بشتاشان / مؤيد بهنام - ابو نسرين فصيل                             

في إجتماع حزبي بحضور رفيق مشرف من لتخ ( لجنة تنظيم الخارج  )، زف لنا الخبر المفجع عن مجزرة بشتاشان بعبارات موجزة ومقتضبة لكنها كانت كافية لبث الحزن والرعب في قلوبنا وارواحنا. كنت آنذاك قد انهيت للتو دراسة الاقتصاد السياسي وأعد العدة من الناحيتين العملية والنفسية للانتقال من جمهورية ألمانيا الديمقراطية إلى كردستان. تلك الليلة ذهبنا إلى بار بعد انفضاض الإجتماع الحزبي، حاولت في تلك الجلسة طمطمة المخاوف التي انبجست في داخلي مثل عقارب صغيرة واحدثت في خلايا روحي قلقا وفزعا مبهمين وعميقين رغم أن ذلك المشرف الحزبي لم يكن لديه تفاصيل كثيرة ودقيقة عن تلك المجزرة الرهيبة التي راح ضحيتها العشرات من رفاقنا الأنصار.

بعد ثلاثة شهور ونيف حزمت امتعتي وتوجهت إلى كردستان. كانت التفاصيل شحيحة لكن شبح المصير الغامض ظل يطاردني ويقلق نومي فيما رائحة الموت اللزجة الثقيلة ظلت تزكم انفي.

لاحقا عرفنا أن هناك بشتاشان اولى وبشتاشان ثانية. وسمعنا أيضا عن استشهاد رفاق لم أكن قد سمعت بأسمائهم من قبل، مثل الرفيقين ابو ليلى والدكتور عادل وغيرهم من الرفاق الذين استشهدوا في المعارك او جرت تصفيتهم غدرا باسلوب خس وجبان بعد أسرهم.

في كيشان في نهاية شهر سبتمبر من عام ١٩٨٣ حططنا الرحال في أول قاعدة انصارية داخل الوطن بعد مسيرة شاقة ومضنية إلى أقصى حد.

كانت القاعدة تكتظ بمجاميع هائلة من الأنصار. مجاميع تغادر باتجاه الشام فيما مجموعتنا تلتحق للتو لتلتحم بحركة الأنصار.

هاتان الرحلتان المتعاكستان في الإتجاه والرؤية كثفتا القلق والاضطراب النفسيين لدي ولدى العديد من الرفاق في مفرزتنا الفتية.

وكلما سمعنا أكثر عن تفاصيل المجزرتين الرهيبتين في بشتاشان كلما ازداد القلق الوجودي وكثرت الأسئلة في داخل نفسي المتعبة جدا آنذاك.

كانت رائحة الموت الكريهة وصدى الفجيعة وأنين الهزيمة مثل ضيوف ثقلاء جدا على النفس البشرية، ضيوف غير مرحب بهم قط. تلك التفاصيل السوداء المرعبة أحيانا والنتنة أحيانا أخرى عن الخيانة والغدر والموت الشنيع واخفاقات القيادات الحزبية وقصورها في فهم ومواكبة الأحداث والتطورات قبل وبعد بشتاشان الأولى مرورا بشتائان الثانية قد تركت غصة ومرارة كانتا آخر ما نحتاجه نحن الوافدون الجدد.

مع ذلك واصلنا المسير إلى العمق ما عدا رفيقان قررا العودة من حيث أتيا.

رائحة الموت اللزجة والعفنة في  تلك الأيام الصعبة، وطعم الانكسار والهزيمة ما زالا عالقين في خلايا جسدي وثنايا روحي كلما عنت ذكرى المجزرة البشرية الرهيبة تلك.

حزن قاتم وثقيل يلدغ روحي مثل أفاعي سامة. خاصة وأن الشهداء لم ينالوا بعد ما يستحقون. خاصة أن القاتل ما زال يتبجح بفعلته ويحمل الضحية أسباب الغدر والجريمة.  خاصة أن البعض آثر الصمت.

 

السلام والسكينة الآبديين على ارواح الشهداء...وتحايا من القلب والروح للرفاق والأنصار الذين عاشوا المأساة لحظة بلحظة من أولها إلى آخرها، مروا بساعات عصيبة قاسية وخطيرة فوق طاقة الاحتمال البشري بعشرات المرات، صارعوا حتمية الاقدار وانتصروا عليها بعناد وإصرار من يعشق الحياة ويجلها.

 

مؤيد بهنام/ ابو نسرين فصيل

Skickat från min Samsung Galaxy-smartphone.