وفاء لرفيق النضال، الشهيد احمد عبد الأمير مرتضى / فائز الحيدر

اطلعت هذا اليوم الثامن من ديسمبر/ 2018 على فلم نقل رفاة رفيقنا الشهيد احمد عبد الأمير مرتضى / ابو سلام احد الشهداء الأنصار الذي استشهد في مجزرة بشتآشان يوم 2 / 5 / 1983 الى مقبرة شهداء الحزب الشيوعي العراقي في اربيل وهي خطوة جيدة، نتمنى من رابطة الأنصار وبالتعاون مع الجهات ذات العلاقة مواصلة هذه الجهود لمعرفة اماكن قبور شهدائنا ونقل رفاتهم أيضا"....انها مهمة صعبة ولكن ارواح رفاقنا ستبقى تنظر لنا.

وهنا اعيد ما كتبته قبل سنتين حول نفس الموضوع.....

إلتقيتهُ صدفة على فنجان من القهوة في كافتريا أحد المولات، يوناني الأصل، ناهز السبعين عاما"، ذو شعر ابيض لماع، نقشت السنين الصعبة التي مر بها تجاعيد واضحة على قسمات وجهه الأبيض، على معرفة وأطلاع بتأريخ العـراق وحضارته أكثر مما يعـرفه العراقيين أنفسهم، سـاهم في حرب الأنصار اليونانية ضد الأحتلال الألماني لليونان خلال الحرب العالمية الثانية والتي امتدت من عام 1942 ــ 1944، قتل معظم أفراد عائلته في تلك الحرب. في تلك الفترة ظهرت جماعات مسلحة مقاومة للأحتلال ذات انتماءات سياسية مختلفة وكانت أهم الجماعات السائدة هي جبهة التحرير الوطني اليسارية وفرعها العسكري المسمى ( جيش التحرير الشعبي اليوناني) التي كانت تحت سيطرة الحزب الشيوعي اليوناني وكان صاحبي هذا احد اعضاء ذلك الجيش.

توطدت العلاقة بيننا وعادة ما كنا نلتقي لشرب فنجان من القهوة كل نهاية الأسبوع لنتبادل آخر الأخباروما يحدث من مستجدات على الساحة الدولية، ويجرنا الحديث عن وضع العراق وما وصل أليه الآن من مآسي، ويذرف الحسرات على بلد الحضارات وكيف أصبح الآن .... بلد تسوده الفوضى والصراعات السياسية والطائفية والقومية، وخلال الحديث وعندما علم بإنضمامي لفصائل الأنصار الشيوعيين المقاتلة ضد نظام صدام حسين الدكتاتوري في الثمانينات من القرن الماضي أطمئن لي وأحس إن هناك شيئا" مشتركا" يربطنا ساعد على توطيد علاقات الصداقة بيننا وكشف بعض اسرار حياته الشخصية.

قال لي في احدى الجلسات وبعد شرود لعدة ثوان، لديّ أمنية أود تحقيقها قبل أن أغادر هذه الدنيا لكي أكون مرتاح الضمير، لم يفصح لي عن ماهية أمنيته رغم ألحاحي عليه، وفجأة غاب عني أسابيع عدة، راودتني كثير من الهواجس فليس من عادته أن يغيب عني كل هذه الفترة، حاولت تعقب أخباره من يعرفه من الأصدقاء دون جدوى.

ثم ألتقينا من جديد قائلاً.... أين كنت يا رجل ؟؟ لقد قلقت عليك كثيرا".

أبتسم لي قائلا"، كنت في مهمة حققت فيها أمنيتي التي أخبرتك عنها والتي لازمتني طيلة أكثر من خمسين سنة وأخذ يسرد لي قصته....

في معركة دارت بين مفرزة من المقاومة اليونانية اليسارية والقوات الألمانية المحتلة لأرض وطني اليونان أستشهد فيها صديقي ورفيقي وابن قريتي ( زوربا ) دون أن تعلم عائلته بالأمر مما أضطرني ورفاق المفرزة الى دفنه على حافة جبل معروف وفي مكان ذو علامات بارزة غير قابلة للنسيان والأندثار.

توالت المعارك والسنين حتى أندحار ألمانيا النازية ونهاية الحرب العالمية الثانية حيث أجبرتني الظروف الصعبة الى الهجرة وحيدا" الى كندا في بداية الخمسينات، وطيلة السنين التي مرت وأنا في كندا لم أنسى يوماً صديقي ( زوربا ) الذي يتوقع أهله عودته في كل يوم وكانت أمنيتي أن أبلغ عائلة ( زوربا ) بأستشاد أبنهم وأشاركهم حزنهم ونقل رفاته الى القرية..

سافرت الى وطني اليونان خصيصا" لهذا الغرض النبيل، في بادئ الأمر برفقة بعض الأصدقاء وذهبت الى قبر رفيقي وتأكدت منه ووضعت أكليل من الزهور عليه ثم ذهبت الى قريتي التي عشت فيها طفولتي وصباي، وجدت كل شئ قد تغيربعد خمسين عاما"، القرية قد توسعت وفتحت بها شوارع حديثة وبنايات جديدة، أزيلت الأحياء القديمة وظهرت أحياء جميلة حديثة الطراز وأدخل أليها الكهرباء، جيل كامل أنقرض وظهر جيل جديد آخر من الشباب لا يعرف شيئا" عن ماضي القرية وأبطالها المناضلين الذين أستشهدوا دفاعا" عن الوطن وحريته.

بقيت حيرتي موزعة لا أعرف ماذا أفعل وكيف أصل الى عائلة رفيقي زوربا، وبعد تحقيق طويل مع بلدية القرية والشرطة المحلية وسكان القرية تم الأهتداء الى مختار القرية والأكبر سنا" فيها من الرجال الأحياء الذي أخبرني بأنه لم يبقى من عائلة ( زوربا ) غير أخته الصغرى وهي أمرأة عجوز تسكن عند أطراف القرية.

توجهت لبيتها وطرقت الباب وأطلت عليّ أمرأة تجاوزت الستين من عمرها وبعد التحية سألتها.

ـــ هل انتِ أخت زوربا ؟؟ مقدماً لها باقة من الورد.

ـــ نعم .... ومن أنت ؟ هل تعرف عنه أي شئ؟ متى يعود ؟ هل تزوج أم لا ؟؟

ـــ أنا ( خيروس )....جاركم وصديق الطفولة والشباب مع ( زوربا ) فهل تذكريني؟

وبعد عدة دقائق من الذهول تذكرتني وحضنتي وهي تذرف الدموع ودعتني للدخول، وعلى قدح من الشاي شرحت لها قصة بطولة وأستشهاد رفيقي ( زوربا ) وفي أي مكان دفن، وأنه جاء من كندا لغرض نقل رفاته الى مقبرة القرية وليحقق أمنيته على حسابه الخاص لكي يعرف أهل القرية شبابها الأبطال الذين ضحوا بحياتهم ضد الأحتلال وفي سبيل حرية وأستقلال الوطن.

تم التعاون بيني وبلدية القرية لعمل ضريح مناسبا" لشهداء المقاومة يتوسطه رفاة رفيقي ( زوربا ) وأصبح هذا الضريح مزارا" لكل أهل القرية والوافدين لها وبذلك حققت ما لم يحققه الآخرين تجاه رفاقهم الشهداء رفاق النضال.

والآن عدت الى كندا بعد أن أتممت ما كنت أحلم به وأنا مرتاح الضمير ....

ذكرني هذا الوفاء بكثير من الأحداث التي نواجهها الآن نحن الأنصار الشيوعيين العراقيين... وأكيد ان الكثير منا ما زال يحمل نكران الذات والمحبة والوفاء والأخلاص لرفاقهم الأنصار الشهداء الذين ضحوا بحياتهم من اجل الشعب والوطن، وكم أعطينا من الشهداء في معاركنا ....

ولكن يبقى السؤال هل قدمنا لرفاقنا الشهداء الوفاء كما قدم ( خيروس ) لرفيقه، وهل زرنا قبور رفاقنا الشهداء الأنصار ووضعنا باقات الورد على قبورهم في اماكن تواجدنا ؟ وهل بحثنا عن قبور شهداءنا الذين استشهدوا في المعارك وتركوا في ساحة المعركة ولم نستطع اخلائهم؟ وهل زرنا عوائلهم في المناسبات وخاصة يوم الشهيد الشيوعي مع باقة من الورد؟ وهل طالبنا بحقوقهم ؟ وهل كتبنا عن سيرة حياتهم في كتاب للجيل الجديد تمجيداً لذكراهم؟ ووووو......

 

أليس هذا ما نحتاجه ونفكر به اليوم وأكثر من أي وقت مضى .... هل من مستجيب !!!!!

 

كنـــدا

8 / 12 / 2018