نقف مخذولين من الحياة،
تقف الحياة مخذولة منّا.
كلانا علق خذلانه على كف يده.*
كان أدهم جالساً في غرفته، يحدّق في رفوف الكتب التي كانت زاده اليومي، متكئة في صمت كأنها تراقب انكساره. مدّ يده إلى أحدها ثم تراجع.
التفت نحو صديقه مهدي علي، وقال بصوت مبحوح مثقل بالحيرة:
– لم أعد أستطيع الحديث مع الناس بقناعاتي الجديدة، يا مهدي.
ابتسم مهدي ابتسامة باهتة وأجاب:
– لابد أن تساير الوضع... الظروف يا صديقي لم تكن كما تخيلنا.
صمت أدهم لحظة، ثم قال بمرارة:
– ونحن الذين أدمنا الكتب، قرأنا الماركسية والدين والروايات العالمية والعربية، حلمنا بحرية الفكر... فكيف استسلمنا بعد كل تلك السنوات من القمع وسلب حريتنا؟ كيف صرنا نخشى حتى الكلام بعد 2003؟
هزّ مهدي رأسه قائلاً:
– قلت لك، إمّا أن تساير الوضع، أو يُعتقلونك... أو يغتالونك ببساطة.
كما تعلم يا صديقي مهدي قاموا ببناء المساجد لكنهم نسوا بناء الانسان تركوا التأمل في بناء الحياة اخذوا الشيوخ والملالي يُسمعون الناس الفتاوي عن الفضيلة والاصلاح والابتعاد عن الفساد لكنها لم تعط شيئا لتربية الناس يجري هنا العكس تزداد السرقة والرذيلة هذا يجعلني متشأم
أطرق أدهم برأسه، يراقب الكتب التي الرفوف، ثم قال:
– بدأت أشعر أنني غريب عن نفسي. كثرة الأسئلة تحاصرني، وأعيش ازدواجية قاتلة بين ما قرأته وما أفعله في الواقع. الواقع يقيدني، لا ينسجم مع تفكيري. أشعر بحيرة ممزقة... أنا المثقف الذي يرفض التابوهات المقدسة والتقاليد العشائرية، لكن ماذا أفعل؟ أندمج مع مجتمع يسلب إرادتي، أم أختبئ في غرفتي بين هذه الكتب، منعزلاً عن العالم؟
قال مهدي بصوت خافت:
– انتظر... ربما يأتي المستقبل بشيء أفضل.
ضحك أدهم بمرارة، وارتعشت شفتاه:
– يبدو أنك لا تشعر بما أحسه. روحي مكسورة، قلبي وعقلي أصابتهما خيبة ثقيلة. الثقافة السائدة ترهقني، والسلطة تحاسبك حتى على ما تفكر به!
سكت لحظة، ثم أضاف بصوت متردد:
– ربما الخلل فيّ أنا... الذي ظننت نفسي مثقفاً نرجسياً، قارئاً متعجرفاً يرى نفسه أدرى من الآخرين. هكذا يقولون عني.
تنهد مهدي وقال:
– ربما عليك الهروب خارج العراق.
أدهم ابتسم بسخرية :
– الهروب؟! حل مؤقت... ثم إلى أين؟ وإلى متى؟ إنه استسلام، هروب من واقع صادم لا يرحم.
رفع رأسه نحو الكتب، عينيه تغرورقان:
– ماذا أفعل إذن؟ أعيش الازدواجية؟ أم أمارس دوري كمثقف واعٍ يفضح كل الزيف... معناه أن أواجه الموت. لكن هل تستحق الحقيقة أن أدفع حياتي ثمناً لها؟ أم أبيع كتبي وأحرق كل ما حلمت به؟
سكت... وبدت في عينيه نار لم تخمد بعد.
-----------------------------------------------
الشاعر احمد ضياء(1/1/1990...)