ذكريات .... عن ايام الشباب والنضال...الحلقة الخامسة../ ابو زياد هاني

في الصباح الباكر من يوم  17 شباط  1979  انطلقنا  الى المطار  انا والرفيق  ابو مي ( ابو حازم ) التقينا هناك الرفاق  سعد وصاحب  وكذلك الشهيد ابو سعيد  .. كان معظم ركاب الطائرة سواح من الاوربيين ,  ولا تخلو طبعا  من جزائرين , منهم طوارق  بزيهم الازرق ( الرجل الازرق ) هكذا كانوا يسمونهم ...بعد حوالي  ساعة من الوقت , هبطت الطائرة في ورقلة .. ودعنا  الشهيد ابو سعيد ومضى ..نزل ناس وركب اخرون .. اقلعت  ثم هبطت في مدينة اخرى لا اتذكر اسمها .. فالطائرة  تهبط  بها مرة  واحدة  بالاسبوع .. لكنها  لم تقلع . بقيت الطائرة جاثمة على ارض المطار .. طال الانتظار ولم يسمحوا لنا بالنزول  , الوقت طال  , والحر شديد .. اعترض الركاب , وارادوا ان يعرفوا  سبب بقائنا بالطائرة  كل هذا الوقت , وبهذا الحر القاتل , ولا نعرف ماهو السبب .. في الاخير سمحوا لنا بالنزول وطائرة على مدرج المطار هناك  بعيد ا عن المقصورة وهذا يعني  سننتظر تحت الشمس فليس هناك ما نستظل به . بقينا هناك وقت طويل دون ان يبلغونا السبب .. بعد ذلك  قالوا الطائرة سوف ترجع الى الجزائر العاصمة .. لا يمكننا ان نطير الى تمنراست  وذلك بسبب عاصفة رملية تضرب المنطقة تحجب الرؤية .. غدا  سنعيد الكرّة  بنفس الوقت .. عادت الطائرة  . كان الطقس في العاصمة  سيء  هو الاخر , ولكن كان شديد المطر . اين نذهب  ؟ قال ابو حازم نذهب الى فندق  كنت اقيم به سابقا  . اظن انهم سيساعدونا  ونحصل على مكان ننام به ..فعلاقتي معهم جيدة .. فعلا حصلنا على غرفة بسرير واحد بعد رفض كان لرفع الاجر ..اليوم التالي  كان الطقس افضل . ولم تواجهنا اي مشاكل .. وصلنا  الى تمنراست  مرورا  بمدينة عين صالح .. استغرقت الرحلة  اربع  ساعات طيران .. كان لدى مديرية التربية علم بوصولنا  .. استقبلونا  بشكل جيد ,  اسكنونا بغرفة اعدت لنا في القسم الداخلي لاطفال الطوارق البدو . التقينا  بالمسؤول هناك ودلنا  على مكان اقامتنا الموقت  وكذلك المطعم .. كان المكان  لاباس به نظيف واسع ومريح والطعام جيد , فهو من طعام  الاطفال .. بعد العشاء ونحن بالغرقة طرق الباب ,, كان كاظم ,, كاظم  شاب من البصرة , مدرس جغرافية بالثانوية . عقد خاص . عندما سمع  بوجودنا وعرف اين نقيم جاء على دراجته مسرعا , فهو مشتاق ليلتقي ناس من وطنه .. هذا ما قاله وهو عند الباب .. قدم نفسه لنا وعرفنا علية ونحن كذلك .. هو هنا من حوالي عام واحد . ترك العراق  قبل  اكثر من عام .. لم يكن عضو بالحزب لكنه كان عضو باتحاد الطلبة  , وقريب جدا من الحزب . وقد ذكر بعض اسماء لرفاق  درسوا في البصرة  كنت  قد تعرفت على بعضهم  بالعسكرية .. هو منا اذن لاخوف منه ولا خشية  ..في اليوم التالي وعند لقائنا  بمدير المدرسة والمسؤولين اخبرونا  انهم بحاجة  هنا الى معلمين اثنين فقط , وسيكون الاخران في مدرسة  اخرى في بلدية  عين غار التابعة  الى دائرة عين صالح . عين صالح  تبعد عنا  ,, اكثر من ساعة بالطائرة .. بعد يوم ودعنا  الرفاق  ابو حازم وصاحب الى عين غار .. بعد ذلك انتقلنا  انا وسعد الى غرفة في القسم الداخلي  لتلاميذ المتوسطة  في نفس بناية المدرسة .  هو مدرس , سعد ’ للتنشيط الفني فهو فنان وانا للتنشيط الرياضي . نلتقي  بصديقنا الجديد كاظم كل يوم.. نذهب الى  فندق المدينة , فيه مطعم و  بار, ناكل ونشرب البيرة , ونلتقي بالناس ونتعرف عليهم .. كانت حياتنا عادية كأي حياة , ولكن الغريب بالنسبة لنا , هو طباع الناس الطوارق هناك  , طريقة عيشهم  وملبسهم  , لغتهم وعاداتهم .. علاقاتهم مع الاخرين من غيرهم  . كانت علاقتنا طيبة بالطلبة وخاصة بكبار السن منهم .. كانوا  يقيمون لنا عزائم في بيوتهم وناكل من اكلهم , فقد تعودنا على اكل  الكسكس الذيذ وعرفنا طقوس تناوله وتقديمه .. شيء غريب اخر وجدناه في بيوتهم , هو انهم يفرشون الرمال الذهبية  في ارض بيوتهم ,في الغرف ’ ويستبدلوها بين فترة واخرى .. هناك عدد من المدرسين المصريين  والفلسطينين .... كانت علاقتنا طيبة مع الفلسطينيين بشكل خاص , منهم من الجبهة الشعبية وفتح ...احتفلنا معهم بمناسبة فلسطينية  .. اكلنا وشربنا  وتحدثنا  بالسياسة .. اما الطقس  فهو غريب ايضا  , بارد في الظل  وحار تحت الشمس  . فضلا عن العواصف الرملية  التي تضرب المدينة بين فترة واخرى ..ولهذا ترى الطوارق  يلفون رؤوسهم بقماش ازرق ويضعون النقاب ولا تظهر منهم غير العيون . كلما كبرت العمامة على راس الرجل  , كلما  ازداد جمال وجاذبية , هيبة ومكانة اجتماعية   .. ولا ننسى المطر ... فالمطر ينزل بغزارة  لا مثيل لها , محدثا سيول تجرف بطريقها كل شيء لقوتها وكثرة مياهها ووفرتها و بوقت قليل .. وقد كنت شاهد على واحدة  .. في احد الايام وبعد انتهاء المدرسة اقترح كاظم علينا ان نذهب الى بيته  ونطبخ طعام عراقي ونعزم زميليه ,, زكزك وبليلة ’’ .. بيته يقع بالحي الجديد على مسافة 500 متر عن المدرسة ويعتبر بضواحي المدينة . ونحن بالطريق الى هناك سقطت قطرات قليلة من المطر ,, صاح بنا كاظم ,  اركضوا  ...!  خلال دقائق كنا في البيت .. لم يمضي وقت طويل فهو لم يتعدى خلع الاخذية حتى صاح زكزك من غرفته , افتحوا النافذة وشاهدوا .. فتحنا نافذة المطبخ و كانت المفاجئة  المدهشة كان  نهر حقيقي يجري سريعا  في الشارع الخلفي للبيت .. كيف نعود الى بيتنا ؟ قالوا  حتى  ينضج  الطبيخ  يكون النهر  اختفى ........ يتبع...