أصدرت منظمة الكتاب والفنانين الفنلنديين اليسارية، المعروفة باسم (كيلا ـ Kiila)، في العاصمة الفنلندية، هلسنكي، كتابها الدوري (KIILA ALBUM 2025)، بأصدار اليكتروني لأول مرة، وحمل هذا العام الرقم الثامن عشر وجاء باللغتين الفنلندية والإنكليزية واشترك في تحريره مجموعة عمل ضمت ثمانية من أعضاء المنظمة من كتاب وفنانين.
يهدف الكتاب، كما ورد في المقدمة، إلى توثيق بعض التغييرات السلبية التي نفذتها الحكومة الفنلندية في السنوات القليلة الماضية، فضلاً عن بعض أعمال الاحتجاج المتصاعدة هناك ، وهذا عكسته مجموعة البيانات والتقارير التي ضمها الكتاب حسب اقدمية الحدث، فنجد البيان الذي أصدرته المنظمة حول قرار فنلندا بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والذي نُشر في يوليو/تموز 2022، بينما يُسلّط الكتاب في بيان آخر وجاء تحت عنوان (الأفعال لا الأقوال) الذي صدر في يوليو/تموز 2024 الضوء على إقرار البرلمان الفنلندي لقانون الإعادة القسرية للاجئين. ويرصد الكتاب كيف في غضون سنوات قليلة، تصاعد خطاب الحكومة حول (الأمن القومي) و(حالات الطوارئ) والذي مكّن من إقرار قوانين وقرارات تُرهق الهياكل القانونية ومعايير الحكم الديمقراطي في فنلندا إلى درجة مُقلقة. وتضمن الكتاب عرض موقف منظمة (كيلا) من الحرب في أوكرانيا وسجل ادانة المنظمة لغزو أراضي أوكرانيا من قبل روسيا لكنه في الوقت نفسه وفي بيان صدر في تموز 2022، كرر تساؤلات مهمة (من هم الناس الذين يكسبون المال بسبب الحروب؟ من يستفيد من الحروب؟ كيف يمكن جعل اقتصاد الحروب المربحة أكثر صعوبة أو حتى حظره؟) مشيرا بوضوح الى (يخبرنا التاريخ أن تشكيل تحالفات عسكرية سريعة والاستعداد للحرب يؤدي في كثير من الأحيان إلى مزيد من الحرب).
ورأى الكتاب في جانب من بياناته، إن (التدابير الاستثنائية)، التي اتبعتها الحكومة اليمنية الفنلندية (تخلق مشهداً عاماً من الخوف والانتقام ــ تستهدف أفراداً ضعفاء من المجتمع تعرضوا للانتقاد لفترة طويلة مثل المهاجرين والعاطلين عن العمل ــ في حين يتم تقليص حقوق العمال وحقوق الاحتجاج والرفاهة العامة لغالبية السكان). وتؤكد منظمة كيلا بان هذه التغيرات والصعود المثير للحكومات اليمينية المتطرفة، في العديد من البلدان (تهدف إلى إقامة نظام عالمي للأزمات يخفي تعزيز الثروة والسلطة خلف الكواليس) ومن هنا ترى المنظمة انها لا يمكن الا تسليط الضوء على هذه الروابط، (كتذكير بأنه لا يوجد صراع معزول، وأن الدفاع عن حقوق القلة والمهمشين يحمي في نهاية المطاف حقوق الكثيرين أيضًا.).
يذكر ان منظمة كيلا تميزت بموقفها الشجاع والجريء في التضامن مع الشعب الفلسطيني، وشارك أعضاؤها باستمرار في مختلف فعاليات التضامن، وهكذا ضم الكتاب بيانات وخطابات أصدرتها المنظمة في مناسبات مختلفة، ادانت فيها الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل في غزة، وأعلنت عن تضامنها الكامل مع حقوق الشعب الفلسطيني.
جاء الكتاب من 148 صفحة من الحجم المتوسط، بتصميم من الناشطة في منظمة كيلا ، الفنانة المكسيكية الأصل بولا جليلي، استوحت فيه الوجود المتواصل لأعضاء المنظمة في مختلف الاحتجاجات السياسية والنشاطات الثقافية، وهذا عكسته الصور المنشورة في الكتاب، فجاءت العناوين بشكل يحاكي الشعارات الموجودة في العديد من اللافتات التي رفعت في المظاهرات، حتى أنها تعيد في بعض الأحيان إنشاء آثار حروفها غير المتساوية والمرسومة يدويًا، وعموما استلهم الكتاب في طغيان اللون الأصفر، تصاميم كتب ولافتات الاحتجاجات منذ مسيرة واشنطن التاريخية من أجل الوظائف والحرية عام 1963.
من الجدير بالذكر ان منظمة كيلا الفنلندية اليسارية، واحدة من اعرق المنظمات الثقافية الفنلندية، غير الحكومية، وتجمع للكتاب والفنانين اليساريين، تأسست في عام 1936، بعد تحالف القيادة السياسية الفنلندية حينها مع الحكومة الالمانية واغلاق الحدود الثقافية مع اوربا والعالم، فأستعارت المنظمة اسمها من شقفة الخشب المثلثة الصغيرة (باللغة العربية تكون جُذاذة)، التي تتواجد في كل بيت فنلندي لتحافظ على باب البيت مفتوحا دائما، وليعمل اعضاء المنظمة، على طول تأريخها، بهذا المعنى لتعزيز التبادل الثقافي مع كل بلدان اوربا ومع مختلف الثقافات الانسانية. تضم المنظمة حاليا أكثر من خمسمئة عضوا من مختلف الانواع الابداعية، من كتاب نثر وشعراء وفنانين موسيقيين وتشكيليين، يشكلون عماد ثقافة البلد بنشاطاتهم وانتاجاتهم الابداعية. وسبق للمنظمة ان اعلنت، في مؤتمراتها العامة، عن تضامنها مع المثقفين العراقيين، عام 2004 وعام 2014، ضد الاحتلال الامريكي وقوى والارهاب، كما وانها في آيار 2009، وبدعوة من وزارة الثقافة في اقليم كوردستان، بدعم مباشر من الراحل الاستاذ فلك الدين كاكائي وزير ثقافة الاقليم حينها وأقتراح من الكاتب العراقي يوسف أبو الفوز، عضو الهيئة الإدارية للمنظمة لعدة دورات، نفذت برنامج (أيام الثقافة الفنلندية في كردستان)،
حيث زار أربيل ولمدة اسبوع، وفد من المنظمة، ضم تسعة من الفنانين والكتاب الفنلنديين، وشهدت الايام برنامج ثقافي متنوع حوى عدة محاضرات بخصوص موضوعات ثقافية مختلفة، عن حرية الكلمة والعلاقة بين السينما والادب، فضلا عن عروض للسينما الفنلندية ومحاضرة عن افلام الصور المتحركة في فنلندا، وايضا افتتحت ورش تدريبية قصيرة موسيقية وغنائية.