ذكريات .... عن ايام الشباب والنضال ...  الحلقة العاشرة .. / ابو زياد هاني

في صباح اليوم التالي خرجنا انا وصديقي كاظم  بجولة في مدينة طنجة الجميلة  .. كان كاظم  البارحة , ونحن نشرب الويسكي يتحدث عن خير الله طلفاح  , كيف التقى به بصحبة خاله ؟ وكيف تكلم معه بامور عديدة ؟  وكيف استمع له طلفاح ؟  تحدث عنه باسهاب وكانه  موضوع البحث  . انتقده وامتدحة  بنفس الوقت , شتمه وترحم على امواته  .. كان حديثة كل الوقت  يؤكد انه بعثي , لكنه في الوقت نفسه  ينتقد سياسة البعث , وانفراده بالسلطة .. بشكل عام كانت سهرة جميلة صداقية , ولم يبدر من كاظم ما يسيء للحزب , لكنه لم يتعاطف مع حزبنا . في اليوم التالي ذهبنا الى مكتب سفريات وحجزت بالباخرة الى الجزيرة الخضراء في اسبانيا والتي تقع بالجانب الاخر من المضيق المقابل الى طنجة , سيكون العبور بعد الظهر .  بعد الغداء  رافقني كاظم الى الميناء وانتظر حتى غادرت الباخرة , ملوحا بيده مودعا ..مع المئات من المودعين .. كانت هذه اول مرة يودعني بها احد ,, مودع ’’ , وقد انتابني شعور غريب حينها , وهو يبتعد , بالرغم من انني تعرفت عليه من يومين ,اشعر وكأني افقد شيء تعودت عليه . من يومها وانا اكره التوديع واحاول الابتعاد عنه . فقد تعرفت خلال حياتي الطويلة على الكثير من الناس , عشت معهم . بعضهم لفترات قصيرة والبعض الاخرلسنوات , وبعد الفراق  لم نلتق ابدا , وهذا يحزنني كثيرا , واتالم وانا استذكره ..... كانت  السفر بالباخرة  جميل لكنه مخيف ..!  رأيت  فيها لاول مرة  وانا انظر الى البحر مع المسافرين الاخرين , حيوانات الدلفين وهي  في سباق مع الباخرة , استمر هذا طويلا حتى بلغنا الميناء ... كانت الساعة التاسعة مساء والنهار لازال والشمس  مشرقة . هذا شيء غريب اخر لم يصادفني من قبل .. !

اغلب ركاب الباخرة كان هدفهم مدريد , وانا ايضا .. ركبت القطار مع الجموع .., بعد ساعة عم الهدوء  , وقلة الحركة ونام الناس , فالرحلة طويلة والقطار مسرع , تتخللها محطات يتوقف بها القطار, لاوقات قصيرة ثم يعاود المسير ...في الصباح  , وانا في مدريد توجهت الى وسط المدينة  حيث الفنادق  والمطاعم والاسواق .. واجهتني مشكلة كبيرة فاغلب الناس هنا لا يتكلمون الا الاسبانية .. دخلت اول فندق صادفني وحجزت به لليلة واحدة على امل ان اجد ارخص منه .. خرجت لارى معالم المدينة وهي عاصمة يقطنها  ملايين من الناس .. هل حقا استطيع ان اتجول  بهذه المدينة العملاقة واستمتع  ؟ وصلت الى استنتاج انني لا استطيع ذلك ..! واول شيء خطر على بالي هو ,, ان اتصل بالاخت  باسمة الراهبة , لعلي التقي بشقيقها  الرفيق ابو حازم ( سالم القوشي ) ليخرجني من هذه الورطة .. فقد شعرت بالعجز وقلة الحيلة , لقلة الخبرة  .. عدت مسرعا الى الفندق .. كيف يمكن ان يفهم صاحب الفندق طلبي ؟ سالته ان كان يتكلم الانجليزية .. اجاب بالنفي ..! , عند ذاك تحررت و بدات اتحدث معة  بخليط من ما اعرفه من لغات . فهم عليّ جدا ...! باختصار قلت له ان يتصل بهذا الرقم ويسال عن باسمة  ... اتصل .. تحدث مع شخص ما .. وبعد انتظار قصير... اعطاني التليفون . بالجانب الثاني صوت نسائي ناعم مالوف بلغة مفهومة اعادت لي ثقتي بنفسي وفرحت كثيرا .. بعد السلام .. عرفتها على نفسي وسالت عن سالم .. ترددت قليلا , لكني طمنتها وشرحت لها كل شيء .. كانت خائفة .. قلت لها انا لا اعرفه ولكني حصلت على هذا الرقم من اصدقائه  .. بعد ان تاكدت .. قالت انا  اعيش في دير ليس قريب من مدريد ومن الصعب عليّ اللقاء معك . كما ان ابو حازم ليس هنا فهو يعيش في مدينة بعيدة اسمها   ,, ملاقا ’’ .. هذا رقم تليفون المكان الذي يعيش به , اطلبه تجده ..! ودعتها , وانتهت المكالمة .. طلبت من الرجل صاحب الفندق ان يتصل بهذا الرقم ويسال عن سالم .. فهم عليّ هذه المرة بسهولة واتصل ....تحدث بالاسبانية طبعا وكتب رقم جديد وانهى المكالمة .. فهمت منه ان سالم  يقيم في مكان اخر... اتصل ..!  تحدث قليلا  وانهى المكالمة  دون ان يكتب هذه المرة .. فهمت منه بسهولة ... المكان صحيح ولكن سالم لم يتواجد فيه بالوقت الحاضر , علينا الاتصال به بعد ساعة .... خبر مفرح .. خرجت , تجولت لمدة ساعة بجوار الفندق وعدت . لم اجد الرجل فقد ذهب الى بيته . وحل  محله  ابنه الشاب . طلبت منه ان يتصل بالرقم ,  بعد ان شرحت له كل ما دار مع  والده  ومحاولاته الاتصال  بصديقي .. فهم الشاب بسرعة بالرغم من انه لا يتكلم الا الاسبانية .. اتصل .. تحدث قليلا ثم سلمني السماعة .. كان ابو حازم ..تحدثنا ...  ومن حديثه فهمت ان لديه خبر بالامر  , اتضح لاحقا ان الاخت باسمة اتصلت به واخبرته .. سالني عن سبب وجودي في مدريد وما هو هدفي من ذلك .. قلت انا سائح .. ليس لدي اي هدف اخر  .. قال السياحة هنا في المدينة التي اعيش بها ,,ملاقا ’’ وليس بمدريد .. تعال وستجد ما يعجبك . كيف يمكن ذلك ؟ قال  هناك قطار يخرج الساعة  التاسعة صباحا من مدريد الى ملاقا , ستصل قبل المغرب بقليل , سانتظرك بالمحطة .... كيف يمكن ان اتعرف عليك وسط الاعداد الكبيرة من الناس هناك ؟  قال .. ستكون بصحبتي  راهبة .. طويلة , شابة , تلبس ملابس سوداء , وفي رقبتها يتدلى صليب فضي كبير ..قلت هذه مواصفات كل الراهبات  .. قال لا .. فهم انواع .. ! سترى ذلك وتتعرف علينا بدون مشاكل .. قلت وهو كذلك  الى اللقاء .... يتبع ..