مذكرات نصير .. سوء فهم بسيط جدا !/ مؤيد بهنام "ابو نسرين فصيل" 

كنت أجلس على مقطع اسطواني لجذع شجرة، حور الى مقعد بسيط للجلوس، إذ كانت توبتي الحراسية قد بدأت للتو في فصيل الحماية. كان حر تموز آخر شيء يتمناه المرء في مقر زيوه، مقر قاطع بهدينان. وإذ لم تغدر بي الذاكرة فإن الأكراد كان يطلقون على ذلك المكان الذي حولناه إلى مقر لنا " البصرة" لتشابه المناخ في الصيف بين قرية زيوة ومدينة البصرة في طغيان السخونة إلى حد يفوق التحمل والوصف، خصوصا في ساعات النهار اللزجة، الثقيلة والطويلة، حيث القمم الجبلية المتراصة بصخورها العملاقة تعكس بلا توقف سخونة الشمس اللاهبة إلى جوف المقر فتحيله جحيما متقدا طوال النهار.
فجأة ظهر الرفيق ابو شاكر*، ألقى علي تحية سريعة وواصل باتجاه غرفة مكتب القاطع. طرق الباب، تناهى إلى سمعي صوت الرفيق ابو طالب* ، عضو مكتب القاطع " أي رفيق جايك بس لحظة ".
قدر ما أتذكر كانت الساعة تقترب من الرابعة عصرا. لا حركة في المقر. سكون شامل. بعض الذبابات النشطة تحاول مهاجمتي بطريقتها الغبية المعتادة لكن المزعجة جدا. جميع الرفاق داخل القاعة يغطون في قيلولة هادئة وعميقة أو يهيمون في مجرد استرخاء شفيف.
ساحة الفصيل خالية إلا مني. بعد لحظات خرج ابو طالب من غرفة مكتب القاطع تناول سيكارة وقدم أخرى للرفيق ابو شاكر.
وبدءا يقطعان ساحة الفصيل ذهابا وايابا. ابتدءا بصوتين خفيضين لا يكادا يسمعان لكن نبرات صوتيهما سرعان ما اخذت تترتفع حتى أني بدأت اسمع كل ما يدور بينهما من نقاش حامي الوطيس تماما. سأدون هنا ما دار بينهما من حوار ساخن جدا سخونة الطقس آنذاك على قدر ما تسعفني به الذاكرة :
ابو شاكر،  بنبرة يشوبها غضب وانفعال:

-رفيق اني متفق وياكم ليش تنكرون الاتفاق !

ابو طالب، بنبرة يتخللها مضض وإنكار مطلق:

- رفيق ما كو هيجي إتفاق..هذا مجرد ادعاء من جانبك !

رأيت الرفيق ابو شاكر،  يستدير بجثته الهائلة، ماسكا سيجارته بين الأصبع الوسطي والابهام، نحو ابو طالب.. يتوقف عن المشي..ويجبر ابو طالب على التوقف أيضا.. يصرخ فيه:

- رفيق والله عيب..امرأة بسيطة..شبه أمية..ترعى طفلين ..تحملت وضحت سنوات من الضيم والقهر والمعاناة وحدها..خطية رفيق ما يصير هيجي..شنو ذنبها...

لم يتزحزح الرفيق ابو طالب قيد أنملة عن موقفه. بقي مصرا على إلا إتفاق فيما سبق قد حصل بين قيادة القاطع، أو لربما المقصود قيادة الحزب والرفيق ابو شاكر..وان ما على الرفيق أبو شاكر سوى الاذعان للامر الواقع، وانه، أي ابو طالب، ليس لديه ما يضيفه في هذا النقاش. ثم استدار، تاركا الرفيق ابو شاكر، واختفى في غرفة مكتب القاطع.

كنت احدق بامعان في سحنة الرفيق ابو شاكر. بدأ عليها حزن  واسى بالغين. اقترب مني وهو يترنح بجثته الضخمة.
قلت له مواسيا:

- الله يساعدك رفيق....

بقي صامتا. عب نفسا عميقا من سيجارته.

اردفت:
- شنو رأيك بكلاص جاي...
- والله ...الله وايدك ابو نسرين..  يا ريت...
- تدلل رفيق هاي ما كو أسهل منها...   

* قضى نحبه قبل سنوات في النرويج...كانت زوجته وألاطفال يسكنون لوحدهم في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية انذاك.

* الرفيق ابو طالب، عضو منطقية، عضو مكتب قاطع بهدينان، اكتشف الحزب لاحقا أنه كان عميلا لجهاز الأمن الصدامي، في بداية التسعينات من القرن المنصرم.

 

مؤيد بهنام/ ابو نسرين فصيل