2 الشاعر مظفر النواب

هو الشخصية المميزة الثانية في موضوعنا هذا، يعود أصل مظفر النواب إلى عائلةٍ غنية يعود نسبها إلى الإمام موسى الكاظم، ســـافر أجداده إلى الهند حيث تم نفيهم إلى هناك وأصبحوا من كبار الرجال فيها بسبب سمعتهم الجيدة حتى عودتهم جميعا" إلى العراق في العشرينات من القرن الماضي.

وُلد النوّاب في بغداد عام 1934، تأثر منذ صغره بعائلته التي تربطها صلة كبيرة بالفن والموسيقى، وأكتشف موهبته الفطرية في نظم الشعر من قبل أحد معلميه، بدأ بكتابة الشعر وهو في مرحلة الدراسة الإعدادية، وبعد إكمالها دخل كلية الآداب / جامعة بغداد / قسم اللغة العربية، وبعد تخرجه عُيِّن بعد ثورة 14 تموز/ 1958 مفتشٍ فنيا" في وزارة التربية.

 اشتهر النوّاب بقصائده الثورية اللاذعة للحكام العرب خلال الأمسيات الشعرية وكان مهتمًا" في القضايا القومية والاجتماعية والسياسية الخاصة بالعرب، وله العديد من القصائد التي حازت على ضجةٍ كبيرة والكثير من النجاح، وكان النواب يكتب الشعر باللهجة العراقية ولكن الكثير من محبي شعره كانوا يشتكون من شعره لعدم فهمهم للهجة العراقية العامية، وللشاعر العديد من القصائد، أبرزها: القدس عروس عروبتنا، قمم قمم، أصرخ، البراءة، سوف نبكي غدًا، أيام العشق، رحيل، جزر الملح، وتريات ليلية.

وعلى إثر انقلاب 8 شباط 1963 الدموي، التحق مظفر النواب بالمئات من المناضلين الذين نظموا في مدينة الكاظمية حلقات مقاومة شعبية مسلحة ضد الانقلاب الفاشي ضمت عدداً من الشخصيات الديمقراطية والتقدمية البارزة يتصدرهم العامل النقابي الشهيد سعيد متروك والشهيد المقدم خزعل السعدي والكثير غيرهم، وقد تمكنت هذه الحلقات بعد معركة باسلة استمرت عدة ساعات ضد دبابات الانقلابيين من السيطرة على معظم المدينة حتى جسر الصرافية.

إعتقال مظفر النواب

بعد انهيار المقاومة المسلحة اضطر مظفر النواب الى ترك بغداد والاختفاء مع عدد من رفاقه في الارياف الجنوبية ثم التسلل عن طريق البصرة الى الاراضي الايرانية حتى وصوله الى الأهواز في محاولة فاشلة للجوء الى الاتحاد السوفيتي آنذاك، إذ وقعوا في كمين لجهاز المخابرات الشاهنشاهية (السافاك) الذي ألقى القبض عليه داخل إيران واخضعه في السجن لتعذيب جسدي ونفسي قاس.....

وقد كتب مظفر النواب عن وقائع إعتقاله من قبل ( السافاك ) بما يلي ..( بعد انقلاب ١٩٦٣ هربت عن طريق المحمرة إلى إيران واختفيت في طهران لفترة، وفي إيران اتصل بعض العراقيين بالتنظيمات اليسارية هناك فهيئوا لنا سيارة تبرع بها أحد الأصدقاء، وبعثوا بشخص ليذهب معنا إلى الاتحاد السوفيتي، وكنا قد ادّعينا بأننا ذاهبون الى احدى المصايف السياحية، وكنت أتكلم القليل من الفارسية، أحد الذين كانوا معنا لم يكن يعرف الفارسية فادعى أنه أخرس، ولكنهم اكتشفوا أمره وألقي القبض علينا شمال طهران قرب الحدود السوفيتية مع تاجر من الكـُرد الفيليين ورجل من السماوة وأعادونا إلى طهران بالرغم من اني أتكلم اللغة الفارسية جيدا" وأحمل الجنسية الأيرانية باسم ( رحماني ) ولديّ معاملة أضبارة ( بروندة ) وسجل مدون ولكن لم يعترفوا بي أيراني حيث تم تعذيبنا )......

ويشير السيد ( عبد الله الداخل ) وهو أحد رفاق مظفر النواب خلال فترة الاعتقال في إيران، مؤكدا" في مقالة كتبها بعنوان ( مظفر النواب، بدايات الفرار الدائم) بان مظفر خطط للهروب من المعتقل الايراني   وبدا لنا أن مظفر النواب، الذي كان في التاسعة والعشرين، قد اتفق على الهرب مع شاب مندائي قوي البنية في أوائل العشرينيات من عمره، وربما كان معهما شخص ثالث، وكانت خطتهم كلاسيكية، معروفة وسهلة الكشف تبدأ بالحفر في مخزن مهمَل في النهاية القصوى من المبنى وعلى اليمين من المرافق الصحية الواقعة في الطرف البعيد المقابل للبوابة الرئيسية، وبدا للجميع أن خطتهم كانت غير محكمة، غير مدروسة، ودون معرفةٍ بظروف المبنى وما يحيط به، فقد كانت تفتقد إلى إسنادٍ من الخارج طبعاً وبمبادرة فردية تغلب عليها الرومانسية كما بدا. لكن الجانبَ الإيجابي في محاولتهم كان انسحابُهم الخاطف والسريع بمجرد اكتشاف محاولتهم من قبل سلطات المعتقل، بحيث لم تستطع الادارة معرفة القائمين بمحاولة الفرار على وجه الدقة رغم التحقيق الدقيق الذي تم اجراءه من سلطات المعتقل واحتمال كون أحد المترجمين (من المعتقلين) كان يتطوع لمد سلطات المعتقل بالمعلومات طمعاً في إطلاق سراحه باعتباره إيرانياً، كما كان يقول....

 

يتبع في الحلقة الرابعة