مذكرات نصير .. حالة انسانية / مؤيد بهنام/ ابو نسرين فصيل

حالة انسانية/

ذات مساء ضرب حزن جامح روحي المنهكة وغلبتني كآبة عميقة. حاولت التمثيل، تصنع الابتسام ومجارة الرفاق في ضحكاتهم وفرحهم لكن بدا فيما بعد اني فشلت في هذا المسعى فشلا ذريعا.

إذ برفيق، وانا اغسل وجهي في ذلك المساء الشتائي البارد المكفهر، يقترب مني، رفيق طيب وحنون،،، اقترب مني دون أن استشعر بخطواته قط وخاطبني هامسا :

- شنو ابو نسرين شو حزين وكئيب اليوم.. شبيك !

وقبل أن أجيبه، أردف:

- ما يلوكلك...

طفرت فوق شفتي ابتسامة صفراء باهتة. أضاف ذلك الرفيق قائلا:

- أي هسه تمام...

في ذلك المساء الشتائي القارس البرد، اجتاحتني رغبة عارمة في الانعزال التام، رغبة عارمة في أن أكون وحدي، أن ادلف في داخلي، في محراب ذاتي وأوصد مزاليج الباب على روحي واستمتع بعزلتي ...بمفردي. غير أن مثل هذه الرغبات والتمنيات كانت شبه مستحيلة في مساء مظلم بارد وكئيب في ذلك المكان العجيب.

توجهت إلى قاعة الفصيل، فصيل الحماية، قاطع بهدينان،  كان جميع الرفاق قد سبقوني هناك. كل رفيق يجلس على مندره الاسفنجي. الصوبة متوقدة بالجمر والنار، القاعة دافئة، ولغط الرفاق ينهمر مثل مطر ناعم واحاديثهم تتدفق بلا انقطاع مثل جدول ماء، صاف رقراق وعذب....

صرخ احدهم:

- هله بأبو نسرين...تعال رفيق أستريح..انت تعبت اليوم كلش هوايه ( كان يوم خدمتي الرفاقية )...تعال اكعد اتدفه وجر نفس...

على سطح المدفأة الاسطوناي كان قوري الشاي يطلق صفيره الناعم ومن بلبوله يتدفق بخار يتصاعد نحو سقف القاعة فيما رائحة الشاي المخدر انتشر في فضاء القاعة لتضرب مناخير أنوفنا.

فجأة سأل أحد الرفاق ( كان طالبا في دورة حزبية في المقر آنذاك ):

- سامعين ب " عصبة العادلين" ؟!

قد لا يصدقني أحد منكم أن قلت أنه جرى نقاش انصاري مخضرم، في ذلك المساء، حول ما إذا كانت كلمة العادلين تنهتي بحرف النون أم بحرف الكاف بين الرفيق السائل ورفيق آخر !

استمر النقاش او بالأحرى النقاش-الدهره حتى ساعة متأخرة  من تلك الليلة، تحول فيه الأخذ والرد بين ذينيك الرفيقين لما يشبه مسرحية مترجلة، مسرحية ساخرة وكوميدية لا مثيل لها على الاطلاق، كما أظن، على وجه البسيطة....

في الأخير دهم النعاس والتعب الحمبع وانتهى النقاش الحماسي الساخر دون غالب أو مغلوب..

حينما استليقت على المندر الاسفنجي وسحبت البطانية كان التعب قد بلغ أقصى حالته فيما النعاس كان قد بلغ مني كل مبلغ.

خلدت للنوم شاعرا بسعادة شفيفة وفرح لا يضاهى...