يبدو الشاعرالعراقي المغترب عبد الستار نورعلي؛وقد بلغ الثالثة والثمانين من
عمره،وكأنه أراد أنيعبر في قصيدته"انتظار القطار األخير"عنمعنىرمزيا يمثل
شعور اإلنسان الذي يتقدم في السنباقترابنهاية العمر،فمن يبلغ الثالثة والثمانين
يشعر وكأنه يقترب منمحطة الرحيل،متفكرا فيما بعدالرحيل، وكيف ستكون آخر
مغامرة وآخر رحلة يقوم بها مرغما دون أي خيار آخر، وهي رحلة ال تشبه أي من
تلك الرحالت التي اختارها طوعا من قبل.
حالةقد ال يشعربهامن هو في مقتبل العمر، إذ ال يشعربثقل هذه اللحظة ورهبتها
إال من ينتظرها، واالنتظار صعبٌ، فالذي يعيش ثمانية عقود يفكر فيهذه اللحظة
مليا متأمال في رحلتهإلى المجهول،ٌوهي رحلةلم يعد أحد منها من قبل ليحدثنا عن
عالمها األثيري المبهم.
هذا العماءوعدم معرفة اإلنسان أين سيتجه مصيره يخلق عادة تقاطعات وأبعادا
فكرية، منها:
البعد الصوفيمتمثال في الزهد في الدنياوانتظار اللقاء.
والبعد الفلسفيمتمثال فيزمن ٌ متقدموتأمل في الذات والوجود.
والبعد الوجوديمتمثال فيالمعنىوالوجود والفناءوالخوف من الصحو أو اليقظة
التي تكشف المعنى.
القصيدة إذن يمكن أن تقرأ كمـــرسى لرؤية إنسان متأمل"هادئ ورصين"، يبحث
عن معنى، وأصعب ما في الحياة هو البحث عن المعنى.!
بدأ الشاعرقصيدته بقول:
إنيأنا الْهادئ والرَّصين
والْباحث عن ْ زاوية ساكنة،ً
ال تقتضي وسادة ً مليئة
وأقف هنا عند قوله: "والْباحث عن ْ زاوية ساكنة"، فهوحضور واضحلحالة المكان
الصوفي (الزاوية) التيتسمى أيضا"الربط"أو"الخَوانق،"وهي أماكنيتخذها
الصوفية للعبادة والعزلةالروحية، وقدنشأت في العالم اإلسالمي منذ القرن الثالث
الهجري تقريبا، وكانت مراكز للتربية الصوفية والسلوك الروحي.فهيالمكانالذي
يجتمع فيه الصوفية للذكر والعبادة والتأمل، ويقيم فيه الشيخ والمريدون"األتباع"،
وهيتؤدي وظيفة المدرسة الروحية؛ فهي تخرج المريدينوتعلمهم األدب الصوفي
والسلوك.وتعد ُّ بمثابة محراب للصفاء ومالذ من صخب الدنيا، يجتمع فيه من أراد
هللا ال السلطان.
والشاعر بذلك أراد توضيح حالةالزهدالتي يعيشها، فـ "زاوية ساكنة"ترمز لمكان
تأملي،يعتبرمخرجامن مطاردة الدنيا وضغوطها.فالزهد في التصوف ليس فقط
رفض المتاع،بقدر كونهالرغبة في القرب من الذات والحقيقة.وفي هذا السياق،ضع
الشاعرنفسه خارج لعبة السلطة:
بالسَّيف والْخناجر،
والشَّوك والْحناجر،
أرصفة الشَّوارع
فهي كلهارموزللصراع واالفتراس، أراد االبتعاد عنهاليلجأ إلىزاوية ً ساكنة.
وهذا الموقف يتقاطع مع روح التصوف اإلسالمي الذي ترى فيه حركة الذات نحو
المحراب الداخلي أو سلطان الباطن، وليس سلطان الخارج.
وإذا عدنا إلى العنوان:"في انتظار القطار األخير" سنجد أنالمحطة األخيرة في عمر
الشاعر تمثل لحظة التحول أو العبورتشبها بالتصوف.ففي التصوف، هناك فكرة
"الموت قبل الموت"أو"المراقبة"التي تستعد لها الذات، وهي ليست موتا ً ماديا ً فقط،
وإنما هيموت لألنانيات والعالم والهوى.والشاعربهذا المعنى ال ينتظر القطار
كمجرد نهاية بيولوجية،وإنما كوسيلةحركةللعبور إلى زاوية ساكنة، ربما اللقاء أو
الفناء أو الوحدة، أو الوعي بجوهر الوجود.وهذا ما يدفعنا الستدعاءمفهوم"الفناء"
عند المتصوفة، أو"تذوب الذات في الحق"، أو"فناء المحب في المحبوب".
أماالمنطلق"الهادي والرصين"فهويشير إلى حالة أكثر من مجرد التقدم في العمر،
بمعنى أنه يشير إلىحالة تراكم روحاني وتجربة تأملية،هي التيجعلتالشاعر يقف
في طرف االنتظار، مع يقين أو ربما شك أوفي األقلتأمل في ما بعد، وهو اآلخر
بعد ٌ صوفي.
فضال عن ذلكتحتويالقصيدةعلى رموز الفتة:
ورأس ذاك َ الْمبصر الْعتيد،
داخل َ ذاك َ النَّفق الْبعيد،ْ
صاحبت شارع َ الْكفاح والرَّشيد،
فرموز مثل:"شارع الكفاح"،"النفق البعيد"،"رأس ذلك المبصر العتيد"،كأن الشاعر
أرادمن خاللهاأن يرمزإلى أشياء أخرى، فمن خالل هذاشارعالكفاحالذي يقع في
وسط بغداد القديمة، وكان مسرحاللتظاهرات إلى الحياة الدنيا،أراد ان يرمز إلى
الكفاحوالصراع.وربما رمزفي "النفق البعيد" إلىمرحلة العبور أو الظلمة التي
تسبق النور، أو الوعي الذي ينتقل من الظاهر إلى الباطن.أما "الرأس المبصر العتيد"
فيمكن أن يرمز إلى الحكمةوالرؤية الصوفية، أوربماالمعلم الداخلي.وهذه الرموز
تتوافق مع خطاب الصوفية الذي ينتقل من الحياة الفعلية إلى الحياة الباطنية،ومن
الماضي إلى الحاضر، ومن الحيازة إلى الفناء.والشاعرفي هذا اإلطاراليتحدث
عن عمره المتقدم،وإنما يتحدثعن موقف وجودي من الزمن والوعي،وهو موقف
صفاء وتأهب.
كما انضوت القصيدة على بعد تأملي فلسفي وجودي، فهو حينيردد:
سكرْتدهراً،وصحوْت أدهرا
ونمْتعصراً،ويقظْت أعصرا
تجدهنا حضور الزمن بشكل قوي"دهر"أدهر" " ًعصرا""أعصرا".فالزمن ليس
مجرد حين خارجي،بقدر كونهتجربة وجودية.كذلكالسكْر والصحو،والنوم واليقظة
هي األخرىرموز متضادة تلمح إلى حالة مستمرة من الوعي والنسيان، من التجربة
والنسيان، من الحياة والموت الرمزي.وهذا بعد فلسفي، ففي الفلسفة الوجوديةنجد أن
الزمن والوجود والثبات والمصير موضوعات مركزية. مثال:إن واجه اإلنسان العدم
أو تحسس محدوديتهالزمنية، فإنه يدرك وجوده بطريقة مختلفة
وفي هذا المنحىيصبحانتظار القطار األخير انتظارا زمنيا ووجوديا،وليس فقط
إشارة إلىانتهاء العمر،فهو يشير إلىانتهاء مرحلة منمراحلوعي الذات،
واالنطالق نحو مرحلةأخرى،ربما ال نعرفها، ولكنناندركها بالتسليم أو التأمل.
وفي االتجاه الوجودي نفسه تجد في قولالشاعر:
ال عيبَ، ال خوف َ منَالسُّكْر،
يكون فيه الرَّجل السَّكران أوهى..
من ْ نسيج الْعنكبوتْ،
الْخوف من ْ صَحْو يكون..
الرَّجل الصَّاحي كبركان يثورْ.
إشارة إلى أنفكرة الصحوة والسكْر تأتي كمفارقة،إلالسكْر يجعل الرجل"أضعف
من نسيج العنكبوت"، ولكن الصحوة تجعل الرجل"كبركان يثور". بمعنى أن الوعي
أو اليقظة أكبر خطرا ً أو إثارة من النسيان.ومن الناحية الفلسفيةيمكن أن نقرأ هذا
كمقاومة للغفلة المريحة، وكدعوة للصحوة األخالقية أو الوجودية التي تتطلب مواجهة،
صحوةتدفع إلى الثورة أوالمطالبة بالتغيير.ففي االتجاه الوجودي، تواجه الذات
عدمها أو محدوديتها، وتصدمها الحرية والمسؤولية،فتسعىإلى موقف جديد.
من هذا المنطلق،نرىالشاعر ال ينتظر القطار األخير بصمتوالاستسالم،وإنما
ينتظرهفي حالة استحضارروحي وعقليفمن كان سكيراً، يعيش غفلة؛ أما من
يصحو، فهو على شفير ثوران،أي حركة،وربما اعتراض،وربما استرجاع. وهنا
تتداخل العالقة بين الزهد والتأمل والفعل،فتلك الحالة ليستمجرد انتظار ساكنبقدر
كونهاانتباه يَوَقظالروح لتتهيأ المسيرإلى أن المحطة األخيرة، وتنظر إليها على أنها
ليست نهاية محض،فهي ًقد تكون بدايةلنوع آخر من الوعي أو التحرر.ً
في النص أيضاهناكإشاراتصارخةإلى:
وما وقفْت في بالط سلطان، وال األْبوابْ،
أنتظر الرضى أو األْكياس َ أو
ما يمنح الْحجابْ،ْ
أو نظرة ً من ْ أعين الذئاب
وهذا في واقعهرفض للمكانة االجتماعية التقليدية، للسلطان، لالنتظار البيروقراطي
أواالنتظار الذي يرضي السلطان.فالشاعرهنا أعلنها صريحةأنه لم يسلك طريق
الرياسة أو التمكين، ولم يجعل رضى اآلخرينمنالنخبوالسلطانوالحجاب،ًمقياسا
لذاته. هذه إصرار على الذات، على الحرية الداخلية يتقاطعبالتأكيدمع الفكر الوجودي
الذي يقول بأن اإلنسان يصنع ذاته بفعل اختياره.
من هنا أرىانتظار القطار األخير ليس استسالما ً للسلطة أو للبنى التي يضغط فيها
الزمن،وإنما هوفعل رفض لها. أقول هذا رغم أن الشاعر نفسه أخبرني أنه أراد من
خاللها اإلشارة إلى تقدمه في العمر مثلما فهمت من قوله في رسالة بعثهالي: "وقد
أشرت رمزا ً لتقدم عمري (83عاماً) واقتراب قطار العمر من محطته األخيرة".
وأجد فيالمحور االنزياحيصورة للنهاية والتحول، ف ٌالقطار األخير في النص رمزيً
جدا،فهو ال يرمزفقطلنهاية زمنية،وإنما يتحدث عننهاية تجربة،وانتقال إلى ما
بعدها،وهذا االنتقال بحد ذاتهربمايكونًلقاء،وربما فراغا،وربما وحدة. في التقليد
الصوفي، هناك مفهوم"المرحل"أو"الدار اآلخرة"، ولكن هناكًأيضامفهوم"البقاء
مع الحق"أو"اللقاء بالمحبوب".وإذا بحثنا عن هذا البعدفيسياقحياةالشاعر، فإن
تقدمه في السن يقترب من تلك المحطة، لحظةمعرفة أن الزمن المحدود سيحمله إلى
محطة ال يعود منها، أو ربما يعود منها متغيراً.
فٌمن المنظور الوجودي، ينتاب اإلنسان عند االقتراب من النهاية شعوربالقلق أوالهلع
الوجودي، ألنه يدرك أن وجوده ليس أبديا، وأنه سيفارق ما عرفه من عالقات ومواقع
وأحباب وواقع إلى حيث العدم، أو الخلود.وفيهذهًالقصيدة يبدو هذا القلق مغلفا
بسكينة"أنا الهادئ والرصين"إال أن وجوده يعني أن الشاعر يعترفصراحة وبال
ترددبأنه راكب هذا القطارحتما، وأن عليه أن يستعدلهذه اللحظة،واالستعداد هنا
ليس بالتهويلوإنمابموقف الزهد والصفاء الداخلي.
أماحيث العدم أو الخلودفالقصيدة ال تحدد ما بعد القطار، لكنها تستشعر المسافة
وتصفها بالـ" ٌنفق ٌ بعيد"،وهذههيالمسافةالحقيقيةبين الواقع والحلم، بين الحاضر
والمتوقع، بين الدال والمدلول، هي المساحةالحقيقيةالتي يعيشها الشاعر.ومن منظور
فلسفي/صوفي هذه المساحة هي المكان الذي تزهر فيه الحكمة،ليسمن خالل النجاح
في الوصول فقط،وإنمافي االنتظار والتأملأيضا.
وهذا يدلنا على حقيقة تغيب أحيانا عن بالنا، أو ربما نغيبها قسرا هربا منها، وهي
كيف يستعد اإلنسان الذي يتقدم به العمرلعصر جديد يتجاوز الزمان والمكان التقليديين
والسيما حينما يشعر أنالقطار األخيرليس فقط القطار البيولوجيالذي يتحكم به
التقدم في السن فحسب، وإنما هوالقطار العابرإلى بعد ما بعدمادي. وإن كانت
القصيدة لم تشر صراحة لذلك، فإن هذا التأويل يفتح أمامناأفقا ً بحثيا غنيا.إذ توجد
في الصوفية والوجودية على حدسواء مكونات وعي الذات بمحدوديتها،ومواجهة
العدم أو النهاية،والحرية الداخلية،والصحوة أو التنبه إلى الحياةوالموت.وبرأيي أن
هذه المكوناتتتجلى في هذه القصيدة بما يعني أنالشاعر واع لعمره،وواع لالنتظار،
وواعأيضابأنه لم يسلك المسارات التقليدية.
وإنما من خاللالتقاطع في رفض المظاهر الخارجية:السلطان، الرضا، األكياس،
لصالح الذات الداخلية والوعي الداخلي.
وهذا يعني أننا نقفأمام حالة إنسانية تتجرد من الزينة وتتوجه إلى الجوهر، وهو ما ً
يقرأ صوفيا ً ووجوديابأناإلنسان يعترف بأنه"موجود ويحتضر"ومن ثم ينتج موقفه
من هذا الوجود.
لكن ثمة فروق مهمةتستحق التنبه لها، وهي أنالصوفية غالبا ً تنحو نحو فكرة"الفناء
في الحق"، وزوال الذات الشخصية في البعد الروحي، والوصول إلى الوحدة. أما
الوجودية فتركز على الفرد، وجوده، االختيار، المساءلة، غالبا ً دون تأكيد صريح على
"الحق المطلق"أو الوحدة المطلقةوالسيمافي التيارات اإللحادية. ومن النقد الوجودي
أن بعضهميرى في الوجودية تشكيكا ً في الثوابت والقيم، وانكفاء على الذات، وربما
نوعا ً من العدمية.وفي قصيدة عبد الستار هذهيتوازى هذان االتجاهان، حيثهناك
تأمل صوفيفي اإلشارة إليه من خالل:الزهد، انتظار القطار، السكون.وهناك وعي
وجوديمن خالل صور:العمر، الصحوة، رفض السلطة، الحرية الداخلية. السؤال
الذي يمكن أن نتطرق إليههنا: هل الشاعر يطمح إلى الفناء أمإلى الحرية؟وهل يرى
القطار األخير كتحرر من الذات أمكبقاء أمام مسؤولية الذات؟
وفي قراءة إنزياحية أي انتقالية زمن نهاية وبداية،ربما يكون القطار األخير ليس
نهاية محضة،وإنما هونقطة تحولمصيرية،وحينها يتحقق الجمع بين الصوفيمن
حيثالفناء/الوحدة،والوجوديمن حيثالمسؤولية/االختيار.وهذا يعني أن الشاعر
نجح في ربط المعنى بالمعنى.
امتالء وليد الربط هذا يكون وقدب القصيدةالتضاداتمثل:الهادئ/الثائر،
السكون/الصحوة، الشارع/النفق، السكْر/اليقظة، االنتظار/التحرك.فهذا الخلق اللغوي
وإن كانيؤسس لمشهد وجوديتأملييتضح من خالله أنالذات في حالة عطف بين
عالميْن، عالمالماضي والحاضر،وعالمالدنيا وما بعدها،وعالمالغفلة واليقظة، إال
أنه يسهم في خلقالربط المطلوب لتحقيق االنتقال.
فالسكْر هنا ليس مجرد ثمالة بالمعنى الحسيالمعروف،وإنما هوثمالة للزمن أو
للوعي. والنسيج العنكبوتيجاءكرمز هش يضاهي هشاشة اإلنسان في غياب
الصحوة. الصحوةنفسهاتتحول إلى ثوران،وحركة لم تكن مطروحة في السكْر. ومن
ثم يبدو الشاعر كمن يستعد لالنفجار، أو للتحول، أو للعبورالذي أراه أقرب
االحتماالت إلى واقع الشاعر نفسه.
ولذلك دالالت منهاالصوت الشعري والضمير، فالضمير"أنا" نجدهحاضرابقوة:
"إني أنا الهادئ … الباحث …"وهذابحد ذاتهيضع الشاعر في موقع متأمل ومعلق
بالحياة، ليس متلقيا ً سلطة اآلخر أو الزمن،وإنما حريعلم ويحدد موقفهوفق إرادته ال
وفق مطالب السلطان. هناك أيضا ً صيغة الخطاب: الشاعر يخاطب القارئ أو الذات،
لكن أيضا ً يخاطب الحياة أو الزمن أو الموت ضمن ضمير متفاعل،وهذا القبضبين
الذات واآلخر، بين الشاعر والزمن، بين االنتظار والرحيل،أسس لتوتر شعري
وجودي.
كما أن لغة النفي والرفض واضحةفي القصيدة:"ولم أمسح األكتاف… وما وقفت
في بالط سلطان …"هذا النفي يشير إلى اختيار لم يكن مَنحى زمنه أو مساره. وهذا
يعزز فكرة أن الشاعر يحتشد في محطة النهاية بوعي خاص، ليس كمسافر منسكب
أو مهزوم وإنماكباحثعن الحقيقة والمعنى.
بعد هذه الجولة من حقنا أن نسأل بال توقف:ماذا تمثل المحطة األخيرةفي حياة كل
منا؟هل هي نهاية نهائية، أم انتقال إلى بعد آخرسواء كانروحانيا، أو رقمياأو
رمزيا؟وكيف يفهم الشاعر هذا االنتقال؟وما عالقة الصحوة بالسكْر؟ففي النص،
السكْر ضعيف، والسكْر ليس مرفوضا ً بالضرورة، لكنمكمن الخطر في،الصحوة
هي الخطورة،وهي االنفجار. فهل الصحة في الحياة هي الصحوة، أم في التوازن بين
الغفلة والوعي؟
وكيف يتعاطى الشاعر مع الزمن؟ هل الزمن يسرق أم يمنح؟وكيف يعكس تقدم العمر
موقفا ً تأملياً؟
وقالالشاعر إنه لم يقف في بالط سلطان،ولم ينتظر الرضا أو الحجاب،ولم يطلب
نظرة من الذئاب، فهليشيرهذاإلى استقالل؟وفي االنتظار األخير هل يصير اإلنسان
مسؤوال عن عبوره أو عن اختياره؟وهل القطار األخير يمكن أن يكون رمزا ً لتحول
في أشكال الوعي نحو ما بعدمادي؟وهل الزاوية الساكنة قد تصبح"واجهة دماغ إلى
دماغ"في المستقبل؟وهي أسئلة ليس من اليسير اإلجابة عنها، لكن كل الذيأستطيع
قوله إنقصيدةعبد الستار نورعلي التي تحدث فيها عن عمرهليست مجرد بيان
شعري لعمر متقدم،وإنماهي موقف وجودي مؤثر، يجمع بين الصوفيةفيالزهد
واالنتظاروالزاوية الساكنة،والفلسفة الوجوديةفيالزمنوالحريةوالصحوةوالقلق
من النهاية.إنها تمثل"انتظار القطار األخير"كمحطة رمزية نحو التحول، نحو ما
بعد العمر، وربما نحو اللقاء أو الوحدة أو التجاوز.
تفكيك نقدي لقصيدة"في انتظار القطار األخير" للشاعر العراقي المغترب عبد الستار