ذكريات .... عن ايام الشباب والنضال ...  الحلقة السادسة ../ ابو زياد هاني

كانت ايامنا هادئة مريحة . شعرنا فيها بحلاوة الاعتماد على النفس وعدم الحاجة الى احد , نعمل ونتقاضى راتب جيد نصرف منه , ونبعث الاشتراك الشهري  للحزب . لم يصلنا شيء من الجزائر العاصمة , كما وعدونا , ونحن هنا في نهاية العالم  ,العربي ’ وسط الصحراء , لا نرى غير الرمال , و لا نعرف شيء عن الوضع في وطننا البعيد , ولا اخبار عن الحزب . لكن  رسالة وصلتنا من الرفاق في عين غار,اعادت لنا  توازننا وتفاؤلنا .  شعرنا  عند استلامها  والاطلاع على ما احتوته , بالسعادة  والامل .. تقول الرسالة , ان الرفيقة ام مي زوجة الرفيق  ابو مي وصلت الى الجزائر ومنها الى عين غار , وقد بعث معها الرفاق  ادبيات ونشرات من الحزب , وان وضعهم جيد في هذه البلدية البعيدة  . يدعوننا  الى زيارتهم بمناسبة عيد ميلاد الحزب في 31 اذار , والاحتفال به  سوية  سيما وان هذا اليوم  يتزامن مع  عطلة لمدة اسبوع  .. طرحنا  فكرة السفر الى عين غار  على صديقنا  الجديد كاظم  , رحب  بها  وفرح كثيرا , وعبرعن امتنانه بكثير من المديح  للثقة التي منحناها  له وشعر بالسعادة الكبيرة كما قال .. حجزنا بالطائرة الى عين صالح . استقبلنا  هناك صديقنا الجزائري  بليلة  فهو من اهل  عين صالح . ذهبنا معه الى  بيتهم . لقد بالغ  كثيرا بالاستقبال وحسن الضيافة .. ربما الشارع الرئيسي في عين صالح  هو الوحيد المعبد  , اما البقية فهي عبارة عن رمال  تزيد وتنقص حسب الطقس لكنها نظيفة ... تجولنا قليلا بالمدينة .. في اليوم التالي ركبنا  السيارة الوحيدة  المتوجه الى عين غار .. كانت كما اغلب سيارات الجزائر  رينو .. كان معنا عبد الرحمن  الموظف في تربية تمنراست  من اهالي عين غار وشخص اخر ..انطلقنا  باتجاه الغرب في صحراء  لا حدود لها . والسيارة تسيرعلى  ,لا شارع ’ وانما  على رمال  محاطة بكثبان عالية من رمال اخرى  رسمت عليها اشكال جميلة تبهر الناظر . تسير السيارة بسرعة تسابق الريح  وهي هادئة  , مستقرة ,  وكأنها تقصد المجهول ,  فليس هناك اي  دلالة تشير الى اننا نتجه الى مكان مأهول .. اقتربنا  من انتهاء الوقت الذي تستغرقه الرحلة كما اخبرنا عبد الرحمن وليس هناك ما يوحي الى اننا  سنصل .. سالت عبد الرحمن متى سنصل ..؟  ولا اثر لاي حياة في هذه الصحراء المترامية الاطراف .. اجاب  وهو يبتسم  لقد وصلنا .. دقائق ونصل  ..لم يكمل كلامة  واذا  بنا امام غابة من النخيل تحيط  بواحة كبيرة مائها ازرق أخاذ .  قال .. ها قد وصلنا . انا سانزل هنا بيتنا في هذا الجانب من الواحة , اما انتم فعليكم البقاء  فالمدرسة وسكن اصدقائكم  بالجانب الثاني . هناك الجميع يعرف .. وصلنا .. تجمع حولنا الاطفال وحتى الكبار وارشدونا الى البيت .. في الطريق وعند الباب رأينا  طفلة جميلة جدا تلعب مع اصحابها . طفلة لا تشبه الاطفال المحيطين بنا , ضحكنا وقلنا هذه مي اذن  , الان تاكد وصولنا ..استقبلنا الرفاق وكان لقاء حميم مليء بالمشاعر الجميلة , وقد بان الفرح على محياهم وهم يستقبلوننا , كانوا سعداء جدا ونحن ايضا .. تعرفنا على الرفيقة ام مي .... قدموا لنا  البريد الحزبي , قبل الطعام  فهو الاهم كما  بدا لنا وذلك  من خلال الاهتمام الزائد بتصفحه وقرائته  ... اطلع  صديقنا كاظم عليه ايضا  فليس به  ما هو خاص بالاعضاء  وانما اغلبه بيانات واخبار .. بعدها بدأت مرحلة الاكل والشرب  والاحاديث الرفاقية الحميمة .. شربنا حتى سكرنا  واكلنا  حتى الشبع , فالاكل عراقي من يد العزيزة ام مي  , تخللت السهرة اغاني  جميلة  للحزب والوطن .. كان اسبوع لا يشبهه اي اسبوع اخر , كان مهرجان , احتفلنا  به  بميلاد الحزب  , عشنا ايامه بفرح وبهجة ورفقة عالية المستوى , ساد ايامه الحب والود والوئام . كان الحزب بيننا ومعنا , والوطن بوجداننا , بالرغم من الاف الاميال التي  تفصلنا  عنه فقد كان حاضرا كل الوقت ...كنا نتغنى به يغمرنا الشوق والحنين اليه ونطمن النفس من اننا سنعود اليه يوما  رافعين رايات النصر....!  ننعم بخيراته  ونعيش به بقية ايام العمر .

انتهى الاسبوع سريعا كغمضة عين . علينا العودة الى تمنراست والعمل من جديد . كان الوداع مؤلم  . فقد تعودنا على بعضنا . سافرنا  بنفس السيارة الى عين صالح ومنها الى تمنراست . فقد استقبلنا  الصديق بليلة وبتنا في بيته  ليلة  ومنها الى  تمنراست ....

كان  الحظ حليفنا حقا ... لاننا نعيش في مدينة كبيرة نسبيا فهي مركز الولاية , فيها  الكثير من الناس والسواح , والكثير من مرافق الحياة  من مطاعم  وفنادق  , وخاصة الفندق الذي نرتاده نشرب به وناكل , ونرى الجميلات من الاوربيات السائحات ..  بالرغم من ان  عين غار بلدية صغيرة ونائية  لكن متاجرها  يتوفر بها كل شيء من طعام ومستلزمات الحياة الاخرى  , الا ان مائها مالح (مج )  لم اشربه طيلة فترة وجودي هناك فهو من بئر في وسط الدار. ماءه  يستعمل للطبخ والشرب والغسل وكل شيء ..هم تعودوا عليه  , حتى ان مي لم تقبل الماء العادي عندما كانوا في الجزائر العاصمة واعتبرته غريب ولم تشربه ....!  ... يتبع...