مرسوخ اسمه في ذاكرة الطفولة وماتلاها... ومنقوش في ارث الذاكـرة لرفاقه الذين عايشوه ...تـردد على المسامع مرات عديدة دون ان تراه العين عن قرب لحيـن مرحلة الفتوة... اراه في الذاكـرة معلماً، ببدلته الزرقاء وربطة العـنق الحمراء... رجل مجلس وبطل اسطورة ومأثرة...

اتذكره ولا زلت حينما يغني ناظم الغزالي او اشاهد صورة لجمال عبد الناصر ولاحقاً عند النظـر لصورة ديميتروف او فلوراكيس!، ولم اجـد لحد الان تفسيرا لذلك!  .

كان معن جواد (ابو حاتم، ابو باسم) صديقا لخالي سيد مظهر الهاشمي منذ ايام التحاقهما بدار المعلمين بالحلة... لقد قصّ الخال ملاحم النضال ايام دراستهما وايام الثورة والمقاومة الشعبية، كان ابو حاتم واسع الصلات والعلاقات والمعارف والاصدقاء وابناء عـشائر واصدقاء عساكر واصدقاء اخرين من القوميات والاقليات والطوائف في مدينة الحلة. وبوصفهم لابي حاتم انسانا ًبمعنى الكلمة، فراتيا نشميا طيبا وكما يقال (ابن عرب) .

تردد الاسم على المسامع فى احداث 1963 السوداء... وفيما بعد كيف استقبل استقبال الابطال في فترة الاختفاء... لقد عمت الافراح كل المناطق المحيطة لبلدته المحاويل بمجيئه!  .

قـل بالله من ذا الذي لا يعرف أبا حاتم!؟ .

علم انت ، انت العلم

انت الاحمر العلم

انت المعلم والعلم

معـروف بمدن الفرات واريافها، مدارسها وشـوارعها ومقاهيها، بحلو الخلق والمعشر والطيبة!. التقيته وجها لوجه ايام الشبيبة والطلبة في مقر الحزب في مدينة الحلة، ومن على بعد ومن هيئته تيقنت بأن هذا الانسان الطيب هو معن جواد لا غيره، وعن قرب صدق الاحساس!، وتكرر اللقـاء بعد تخرجي من الجامعة بمحض الصدفة حيث كان مكان عملي قريبا من مقر الحزب وعلمت بأن ابا حاتم يعمل فيه، حيث جاء بطلب المساعدة لترميم المقر ببعض من اكياس الاسمنت وبطريقته الخاصة وبضحكته ونكتته وذكرياته مع الخال واصدقاء اخرين، مـرر بعض من كلمات التشيم ارغمتني بدفعي تبرعات اضافية للحزب تحت مبدأ (شيمه واخذ عباءته)، ولا سيما نحن نصنف على البرجوازية الصغيرة (من اين هذه المصائب؟! واية صغيرة هذه ايها الخال؟!) ...

وانقدته بكل سرور ونشوة... حيث كان اول راتب اتقاضاه من عملي بشركة لمقاولات البناء... كان يحسن التعامل بطيبة وبشاشة وتواضع في اوساط الناس بمختلف الاصناف والاجناس من اجل عمل الحزب وحريصا كل الحرص كحرصه على حدقات عـينيه. تراه فى كل مكان صباحا ومساء ..

نشطا يجوب المدينة، يقف مع هذا وذاك سائلا الكسبة عن اوضاعهم بحديثه الطيب وبشاشته الحلوة... وينتقد اخرين من الرفاق... تجده فى كل حارة من حارات المدينة يتفقد ويسأل ويساعد، يمد يد العون والنصيحة والارشاد فى المقهى ويزور المرضى والمعارف والاصدقاء والرفاق في المستشفى.

منحوت اسم ابي حاتم في ذاكرة المحبين والاقربين ممن عايشوه وعملوا معه، وصفوه بالطيبة، بالبشاشة، بروحه الخضراء كالريحان الطري، تصفي الاجواء وتبدد الغمامة، سمعته ذات مرة يجيد الاغنية الشجية! اي اداء! عجب طيبتك! عجب طينتك! ابو باسم!. 

ينهي عمله في مقر الحزب لوقت متأخر، والتقيه اكثر الاحيان بنفس الدرب حيث موقع عملي القريب منه واوصله الى المحاويل. وذات ليلة تحدثت معه عن المضايقات التى يتعرض لها رفاقنا من قبل المسـؤولين البعثيين وبعض الملاحظات على الجبهة... فما اجد بأبي حاتم الا وقد ردني رداً عنيفاً باننا لم نتثقف بعد بمفهوم الجبهة الوطنية واردف قائلا: يراد لدماغك غسيل ....!، انبهرت وفؤجئت برده... فقلت في نفسي اصبر ايها الخال نحن صغار في الحزب وقد تعلمنا منكم منطـق الحق والصدق... فاي جبهة هذه واي خندق واي بندق!.

شتتنا الايام وعصرتنا الغربة وضاقت بنا سبل العيش (فأسرت بنا الريح الى عدن) بجواز قديم ممزق، فانتشلتنا يد ابي حاتم، وجدته من الراعين والمتابعين لاحوال العراقيين المقيمين في هذا البلد البسيط الطيب، حيث الاعداد الغـفيرة من العراقـيين طلبة ومعلمين ومثقفين وعوائل من مختلف الشرائح والالوان... حيرة ومشاكل!؟. نراه يقدم المساعدة والمعونة هنا والعلاج والبحث عن عمل هناك... كان له دور فى تعبئة الرفاق وحثهم بالتوجه الى ارض الوطن وكردستان بالتشيم بالنخوة والاقناع، وتجسد دوره في حسن اختيار الرفاق فى المشاركة فى الـدورات العسكرية. وبهذا البعد يتذكر ابو حاتم كل مكان وكل الوجوه الطيبة التى بقيت داخل الوطن... كان موسوعة فى معرفة الناس ويسأل عن الاصدقاء فردا فردا عند اللقاء... يشدك بحديثه الشيق... تجده اخا كبيرا بل صديقا قريبا، ما اجمل الذكريات يا ابا حاتم! ما اطيبها.

ودعنا اليمن الطيب بدمعة متوجهين صوب الوطن الى كردستان، فما هي الا فترة قصيرة مضت واذا بابي حاتم بقوامه وهندامه الكردستاني متأبطاً بنـدقيته يجوب قمم الجبال، يتفقد رفاق الحزب كنصير من الانصار... كانه ابن الجبل!. وحيث كانت الاوضاع واوضاع قوات الانصار بالغة التعقيد بين خيبة املٍ وهجوم الجندرمة واحداث بشـتأشان وظروف حرب واحتلال ومحاصرة عسكرية واقتصادية وضياع وشتات. ولكن بتواجد الرفاق الطيبين وبقوة المثل، مثل الرفيق ابو حاتم وهم كثر، وهذا التواجد ضروري لمرحلة كهذه، فبدأت الاوضاع تتململ... وبدأت تتلاشى الضجرة بالامسـية، بالندوة، بالتأمل، بالوضوح، بالاصـرار، بالطيبة بدأ يدب الامل... ومن جـديد انهمكت سواعد الانصار بالتشييد والعمل... كانت فترات العصرية وشرب الشاي والامسيات وايام المناسبات والندوات من اروع الايام في جبال كردستان، فاضفى الرفاق ومنهم ابو حاتم على كل هذه اللقاءات البشاشة الطيبة وحلاوة المعشر في تلك الايام التى لا تنسى. كان رحب الصدر، شجاعا، يفوح انسانية وطيبة فراتية!  .

وضعت الحرب اوزارها، وبدأت الانفال تنث بسمومها ونيرانها على الانسان والارض والدواب، فحلت الحيرة والمصيبة، وغـربة وشتات وضياع وألم. وبالرغم من كل هذا فللشيوعيين العــراقيين اصرار وســـعي وامل. التقينا ابا حاتم بعد المحنة والمخاض الصعب وتمزق الاتحاد السوفياتي، التقيناه يعمل بدون كلل باوساط الجالية العراقية ومن مختلف الانتماءات والاتجاهات ومع اللاجئين والمشردين ومع رفاقه الانصار ايضا، كعادته بطيبته بانسانيته استطاع ان يصلح الشأن، ودبت اوضاع المنظمة الحزبية تأخذ مجراها وتعقد اجتماعاتها وتجدد صلاتها وعلاقاتها بين صفوف الجالية والمثقفين العراقيين المتواجدين بموسكو، والقيام بالنشاطات السـياسية والاجتماعية الاخرى والتي تصب في خدمة العراق والعراقيين، وقد حظى بحب واحترام الجميع. لقد واجه تلك المصاعب من بدايات الطريق بشجاعة الشيوعي العراقي متفائلا بالغد المشرق وتجلت قدرته الكبيرة فى تعبئة الرفاق على امتداد الدرب وخاصة في الفترات المظلمة. كان نشاطه محط اعتزاز واحترام وتقدير واكبار حيث تمتع بشعبية فى اوساط الفلاحين والكسبة والمعلمين، لقد خطى نحو مواقع النضال وتخطى الصعاب بقامته شــــامخا حتى الرمق الاخير من حياته مدافعا ثابتا عن الحزب، عن الوطن، عن الانسان  .

لقـد اسريت ابو حاتم بوقت ليس بوقته

لقـد غادرتنا ابو حاتم وتركت امالا اسرى

نم قرير العين ابو حاتم ، ابو باسم ، معـن جواد

لقـد عبقت بك الانسانية والطيبة  .

النصير الشيوعي العدد 18 السنة الثالثة كانون الثاني 2024