في عام 1991 كنت في زاخو وبالتحديد في مقر الحزب الشيوعي العراقي في منطقة العباسية الثانية. عملت هناك في نهاية جولة صعبة بين المدن والجبال حتى استقرت اقدامنا الحديدية في مقر زاخو. كان الرفاق يتمتعون بعلاقات طيبة بأستثناء روح شريرة واحدة وكانت نهاية هذه الروح الأختفاء، كان مقرنا يشمل الجميع في اعماله ومهماته التي من اهمها:

1 _ التنظيم الحزبي في المدينة.

2ـ أستلام مالية كل مبالغ كمرك بوابة أبراهيم الخليل. كانت تكدس في صالة كبيرة داخل مقر الحزب ومن ثم يتم توزيعها بين اعضاء الجبهة الكردستانية، وكان علينا حراستها في كل مرة.

3ـ كانت كل مساعدات الأمم المتحدة الغذائية توزع من خلالنا بقوائم للشهداء، للمدارس، للعوائل المنكوبة، وكانت مهمة صعبة.

4_ العبور من (ديربون) وهي منطقة عبور نهر دجلة الى الضفة الأخرى باتجاه اما سوريا او تركيا، وهذه كانت من اصعب المهام التي واجهناها مع الناس الراغبين في العبور من دون ورقة. كان ختم العبور في حوزتنا  لكننا نستخدمه فقط عندما نستلم رسالة من المكتب السياسي بالموافقة على العبور. وبأمكاننا ان نعبّر مانريد من دون ورقة وبأسعار نحن نطلبها كما يفعل غيرنا، لكن الضمير والثقة والنزاهة كانت اقوى من ذلك بكثير. في مقر زاخو كان 10 من البيشمركه القدامى، لكن الثابتون في عملهم ليلا ونهارا هم 5 رفاق: (انا والرفيق كاروان وعلاء وكيفي وأبو افكار). في مقر زاخو دخلت امرأة وقورة وترتدي ملابس يطغي عليها اللون الاسود. عندما اقتربت منها شعرت وكأني اعرفها اوعشت معها من قبل. أم كانت قريبة من الشمس، من سومر، من اجمل المدن، كانت من الناصرية، أم لشهيد شيوعي وأم لأصدقاء كانت لي معهم علاقات طيبة (حكمت وثائر)، كان بيتها ترتفع بداخله الأفكار الانسانية النبيلة. قبلتها من جبينها، كانت لنا أم، فرحت بها  وهي تناديني بأسمي الصريح نوري تعال يمه، تذكرت حفلة جعفر حسن. سالت نفسي وقلت امامي مهمة، وهي مهمة عبور ام الشهيد سلمان وزوجة رفيقي ابو سلمان الرفيق (صعصعة) الى سوريا عبر نهر دجلة الجارف في شهر ذوبان الثلوج.

ذهبنا معاً الى منطقة العبور، فوقفنا في انتظار صاحب مشحوف (بلم او شختورة). كان اسم صاحب البلم يوسف، وهو مكلف من الحكومة السورية بهذا العمل، نظرت الى ام الشهيد سلمان وأم صديقيَّ الوفيين حكمت وثائر، وهي حائرة، وفي عيونها خوف من تيار النهر حتى جاء وقت وصول بلم العبور. مسكت بيدها لأعينها على الصعود في البلم. كان البلم صغير لا يسع لأكثر من خمسة اشخاص او أقل. حاولت ان اشغلها في سوالف قديمة كي لا يكون انتباهها على  قوة جريان النهر فقد كان حقاً مخيفا.  انهيت عملية العبور وتسليمها  للنهاية وودعتها بقبلة من رأسها وتمنيت لها ان تلتقي بكل الأحبة بناتها وأولادها. تحية من القلب لكل الرفاق العاملين في مقر زاخو في ذلك الزمن.

جريدة النصير الشيوعي العدد 14 أيلول 2023