الحرب والكلاب / مؤيد بهنام                                                

روى لي رفيق، قبل أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، أن الكلاب السائبة، تعودت، بعد كل معركة بين قطعات الجيشين العراقي والإيراني، النزول إلى ميدان القتال، ونهش جثث الجنود القتلى، قبل التمكن من اخلاء تلك الجثث. على قدر ما أتذكر، حدث ذلك الأمر في قاطع او جبهة خانقين كما روى لي ذلك الرفيق ذو الصوت الخفيض والبشرة داكنة السمرة والشعر الأسود الفاحم.

هذا باقتضاب شديد كل ما أتذكره مما رواه لي ذلك الرفيق الكردي إذ كان هو أيضا جنديا خاض العديد من المعارك في تلك الجبهة قبل أن ينتابه ياس طاحن وقنوط مزمن فيقرر الهرب من الجيش والالتحاق بنا في الجبل، نحن العصاة بنظر النظام الغاشم آنذاك.

رفيقي ذاك، نسيت اسمه تماما، لربما لعطب حدث في الذاكرة بسبب عوامل التعرية الزمنية التي تحدث جراء تقادم العمر واعصار الأحداث المتواصل، كانت له ميول أدبية حتى أنه وهو يسرد لى ذلك الولع المقرف للكلاب السائدة بلحم جثث الجنود الذين سقطوا قتلى في المعارك الغاشمة أكد لي انه سيجمعها في دفة كتاب يوما ما اذا قيض له النجاة والاستمرار في الحياة.

هل كتب رفيقي ذلك الكتاب لاحقا لا أعرف. اتمنى من أعماق روحي إنه قام بذلك لانه كان شاهد عيان.

وأنا شخصيا كلما تذكرت حكاياته السوداء تلك، عن الجنود وشهوة الكلاب الجامحة وولغها باللحم البشري ينتابني شعور غامض وراعد، شعور مقيت ومزعج جدا.

قررت الليلة ان أسرد تلك الحكايات التي تتعب ذاكرتي الصغيرة وتثقلها كأنها صخرة قديمة هائلة جاثمة فيها إذ تتدفق هذه الذكريات بين اونة واخرى مثل صواعق البرق المزعجة. لعلي بتدوينها سانقذ نفسي من فداحة تذكرها الموجعة مثل وخز الإبر مرة واحدة وإلى الأبد !

هل أن الكلاب السائبة هي دائما من يغتنم مهزلة الحروب الغادرة لمواصلة البقاء على حساب حيوات الملايين من البشر، الأبناء الفعليين للحزن والفجيعة !

وأنا احدق مليا في الصورة أسفل النص تذكرت أن الطاغوت، المارد السخي بحروبه وجرائمه، كان يهتف دائما متبجحا ذائبا في غروره ونرجسيته البغيضة :

 

- يا محله النصر بعون الله !

 

اي نصر؟ ومن الذي سينتصر !