بينما سيارة الجيب تقطع  ذلك الطريق الجبلي الوعر، كانت السماء تنثر ندف ثلجها الاولى، وعجلاتها ترتج تحت الصخور وبعض الأغصان اليابسة. الضباب الكثيف حجب الرؤية بشكل كبير، ولم يعد يجدي نفعاً ما تمسحه الماسحات وكفي عن الشباك الذي بجواري. في كل منعطف أو انحدار كان يخيل إليّ بأن السيارة تمشي على عجلتين فقط، واننا  حتماً سننزل إلى الهاوية!. 

بعد مشقة ذلك  الطريق وألم المسير الطويل، وصلنا الى فصيل الضيافة في مقر (لولان) للانصار الشيوعيين، حيث استقبلنا الرفيقات والرفاق بترحاب كبير..عرفت منهنّ من كنّ معي على مقاعد الدراسة، إلاّ أنهنّ تركن كل شيء للالتحاق بالحركة الانصارية.

مكثت بضعة أيام في فصيل الضيافة ثم انتقلت الى فصيل (دراو)!، حيث الشتاء ضيف المكان ولياليه أمست طويلة، ولم يعد أمام الرفاق سوى السهر في غرفة الفصيل الكبيرة، فتجد هناك من يقرأ، ومن يلعب الشطرنج، ومن كان مشغولا بمناقشة الاحداث السياسية او الامور العامة، وربما حتى الخاصة.

الجو العام كله غريب عليّ، ولا اعرف اي احد من هؤلاء الرفاق في هذا المكان، لكن ورغم ذلك لم اشعر بالوحدة  بينهم .

في ذلك المساء البعيد اجتمعنا في قاعة الفصيل الكبيرة، حيث كنت استمع الى الاخبار الدائرة يومئذ. دخل أحد الرفاق، وما ان ألقى التحية، حتى سمعت بعضهم يناديه'' بالإداري ''!. جلس قريبا مني، وبعد فترة صمت، اقترب وسألني بصوت خفيض جدا: ''هل صحيح أنتِ خريجة تشيكوسلوفاكيا؟.

أجبته بنعم!.

في هذه اللحظة، أخفض صوته  أكثر حتى كدتُ لا اسمعه: '' اريد أن أسألك عن (فلان وفلان )''!؟.

أجبته:'' نعم اعرفهما، وأحدهما هو خطيبي ''!.

ابتسم فرحاً وهو يقول لي '' لقد اصبحتي ((كنتنا))''!.

أمضيت بضعة ايام  في ذلك الفصيل، وبعد أن تعودت على رفيقاته ورفاقه، أزفّ وقت الرحيل الى قاطع بهدينان. 

يومذاك، ونحن نحزم أمتعتنا، جاءنا (الإداري) مع بطانية جديدة قائلا لي:'' هذه هدية عرسك '' !

عندما وصلنا الى الموقع الجديد، لم احصل على البطانية (الهدية) ابداً بسبب استحواذ وطمع (الرفيقة) التي  كانت معنا.

النصير الشيوعي العدد 18 السنة الثالثة كانون الثاني 2024