في بداية عام 1981 لجأت الكثير من العوائل الهاربة من بطش الدكتاتورية الى مقراتنا الخلفية في (گلي كوماته) طلبا للحماية، وخلال اشهر قليلة تحولت (يك ماله) الى قرية كبيرة تعج بعشرات المنازل ومئات الناس وتحولت الساحة الى ملاعب للاطفال الصغار.

قاعدة بهدينان كانت اساسا تعاني من نقص في المواد الغذائية والتموينية وصعوبة الحصول عليها، وذلك بسبب المنطقة المحرمة العازلة التي انشأها النظام في اواسط السبعينات على طول الحدود العراقية التركية وبعمق يصل الى 30 كم في بعض المناطق. النظام قام بتهجير سكان القرى الى مجمعات سكنية قسرية على اطراف المدن، وقام بترحيل الاخرين الى المدن الجنوبية، وكذلك قام بتدمير وحرق قراهم واتلاف مزارعهم وتسميم ودفن الابار وعيون الماء لكي تصبح خرائب غير قابلة للسكن.

وبسبب تلك الصعوبات التي عددتها، قام الأهالي بالاستيلاء على الاراضي في محيط (يك ماله) وتسييجها والبدء بزراعتها بالخضار مثل الطماطم، الخيار، الباذنجان، البصل والفلفل وذلك لسد احتياجات عوائلهم.

هنا برزت فكرة لدى قيادة القاطع بأن نستحوذ نحن ايضا على مساحة من الارض وان نزرعها بغرض سد احتياجات المقر من الخضروات اسوة بالبارتي وكذلك الاهالي.

تم بالفعل تحديد المنطقة وتسييجها وزراعتها بعد ان حصلنا على البذور من الاهالي، حيث تم تخصيص مجموعة من الرفاق للاعتناء بالمزرعة وحراستها وذلك لاهمية الموضوع في تحقيق الامن الغذائي للمقرات الخلفية في قاطع بهدينان.

بعد مرور اكثر من شهر بدأت المزرعة بالازدهار وبدأت الخضار واولهم الخيار باعطاء الثمر ووصلت الاخبار الى الرفاق في مقراتنا في (گلي كوماته) وبدأ الرفاق يتوافدون الى (يك ماله) بغرض زيارة المزرعة الرهيبة وتفقد محصول الخيار.

نتائج زيارات الرفاق للمزرعة كانت كارثية، اذ ان الرفاق ومن حيث لايدرون قاموا بابادة الخيار في مهده عبر التهامه وهو لم يتجاوز حجمه عددا من السنتيمرات، هذا علاوة على كونه غير ناضج حيث لم ينجوا من الابادة ىسوى عدد محدود من الخيارات التي وصلت الى مرحلة النضج والقطف.

الطماطم هي الاخرى لم تكن افضل حظا من الخيار حيث تعرضت ايضا للابادة ولم يسلم من القطف سوى الباذنجان والبصل والفلفل، وهذا النقص في الخضروات ادى بنا لاحقا لشراء الخيار والطماطم من الاهالي، كما ان الاهالي كانوا يجمعون الجوز والبلوط والتفاح من الوادي الذي يقع خلف مقر (يك ماله) رغم ان احدى  ربايا الجيش كانت تشرف على الوادي. اصبح الاهالي مصدر بيع للفواكه والخضار والخبز والجوز والعسل والتبغ والجبن وغيرها.

كانت تجربة زراعة الخضروات جيدة لو كنا اخذنا مساحة اكبر وزرعناها في الوقت المناسب خاصة انه يمر نهر صغير يفصل (يك ماله) عن تركيا ويسهل عملية الري. كما ان هذا النهر الصغير كان في فصل الربيع يحتوي على الاسماك وكنا نرى القرويين ينصبون شباكهم لاصطياد السمك ومن ثم يبيعوه علينا.

لماذا لم نفكر مسبقا بمسألة الزراعة وتوفير الخضار لانفسنا ؟ خاصة ان مقر بهدينان كان يحوي عددا من الرفاق المتخصصين في هذا المجال، اضافة الى رفاقنا من اهالي المنطقة ذوي الخبرة في مجال الزراعة.

الاكتفاء الذاتي والامن الغذائي كان سيجنبنا التبعية للاخرين ويجنبنا الوقوع تحت رحمة المهربين الذين كانوا كالعادة عملاء يتعاونون مع الجانب العراقي والتركي.

جريدة النصير الشيوعي العدد 14 أيلول 2023