تعلم يا صديقي الحالم...؟"

لم يعلّق أدهم بشيء... مع ابتسامة باهتة... ا

في اتحاد الأدباء

كانت الساعة السادسة والنصف. قال أدهم: "سأترك الأمر لك في الأيام الأولى... أنت الدليل كما عودتنا..." ا

سأل جاسم مهدي: "نستطيع المشي، فالمسافة قريبة إلى نادي اتحاد الأدباء." ...  ا

أجاب أدهم: "تمام..." ا

قبل الدخول، لفتت انتباههما صورة جدارية للشاعر الجواهري بكوفيته المعهودة. جلسا أحدهما مقابل الآخر. جاء النادل وسأل: "هل تطلبان شيئًا؟" ا

سأل جاسم قبل أن يطلب: "هل هناك محاضرة لكاتب أو أي نشاط اليوم في القاعة الأخرى؟"

أجاب النادل: "للأسف، لا يوجد اليوم...!" ا

قال جاسم مهدي: "جيبنا اثنين بيرة..." ا

ثم توجه إلى أدهم قائلاً: "أعرف أنك نقي الروح والقلب، لكن هنا يجب أن تكون سياسيًا أو شخصًا يجيد اللعب في دهاليز السياسة والمجتمع لتتمكن من مواصلة الطريق إلى النهاية...!" ا

رد أدهم: "يا صديقي اللدود، ولماذا كل هذا اللف والدوران؟ كن واضحًا وصريحًا بكل شيء...!؟"

قال جاسم مهدي: "الناس هنا تغيرت... من الجيد أن نساير الوضع بما هو موجود، ثم نغير ما نستطيع..." ا

رد أدهم بعصبية وبحماسة ثورية: "كيف نساير الظروف؟ ألا نتعلم من تجاربنا السابقة؟" ا

رد جاسم مهدي بواقعية: "الأفضل، يا صديقي الطيب، أن تعيش هنا أكثر مع تجربة الواقع المرير..." ا

أجاب أدهم بتفكير عميق: "ربما أتفق معك... سأعيش التجربة لأكثر من سنة... بعد أن أصبحت المناصب توزع حسب الطائفة، وتقسم الناس إلى ثكنات معزولة بمباركة من مراجع وشيوخ الدين...!" ا

قال جاسم مهدي ساخرًا: "عليك أن تحلم على كد حالك...!" ا

صراع الواقع والأمل

بعد الحرب الطائفية (2006-2007) ، اضطر أدهم إلى ملازمة بيته في مدينة الحرية بسبب الفوضى والعنف الطائفي. شكلت هذه الحرب صدمة نفسية له، وأثرت على معنوياته.

لم يستطع لقاء صديقه جاسم مهدي أو بقية أصدقائه. طلب من زوجته التي كانت تعيش مؤقتًا في أربيل أن تعود إلى السويد - ستوكهولم، ليتمكن من زيارتها هناك بين فترة وأخرى.

في 2008، تحسن الوضع لكنه لم يكن آمناً تماماً. استقل سيارة أجرة متوجهًا إلى ساحة الأندلس، محاولًا العثور على صديقه حميد الحلي.

عند وصوله، وجد جاسم هناك، الذي بادره بابتسامة ساخرة: "أين أنت يا صديقي الطيب المتشائم...؟" .

فكر أدهم مع نفسه: "ربما يريد أن يبين نفسه أمام حميد الحلي على أنه متفائل...!؟".

وقال: "كما تعلم، الوضع لا يدعو للتفاؤل، وأشعر أنني أسبح ضد التيار...!" اصبحت الناس يقتل بعضهم الاخر على الهوية الطائفية ...الجار يهدد جارة لكونه من غير طائفة بدوا يستحضروا الماضي البغيض ايام السقيفة ...!.

الناس غير الناس والايام تذهب ثم تأتي غيرها...!

والحال باقي مثلما قد كان .... لا خير لنا قد جاء.. او وحي يجيء * ... ! .

واضاف يا صديقي كما تعلم انا اعيش مع اقاربي التي تغيرت افكارهم أصبحوا يأمنوا بالخرافة والمقدس ولديهم تابوهات لا يمكن المساس والحديث عنها ...!! .

كما تعرف علمتنا التجربة الحياة لا بمكن حبسها في بالنظريات...!؟

قال جاسم مهدي بشيء من التعالي بعد ان لاحظ شيء من الاحباط لدى أدهم ... يبدو أنك ترى الواقع ورديا مثلما تراه حين تكتب اشعارك...!.

10-03-2025

*الشاعر حمد شهاب الانباري