بدل رفو: من دهوك إلى غراتس: جغرافيا القلب

بدل رفو لا يكتب عن وطنه فحسب، بل يجعل القارئ يشعر أنّ كردستان وطن للجميع.

بدل رفو  شاعر يحمل وطنه في حقيبة... ويكتب قصيدته على جدران العالم

بدل رفو : أحلم أن أرى في بلادي مكتبات أكثر من المقاهي

آمد \ تركيا

في قلب مدينة عتيقة في (آمد) ، حيث تمتد الأزقة الضيقة وتعلو فوقها أصداء الزمن، جلس معنا الرحالة والكاتب بدل رفو المزوري. أمامنا فنجان قهوة يغلي برائحة حادة، والضوء الذهبي للشمس يتسلل عبر النوافذ الخشبية، كأنه يضيء صفحة جديدة في كتاب رحلات  حياته.

دارت بيننا الأحاديث حول رحلاته وقصائدة وترجماته وتجاربه التي لا تنتهي واسلوبه الشيق في السرد

تخيلوا أنه يصف باريس في الصباح الباكر، ومساء أسواقها المزدحمة وأصوات الموسيقيين، ثم يتحرك بنا إلى قرى في المغرب حيث النساء تغزلن الصوف، والأطفال يركضون بين الأزقة الزرقاء في شفشاون، وكل مكان يحمل معه درسًا إنسانيًا.

في كل مدينة يزورها، يروي المزوري لقاءاته مع  البسطاء والفقراء والفلاحين، والفنانين ، والأطفال في الشوارع، وجميعهم ساهموا في تكوين كتابه الداخلي عن العالم.

بينما نتحدث ونحن في (آمد )، نتخيل الشوارع الضيقة في الأندلس القديمة، والمقاهي الصاخبة في القاهرة، والبحيرات الصافية في النمسا، وكأننا نعيش رحلته بين السطور.

 يقول بدل رفو في احدى قصائده المعنونة "كلنا سنموت يوما " من ديوانه الشعري الأخير الصادر في مدينة السليمانية أطفال الكرد.. تغريدة حزن:

كلنا سنموت يوماً   الملوك والأبطال والفقراء    الخونة والحمير والذئاب   وقتها سيكون للموت عنوان  والعنوان اما العار واما الخلود!!

بدأنا بالشعر حيث الشعر حاجتنا وبه نحاكي اوجاعنا ومآسينا وندجنها لنتعايش معاً رغم هول المصائب والويلات التي تتخبط بنا. الشعر يغتسل الروح  كقطرة ماء زلال سقطت على ورقة شجر خريفية آيلة للسقوط وبسقوطهما معاً تشكل سيمفونية رائعة من ارتطام تلك الدمعة العذبة بورق الشجر الى لحظة ارتطامهما معاُ بالارض لتعطي اجمل معاني الكلام مع دورة الحياة في السقوط  والنمو من جديد .

 انه الشاعر الذي يسرد ويحاكي طبيعة بلاده مع حكايات الاجداد .  بدل رفو الشاعر الكردي الجريح الذي بدأ حكايته من مدينة الموصل والتي يصفها بأجمل مدن التاريخ  ووصل به المطاف الى مدينة غراتس النمساوية الذي جعلنا نعرفها كما نعرف قريته الصغيرة القابعة في كردستان والى مدن مثل شفشاون المغربية التي يتمنى اهلها ان يصبح منهم  فهو يكتب لأنه يحب الحرية والإنسانية، ويكتب لشعبه ولوطنه ولعشقه للحياة .

 الرحلة هي احدى هواياته واصبحت بمثابة هوية شخصية له بعدما كتب عن ادب الرحلات وهو القائل - "رحلتي بدأت قبل أن أضع قدمي على أي خريطة. كانت رحلة داخلية، محاولة لفهم نفسي والعالم من حولي. كل مدينة زرتها، وكل لقاء أجريته، كان انعكاسًا لرغبة داخلية في اكتشاف الجمال والإنسانية، وليس فقط المكان."

  الشاعر و المترجم بدل رفو المزوري احد ابرز الوجوه الادبية الكردية حضوراً من حيث ترجماته القيمة من لغات عدة ولا سيما من الكردية الى العربية بالاضافة الى ترجمته للعديد من الشعراء النمساويين واصدرها على شكل انطلوجيا شعراء النمسا ، استطاع بنشاطه وحركته الدؤوبة ان يعرف الشعر الكردي بالعالم وبالعكس ، - "كل خطوة يخطوها تحمل قصة، وكل لقاء يحمل مشروع كتابه. فالرحلة الأدبية بالنسبة له ليست مجرد وصف للجغرافيا، بل محاولات لفهم الإنسان والعالم من خلال الكلمات والصور والمشاعر. فأدب الرحلة هو تسجيل الروح قبل الجغرافيا." حسب وصفه

سبق وان حاورته قبل عقد من الزمن اثناء مروره في مدينة آمد التاريخية في شمال كردستان وعلى اسوارها تحدثنا عما يجول في خاطر انسان عابر ويترك اثراً في كل مكان يقول بدل رفو بأنه في رحلاته يبحث عن ذاته وروحه وقلقه وعن صور وطنه المسافرة برفقة حقيبته الظهرية ومجموعة اوراق بيضاء يخط عليها مشاهداته في البلدان التي يزورها ويقول بأن ادب الرحلات يعد نافذة مطلة على المكان والتاريخ عبر مواقع مختلفة وهذا الادب يعد مزيجاً من الرواية التاريخية برفقة السرد لاجل تقديم مفهوم متقدم للحضارات التي عاشتها الانسانية وبدوره يعد ايضاً من اهم المصادر الجغرافية والاجتماعية والتاريخية لان الكاتب الرحال يستقي معلوماته من مشاهداته وتصويره المباشر والكشف عن المجهول والوصول للهدف والاضطلاع على الآثار والاستمتاع بمشاهدة التاريخ.

لا بد من العودة الى الجذور اولاً (بين كردستان... الجذور والحنين)

فقد نشأ بدل رفو في بيئة كردية ريفية غنية بالطبيعة والأساطير والحكايات الشعبية، وهو ما شكّل خلفيته الشعرية الأولى.

انه  يرى في الجبل رمزاً للكرامة والصمود، وفي القرية ذاكرة الأجداد والهوية، لذلك ظلت كردستان حاضرة في معظم قصائده ومقالاته، كأمّ روحية .وكذلك امضى طفولته وشبابه في مدينة الموصل ولذلك نراها بقوة في اشعاره وتحتل مكانة كبيرة عنده.

فالبداية من الجبل... لا من المدينة

سألته لنبدأ من البدايات، من الجبل الذي أنجبك، من قريتك الأولى ( الشيخ حسن) ... من أين يبدأ بدل رفو حين يروي سيرته؟

يقول أبدأ من هناك، من رائحة التراب بعد المطر في كردستان. من نبعٍ صغير كنت أشرب منه طفلاً وأحلم بالعالم.

الشعر جاءني مبكراً، كصوتٍ داخلي يقول: اكتب لتتذكر. كنت أكتب عن الأشجار، عن الغيوم، عن الأم التي كانت تنتظر عودة الغائبين.

لم أتعلم الشعر من الكتب، بل من الحنين. الجبال كانت مدرستي، والعزلة كانت معلمي الأول. من ازقة الموصل القديمة ومن كدح الطفولة  والمدرسة والاصدقاء وكل ذكرياتي في الموصل.

 

كردستان بالنسبة له ليست مكاناً فقط ، بل هوية وذاكرة ووجع جميل، ولهذا حملها معه إلى كل بقعة زارها في العالم، حتى تحوّل إلى “سفير الجمال والشعرالكردي” في المنافي كما قالها الشاعر الكردي الكبير (لطيف هلمت).

 

بعد الهجرة الى اوربا والاستقرار في النمسا، و فضاء الانفتاح والتنوّع

حين استقر بدل رفو عام 1991في النمسا ، وجد نفسه أمام عالم مختلف تماماً: نظام، حرية، ثقافة، وانفتاح.

لكنه لم يذُب في هذا العالم الجديد، بل حوّله إلى فضاء للحوار بين الحضارتين.

تعلم اللغة الألمانية، وبدأ بترجمة الشعر النمساوي إلى العربية والكردية، وشارك في المهرجانات الأدبية والثقافية، حتى أطلقت عليه بعض الصحف النمساوية لقب:

(الرحّالة الذي جعل الشرق يبتسم في فيينا.)

حيث يقول في النمسا كتبت أجمل النصوص الشعرية التي تحاكي التعايش الإنساني وعن التجسير بين الشعوب وفتح آفاق للحوار بين الحضارتين ، حيث  أصدرت كتابين  مثل "العالم بعيون كردية" وأطفال الهند علّموني ولالش.. بلاد لا تقبع على خرائط الحقد.واخيرا كتابي النمسا بعيون كردية .

من خلال هذه الكتب، جعلت من نفسي مرآة تعكس صورة الكرد أمام العالم وصورة العالم أمام الكرد.

وما بين الرحيل والبقاء حيث سألته عن ماذا تعني له الرحلة اليوم بعد كل هذه السنوات؟

قال ان الرحلة أصبحت طريقة حياة، وليست هواية.كل مدينة أزورها أترك فيها شيئاً من قلبي، وأحمل منها شيئاً من ضوءها. في الطائرة، في القطار، في المقاهي، كتبت أجمل قصائدي.

الرحلة لا تنتهي حين نصل، بل حين نتوقف عن الدهشة... وأنا ما زلت أدهش كطفل يرى البحر لأول مرة.

قلت له لقدعشت التضاد بين المنفى والوطن: وازدواج الهوية كيف تجانست مع المتناقضين .

( من دهوك إلى غراتس: جغرافيا القلب)

قال النمسا منحتني النظام والجمال الهندسي للحياة، والمغرب منحني دفء الإنسان البسيط، والمكسيك أدهشتني بفرحها رغم الفقر.

لكن كردستان بقيت هي الوجع الجميل. كلما عدتُ إليها، شعرت أنني أعود إلى قصيدتي الأولى.

الرحلات علمتني أن العالم لا يُرى بالعين فقط، بل يُكتشف بالقلب.

بدل رفو يعيش بين وطنين: كردستان التي تسكن قلبه، والنمسا التي تحتضن قلمه.

هو ابن بيئتين، وصوت مزدوج النغمة، يجمع في لغته رائحة الجبل وصوت موسيقى الفالس، وفي شعره نغمة الحنين ونغمة الدهشة.

حيث يذكر ذلك في صورة جلية  في أحدى  لقاءاته الاخرى والكثيرة :

حين أكتب عن النمسا، أكتب بعين كردية؛ وحين أكتب عن كردستان، أكتب بروح أوروبية تبحث عن النظام والحياة.

وهكذا، تحوّل المنفى عنده من مأساة إلى رسالة، ومن الغربة إلى جسر إنساني يربط الشرق بالغرب، والأدب بالحياة.

لعل الحديث معه شيق ويطول  كما ذكرنا ولكن لا بد من الوقوف عند الترجمة لديه بالرغم من ان هناك من يدعي ان ترجمة القصيدة تضعف من معناها احيانناً كثيرة  وتجعلها هشة فاقدة للاحاسيس والمشاعر إلا ان بدل رفو استطاع ان يحافظ على معنى ما يترجمه ويجعلها قريبة من لغتها الحقيقية ويبدع فيها ،وقد كتب عنه الكثير وبشهادة كبار الكتاب والمثقفين انه احد المترجمين الكبار ويستحق كل التقدير والثناء على فعالياته ونشاطاته واسفاره ورحلاته .

بين الشعر والترجمة

فقد كتب بدل رفو الشعر بالكردية والعربية، واول قصيدة نشرها في حياته كانت نهاية السبعينيات في جريدة الحدباء الموصلية وجعل من الترجمة وسيلة للتقارب الثقافي لا للنقل فقط ( حسب وصفه).

ترجم قصائد من الألمانية  إلى العربية والكردية من خلال انطلوجيا شعراء النمسا باللغتين العربية والكرية ، وأيضاً نقل الأدب الكردي إلى لغات أخرى.

ويعتبر الترجمة كفن للحياة حيث عمل طويلاً وما زال يعمل في الترجمة الأدبية حيث يرى بأن الترجمة ليست نقلاً من لغة إلى أخرى فقط، بل هي ولادة جديدة للنص.

ويقول بصدد ذلك "حين أترجم، أبحث عن الروح لا عن الكلمة. أحاول أن أُبقي نبض القصيدة حيًّا بعد عبورها إلى لغة أخرى. والترجمة علمتني التواضع، لأن كل لغةٍ مرآة مختلفة للحقيقة.

في شعره نبرة شفافة، إنسانية، تميل إلى التأمل أكثر من الغضب، وإلى الجمال أكثر من السياسة.

فحينما ندعي ذلك لا نقصد الادعاء بحد ذاته بل حقيقة واقعية نرصدها في نتاجاته الادبية وقد تناولها العديد من النقاد والكتاب

شهادات نقدية

يرى النقاد أن بدل رفو يمثّل جيل الأدباء الكرد العالميين الذين خرجوا من الجغرافيا الضيقة إلى العالمية دون أن يتخلّوا عن الجذور.

كتب عنه أحد النقاد النمساويين:

هو لا يكتب عن وطنه فحسب، بل يجعل القارئ يشعر أنّ كردستان وطن للجميع.

وفي العالم العربي اعتُبر من أبرز من جددوا أدب الرحلات المعاصر، لأن نصوصه تزاوج بين الشعر والسرد والرؤية الفلسفية.واطلق عليه الشاعر المغربي الكبير عبدالكريم الطبال  لقب ابن بطوطة كردستان . حيث يقول عنه

بدل رفو يعيش بين كردستان والنمسا كما يعيش القلب بين الحلم والواقع.

من الأولى أخذ دفء الانتماء، ومن الثانية تعلم فنّ النظام والحرية.

إنه شاعر لا يعرف الحدود، يرى في كل أرض وطناً محتملاً، وفي كل إنسان مرآةً للآخر.

ومن خلال قلمه، صار العالم فعلاً يُرى بعيون كردية، أي بعيون عاشقة للجمال والإنسان.

بدل رفو المزوري: شاعر يحمل وطنه في حقيبة... ويكتب قصيدته على جدران العالم

في زمنٍ تتسارع فيه الخطى وتضيع فيه البوصلة، يظهر صوتٌ شعريّ قادم من أعالي الجبال، يحمل في ملامحه مزيج الحنين والدهشة، ويكتب بلغةٍ تشبه الطيور المهاجرة... لا تعرف حدوداً، ولا تخشى الغربة.

بدل رفو  الشاعر الكردي الرحّالة، الذي جاب القارات حاملاً في حقيبته قصائد من بلده كردستان وترجمات من لغات العالم، ليصبح واحداً من أبرز الأصوات التي تبني جسور التفاهم بين الشعوب عبر الأدب والفن والرحلات.

وعن ادب الرحلات وكيف تؤثر التنقلات المستمرة على فهمه للثقافات والهوية؟

يقول بدل رفو بأنه في رحلاته يبحث عن ذاته وروحه وقلقه وعن صور وطنه المسافرة برفقة حقيبته الظهرية ومجموعة اوراق بيضاء يخط عليها مشاهداته في البلدان التي يزورها ويقول بأن ادب الرحلات يعد نافذة مطلة على المكان والتاريخ عبر مواقع مختلفة وهذا الادب يعد مزيجاً من الرواية التاريخية برفقة السرد لاجل تقديم مفهوم متقدم للحضارات التي عاشتها الانسانية وبدوره يعد ايضاً من اهم المصادر الجغرافية والاجتماعية والتاريخية لان الكاتب الرحال يستقي معلوماته من مشاهداته وتصاويره المباشرة والكشف عن المجهول والوصول للهدف والاضطلاع على الآثار والاستمتاع بمشاهدة التاريخ. ويقول "كل خطوة تحمل قصة، وكل لقاء يحمل نصًا محتملًا. الرحلة الأدبية ليست مجرد وصف للطرق، بل محاولات لفهم الإنسان والعالم من خلال الكلمات والصور والمشاعر. أدب الرحلة هو تسجيل الروح قبل الجغرافيا."

من قرى دهوك إلى مقاهي فيينا، ومن جبال كردستان إلى سواحل الأطلسي،والى كهوف الثورة المكسيكية وجبال القوقاز والهملايا والألب ، سافر بدل رفو ليس كسائحٍ عابر، بل كـ"شاهدٍ إنساني" يدوّن الملامح، يلتقط القصص، ويحوّلها إلى قصائد تسكن الذاكرة.صديق لكل الشعوب والاقوام .

هذا في حواري معه قبل عقد من الزمن ويؤكد ذلك اليوم ايضاً في هذا الحوار الخاص، حيث يحدثنا عن الشعر، والرحلات، والوطن، والغربة، وعن الإنسان الذي ظلّ يبحث عنه داخل خرائطه الكثيرة...

يعتبر "الشعر جواز سفره الإنساني" حين سألته عن كيف يصف نفسه أحياناً يبدو شاعر مد الجسور بين الثقافات. وعن معاني ذلك اللقب بالنسبة له؟

يقول هذه مسؤولية قبل أن يكون لقباً. أؤمن أن الشعر يمكن أن يكون لغة مشتركة بين الشعوب. حين أترجم الشعر الكردي إلى الألمانية، أو أقرأ القصائد  في فيينا، أشعر أنني أبني جسوراً من المعنى بين أرواحٍ لم تلتقِ من قبل.

أنا لا أكتب فقط بالكلمات، بل بالاحترام للآخر. الجسر لا يُبنى بالحجارة، بل بالنية الطيبة.

بالنسبة للغربة نعود لها مجدداً حيث تترك اثراً سلبياً حيث البعد والفراق والاشتياق الى الجذور والضياع بين تلك المشاعر كيف تعتبر الغربة بالنسبة لك و كيف تتعامل معها؟ أهي قسوة أم منفى أم مساحة للحرية؟

   "الغربة ليست عدوّي... بل معلمي"

 يقول الغربة علّمتني كيف أرى نفسي من الخارج. في البداية كانت قاسية، تشبه شتاء فيينا الطويل، ثم صارت صديقة تمنحني الصمت الذي أحتاجه لأكتب. فالغربة ليست منفى، بل اختبارٌ للروح. فيها تعيد تعريف معنى الوطن.

أنا أقول دائماً: الوطن ليس المكان الذي وُلدت فيه فقط، بل حيث تجد نفسك إنساناً كاملاً.

حاولت ان اتطرق الى الشعر في زمن السرعة و في زمن التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، ماذا سيكون مصير الشعر؟

اجاب ان الشعر لا يخاف من التطور، لأنه وُجد قبل الآلة وسيبقى بعدها. ربما تتغير الوسائط، لكن القصيدة ستبقى هي الشرارة الأولى في قلب الإنسان.و الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكتب نصاً، لكنه لا يستطيع أن يكتب "وجعاً".

الشعر ليس كلمات مرتبة، بل رعشة في الوجدان، والآلة لا تعرف الارتعاش.

سألته في ختام هذه الرحلة الجميلة في اغوار وسجالات بدل رفو  ما الحلم الذي ما زال ينتظرك؟

(أحلام لم تُكتب بعد ) أحلم أن أؤسس متحفاً إنسانياً للرحلات وتحف جمعتها، فيه صور وقصائد من كل الثقافات، ليعرف الناس أن الجمال لا لغة له ولتاريخ كردستان .

أحلم أيضاً أن أرى في بلادي مكتباتٍ أكثر من المقاهي، وأن يتعلم الأطفال أن السفر يبدأ من كتاب.

بدأنا حوارنا بالشعر وننهيه بالشعر ايضاً في كلمته الاخيرة في ختام هذا الحوار او الرحلة بين وجدان شاعر وروح انهكتها تعب السنين والاماكن .

قال لا تتركوا الحلم يتيماً.

اقرأوا كثيراً، وسافروا بأرواحكم إن لم تسمح الظروف بأقدامكم.

واكتبوا... لأن الكتابة مقاومة ناعمة ضد القبح.

أما أنا، فسأظل أكتب وأرحل وأحلم، لأن الشعر — ببساطة — هو بيتي الوحيد الذي لا يُغلق بوجه أحد.

"كل قصيدة  شعر أطرزها هي خريطة لروحي...

وكل رحلة أعيشها هي بيت مؤقت في وطنٍ لا ينتهي."

ولا بد من خاتمة اضيفها انا باختصار .. اعتبرها عصير كد وجفاء شاعر حيث يرتبط دوره كشاعر و مترجم و رحالة   النمسا بعدة جوانب مهمة، نظراً لإقامته الطويلة فيها وعمله الثقافي المتنوع .

​فالكتابة عن النمسا ورحلاته منها وإليها: يعمل بدل رفو في مجال أدب الرحلات، ومن خلال كتاباته ومشاهداته، يقوم بنقل صورة النمسا والحياة فيها، بالإضافة إلى نقل تجاربه في رحلاته العالمية التي ينطلق من النمسا أو يعود إليها، مما يضيف بعداً عالمياً لأدب الرحلات النمساوي/العربي.

​سفير ثقافي: يُعتبر سفيراً كردياً لمدينة غراتس وإقليم شتايامارك النمساوي في الشرق، ويعمل على ربط النمسا بالشرق عبر أعماله. رحلاته وكتاباته تهدف إلى نقل حضارة وثقافة شعبه وبلاده (كردستان والعراق) إلى العالم،وإطلاع القراء على الثقافات الأخرى التي يزورها، مقدماً منظوراً مميزاً للمشاهدات.

​ترجمة الأدب النمساوي: كونه مترجماً، فقد قام بترجمة أعمال أدبية نمساوية مهمة، أبرزها "أنطولوجيا شعراء النمسا" إلى اللغتين العربية والكردية، مما يعد جسراً ثقافياً بين الأدب النمساوي والجمهور العربي والكردي.

​الوجود الثقافي في النمسا: هو عضو في نقابة صحفيي النمسا واتحاد أدباء النمسا، مما يعكس انخراطه المباشر في الحركة الثقافية النمساوية وتأثيره فيها من خلال فعالياته وأمسياته الشعرية والثقافية باللغات الكردية والعربية والألمانية

​باختصار، يساهم بدل رفو في أدب الرحلات من النمسا و إليها من خلال كونه رحالة ومترجماً وناقلاً للثقافات، مستخدماً النمسا كمنطلق ووجهة لأعماله الأدبية والثقافية التي تدمج بين الشرق والغرب .

ومع غروب الشمس، يغلق المزوري دفتره، لكن أثر اللقاء يظل. كل مدينة زارها، كل إنسان التقى به، وكل تجربة عاشها أصبحت نبراسًا لنا. الرحلة الحقيقية، كما يقول، ليست على الخرائط فقط، بل في القلوب، في الثقافة، وفي البحث المستمر عن الجمال والإنسانية.

ويختتم بدل رفو حديثه قائلا :

"الرحالة لا يسافر ليبتعد عن العالم، بل ليقترب منه أكثر، ليجمع بين المسافات والقلوب، ويكتب في كل خطوة سطرًا من الإنسانية