كانت ... قصة شهرين من حياتي  ..!19 / هاني ابو زياد     

14 اب – 14 تشرين اول 1988...19                                   

اليوم  23 ايلول  1988 .... وصلت المفرزة الى الحدود  .. سنترك  الوطن بعد قليل  ونغادر اراضيه لا احد يعرف كم سيطول البعاد  ؟ هل بالامكان العودة من جديد ؟ ولكن  كيف ولماذا ؟؟  انتشر الرفاق .. فنحن مازلنا بالاراضي العراقية  ومعرضين الى اي حدث  طارئ .. لكن على قيادة المفرزة ان تؤمن  عودة الرفيقين الى كارة  ,, فالهدف من مرافقتنا  للسرية الخامسة هو هذا  .. اجتمع رفاق قيادة المفرزة .. حيدر ,حميد و سردار مع الرفيق ابو عمشة ونحن  ابو سامان  منار وانا  ..تحدث الرفيق ابو عمشة موجها كلامه الى الرفيقين منار وابو سامان , قائلا  نحن رافقنا السرية الخامسة من اجل ان نفتح طريق نسحب  به رفاقنا من كارة . وقد كلفتكم  قيادة الفوج بذلك  .. جهزوا انفسكم لتعودوا مع حلول المساء  ... رفض ابو سامان الامر , قبل ان يكمل الرفيق ابو عمشة , وقال انا لا اعود !.. لكنك لم تعترض على القرار عندما كلفتك القيادة  بهذه المهمة ونحن في كارة , ربما كنا ناتي بغيرك  !..القرار واضح وانت وافقت عليه , عليك تنفيذه .. لا اعود ابدا  !.. تحدث الاخرون بنفس المعنى لكنه اصرعلى  ان لا يعود . قال ان لديه ( بواسير ) غضب الجميع منه  ولكن دون جدوى .. في هذه الاثناء رفض  منار ايضا وقال  وانا لا اعود ايضا .. لماذا انا ....؟. كيف هذا ؟ اليس هذا كان مقترحك انت ومخلص الى الرفيق ابو سالار ؟ ..تعقد الامر واصبح حله معهم  صعب  جرت جولة ثانية من الاقناع  لابو سامان لكنه اصر على موقفه .. انا كنت ساكت كل الوقت على مضض حتى كرهت السكوت و اساليب الاقناع  والتوسل فقد كانت طريقة رفض ابو سامان مستفزة  وتغيظ .. .. كان موقفه بائسا و اقل ما يقال عنه , انه  يفتقر الى الشعورالعالي بالمسؤولية .... قلت انا ارجع ,, بعد ان ياست  من  ان  احدا  يقوم  بهذه  المهمة ’’    ويرافقني اخر , قال الرفيق ابو عمشة انا معك  , كيف وانت مريض يارفيق ؟ نسال الرفيق حميد  قال انا لا استطيع  والعائلة في تركيا لوحدها ,, سبب مقنع !.. ابحثوا عن اخر غير الرفيق ابو عمشة  , سأل رفيق اخر قال انه مريض  .. عندها  تراجع الرفيق منار عن موقفه وقال وهو لازال غاضبا , انا  ساذهب مع ابو زياد  ولكن انا اعرف كيف ساتكلم مع القيادة هناك ولا اعود الى هنا . قالوا لاباس اعمل الذي تراه , المهم ان  تذهب مع ابو زياد .. فرحت  بقبول منار العودة معي .. فمنار شاب نشط وشجاع ويعتمد عليه , وقد كان كذلك ’ . طلبت من ابو سامان بشكل مباشر امام الجميع وقلت .. هات بندقيتك ,, النص اخمس ’’ هات  الزمزمية  , هات مالديك من خبز وحليب .. كنت اقصد كل هذا ,, كان بحوزته  بندقية جديدة نظيفة وجميلة ( كشخة ) حتى المخازن كانت من النوع الاحمر (الباغة ) الخفيفة .. فقد كان ,,هو’’  بالقاطع ويمكنه الحصول  على كل هذا من رفاق الطريق !!,, اما بندقيتي فهي قديمة صنعت بنفس عام  ميلادي  ثقيلة بعض الشيء لكنها  نظيفة جدا ومرغوبة ويحبها اهالى المنطقة فهي بينج بسمار( خمس مسامير ) اصلي فعالة ومجربة , رافقتني سنوات طويلة احبها واعتز بها ولكني مجبر على تركها فهي ثقيلة , وسوف تدفن بكل الاحوال  ولا احب  ان اكون  , انا ’من يدفنها  ... بعد ان أمن الرفاق هذه المهمة قرروا النزول الى الحدود فهي في الاسفل عند الزاب واخر نقطة هى نقطة دخوله الى الاراضي العراقية .. كتب الرفيق ابو عمشة رسالة الى القيادة .  كما اتفقنا على ان يتركوا رسالة يضعوها تحت هذه الصخرة  فيها  توجيهات لما سنفعله عند عودتنا مع الاخرين الى هنا  .  وان لا ناتي باسلحة شخصية كثيرة وانما تدفن في كارة  . ودعناهم ونزلوا  ولم يبقى غيرنا  انا ومنار ..  قلت يجب ان نجد مكان مناسب ننام فيه فامامنا طريق طويل ... عند المغرب وقبل ان نتحرك تحدثت مع منار ,, وهو لازال يتذكرالحديث ’’ . قلت نحن اثنان فقط الان يمكننا  التخلص من اكبر جيش لو تعرض لنا . كما انني اعرف المنطقة بشكل جيد جدا واستطيع ان اسلك طرق اخرى غير تلك التي سلكناها  فكن مطمان من هذه الناحية .. مهمتنا نبيلة وسيذكرها التاريخ  ويتذكرنا , المطلوب هو ان نتحمل بعضنا , فلو غضبت انا لسبب ما . يجب ان تتحملني وتمتص غضبي والعكس صحيح  بغير هذا لا نستطيع ان ننفذ المهمة . يجب ان ننقذ رفاقنا المحاصرين  في كارة .... انتظرنا  حلول الظلام  فهناك ربايا  على القمم المحيطة بناحية كاني ماسي  تشرف على المنطقة قبل النزول الى الوادي  ..انطلقنا سريعا وكلنا نشاط وحيوية بعد ان اكلنا جيدا ونمنا .. كنا نسير بسرعة وكاننا نجري ... الطقس جميل والهدوء يعم المكان ونحن نسير بصمت , اخذنا سكون الليل الى عالم  اخر وسرحنا  بافكارنا , ذهبنا بعيدا الى ايام عشناها كانت مليئة بالامال والطموحات , كنا نحلم  بغد مشرق وضاء ,, تذكرنا مواقف كانت لنا فيها ماثر وبطولات يشهد لها جميع من كنا نعيش معهم . تذكرنا ناس فارقناهم احبونا واحببناهم  ربما لا نلتقي معهم  ابدا  منهم رفاق ومنهم اصحاب واصدقاء , قرى  و اماكن  لنا فيها ذكريات وطن سنغادره ربما الى وقت طويل ....... قطع علينا السكون هذا  وصولنا الى الشارع الترابي  استطلعنا وعبرنا من نفس النفق . لقد قطعنا مسافة كبيرة  بوقت قياسي . قلت نستمر لعلنا نصل الى سة ر عمادية  عند الفجر .. فعلا وصلنا كما خططنا  وقضينا  يوم 24 ايلول  1988 هناك .. نام منار جيدا وانا احرس من مكاني ايقظته و حاولت النوم .. كل شيء هاديء هنا .. عند المغرب  انطلقنا . صعدنا قمة سةر عمادية ونزلنا الجهة الثانية . تجنبنا المرور بعين الماء , تجمعات الجنود مازالت  بمكانها . واصلنا المسير والنزول  حتى عين ماء زوم سكير  .. تزودنا بالماء وواصنا المسير بهمة  . عبرنا  الشارع العام من معبر سكير  ونزلنا الى صبنة بدون توقف  ثم صعدنا  وبلغنا  كاني خو ( العين المالحة ) فجر يوم 25 ايلول 1988 . هناك تزودنا  بالماء فهي اخر عين الى الغد  . كان معي كيس نايلون فكرت ان  املءه ايضا , اكتشفت ان  ثقوب كثيرة فيه من اسفله , لم أيأس ربطت جزءه الاسفل على شكل عقدة ووضعت فيه ماء وحملته بيدي بحذر شديد وحميته  من اغصان الاشجار حتى بلغنا مكان الاختفاء شرق اسبندار خلفو . خبزت به  28 قرص من  ( ناوسيري ) , طبخنا واكلنا جيدا فالارزاق متوفرة هنا ..وفي المساء قبل الحركة جمعنا كل مالدينا من  ( جريكانات ) وكان عددها 12  ربطناهم بحبل وحملناهم معنا الى عين الماء عند بيت سيدو سعيد واخوه  واخفيناهم  بين الاشجار . واصلنا المسيرحتى وصلنا قرى  دةرش  ورزوك  صعدنا بري كاره و مررنا بقرية بليط , بعدها  قمة كارة العظيم وبلغنا مكان اللقاء المتفق عليه  صباح يوم 26 ايلول 1988  ...يتبع