( إلى أذناب الجرذ المقبور
الذين يُطبّلون ويُزَمّرون
لأغنية ( الزمن الجميل)
التي يريدون أن يخدعوا بها
الجيل الذي لم يولد بعد في
عهد الزنازين المظلمة،
والرعب والجوع، وحروب
الجرذ المقبور الرعناء )
د. ابراهيم الخزعلي
27/10/2008
أليست بالأمس الأشجار
تعلوها أنواع القردة؟
أليست بالأمس الدور
تصفعها الريح الصفراء
وتخنقها أنفاس القتلة؟
أليست بالأمس شوارعنا
موبوءة بالأعين والأوراق
وتقارير المنبوذين السفلة؟
أليست بالأمس الجدران
آذانٌ صاغية،
وشعارات الحزب المثقوب
وصور الجرذ المهزوم
وسفسطة الجهلة؟
أنسينا أزلام السلطة
تطاردنا في اليقظة والنوم؟
والزمن كابوس من جمر.
هل ننسى الموت المجاني
لكل امرأة ورضيع
ولكل فتاة وفتى وعجوز
ولكل شريف ووضيع؟
إلا العيش مباح
للطبّالين وللمخصيين
وأبناء السمسارات المبتذلة.
هل ننسى قطع الأعضاء؟
وأحواض التيزاب؟
أم ننسى قطع الألسُن
أو بتر الأطراف؟
هل ننسى مَفْرَمَة الأحياء؟
هل ننسى الغرف الحمراء؟
أم ننسى خُطب الجرذ العَصماء؟
هل ننسى دسَّ السم للسجناء؟
هل ننسى مقبرة الأحياء؟
والآلاف تُدفن ليلاً في الصحراء
وتُرمى الأشلاء على الأشلاء؟
وماذا ننسى عسانا..؟
هل ننسى حروب الطاغية الرعناء؟
هل ننسى التهجير من الأوطان؟
جمعاً.. جمعاً.. جمعاً
ويُرمى الناسُ كرهاً
على الموت والألغام
والأبناء كأسرى حربٍ
ضاعوا في الزنزانات الظلماء؟
هل ننسى جراحاً كالوشم؟
أنهارٌ دماء نبكيها
ودمٌ نازفٌ يُبكينا؟
ها هي بابل في الأسواق تُباع
وسامراء (كواقعة الحَرَّة)*
هل ينسى كلُّ عراقيٍّ
في اليوم يُذبح عدة مراتٍ
لأنّا نكفر بالجبت
ولأنّا نكفر بالطاغوت
ولأنّا نبكي حسيناً؟
هل ننسى نحن؟
وما زلنا نبحث
في كل بقاع الأرض؟
نبحث عن أنفسنا
نبحث عن كسرة ضوء
مَغْمُوسة بالحزن
ومَشُوبَة بالأوجاع،
فالعالم يغرق يغرق
يغرق في الظلمة،
وها نحن نبحث
عن أحرف صدق منسية،
نبحث عن صدر لرضيع،
ألم ير العالم والأعراب
في التلفاز والصحف اليومية
يبحثن ثكالى في الصحراء؟
أولئك تمتد أياديهم
من أعماق الألم الكامن
هذا يبحث عن ابنه،
وهذي تبحث عن ابنتها،
وتلك تبحث عن زوج.
لا شيء سوى بعض رفات
ونحيب وعويل وصراخ
وهويات بعض الأسماء المجهولة
وإطلاقات في الرأس
وأفواه جماجم فاغرة
تعلن صرختها للرب
وللعالم والتاريخ،
وعين الله كنف الشهداء
وعش لحمامات بيضاء.
وكيف سأنسى
وأنا أبحث
عن قلبي، عن روحي؟
أبحث عن ذاكرتي،
أبحث عن خيط من نور؟
تلاشى بين رماد العمر،
هل أنسى أني
أبحث عن أمي، أختي،
عن شبر من أرض
كانت أمي فيه تصلّي؟
أني أبحث عن بوصلة
تهديني لوجه الله،
أبحث عن أصحاب
رسموا في ذاكرتي
أحلى الصور واللوحات،
غرسوا في قلبي
حبًا وحنينًا ودموعًا،
وعلى جدران الزنزانات هناك
كتبوا أشعارًا وعبارات.
وها أني أبحث ما زلت
عن درب التبّانة في الصحراء،
أبحث عن لغة تأويني
لألملم فيها بعض جراحي
وبعضًا من أحلام صباي،
وأجمّع فيها الأشلاء.
أبحث عن (فوطة)* أختي،
منها سلبتها الزّمَر الساقطة
وتوارت في الريح الصفراء
وأزلام البغي اللقطاء.
أبحث عن همسة حب،
أبحث عن ومضة إيمان،
أبحث عن ثَمّة إنسان
في العالم والعُربان،
أبحث عن وجهٍ أعرفهُ،
فتلك الأوجه لا أعرفها
فكل الأوجه في عيني غرباء.
أبحث عن إبراهيم بين الحطب،
أبحث عن يونس في بطن الحوت.
أبحث عن يوسف في الجبّ
أبحث عن موسى في سيناء
أبحث عن عيسى في الصحراء
أبحث عن أحمد بين سيوف قريش
أبحث عمّن يهديني
أبحث عن أشعار صُلبت
في الظلمة بين شفاه الشعراء
آه مولاي..
أنّ الأعراب أشدّ كفراً
وأشدّ غدراً ونفاقاً
فبسيفك ذبحوا السبط
وبسيفك ذبحوا القرآن
وعلناً
علناً
علناً صاحوا
حول ضريحك والكعبة
أنّا لا نشهد فيك رسولاً
وأنّا لا نشهد بالله وبالقرآن
وفي الشام سكارى رقصوا
وتغنّوا طرباً
(لعبت هاشم بالملك فلا
خبر جاء ولا وحي نزل)*
الدرب إليك يا مولاي
محفوف بذئاب أسطورية
والكعبة تُرمى بالنار
*********************************************
واقعة الحرة *هي إحدى المجازر الدموية واللاأخلاقية التي ارتكبها يزيد ابن معاوية بحق أهل المدينة المنورة بعد أن رفضوا بيعته، فأرسل إليهم جيشًا لإجبارهم على بيعته أو استباحة دمائهم، وكان الجيش بقيادة مسلم بن عقبة، وكانت الواقعة سنة ثلاث وستين للهجرة.
لعبت هاشم بالملك* – أصل هذه القصيدة هي لعبد الله بن الزبعري، إذ إن يزيد بن معاوية تغنى بها وهو في غاية الفرح والنشوة والتشمت حين أدخلوا عليه سبايا أهل البيت بعد مقتل الحسين (ع) في واقعة كربلاء، وقد أضاف إليها بعض الأبيات، والقصيدة هي:
( ليت أشياخي ببدر شهدوا
جزع الخزرج من وقع الأسل
لأهلوا واستهلوا فرحا
ثم قالوا يا يزيد لا تشل
قد قتلنا القرم من ساداتهم
وعدلناه ببدر فاعتدل
لعبت هاشم بالملك فلا
خبر جاء ولا وحي نزل )
الفوطة* – هي منديل لغطاء رأس المرأة في اللهجة العراقية.