من الذاكــرة أيام صعبـة بإتجـاه الوطـن 9 / فائز الحيدر  

الفصل التاسع
التوجه الى فصيل سبندارة


عندما كثف الطيران من طلعاته الجوية وأستمرار القصف المدفعي لقاطع بهدينان والذي أعتبر ساقط عسكريا" اتخذت قيادة الحزب ومكتب القاطع قرارا"  بتخفيف مقر القاطع من العوائل وكبار السن والأنصار الذين يعانون من مشاكل صحية وإرسالهم الى المواقع الخلفية الأكثر أمنا".

في بداية شهر كانون الثاني / 1986 بلغنا من قبل مكتب القاطع لغرض الأستعداد والتهيأ للتوجه الى فصيل سبندارة أو ما يسمى أحيانا" (فصيل الضيافة) خلال أيام قليلة قادمة وكان هذا التبليغ مفاجئة لنا، وكما نعرف ان هذا الفصيل يبعد عن موقع القاطع مسافة أربعة أيام مشيا" على الأقدام وفي طرق جبلية شاهقة ووعرة لا تخلوا من الخطورة نتيجة كمائن العدو والربايا العسكرية المسيطرة على بعض جوانب الطريق الواجب المرور به.

 بعد أربعة أيام من هذا التبليغ وفي ذكرى يوم تأسيس الجيش العراقي في 6 / كانون الثاني / 1986 وهو يوم مغادرتنا القاطع، تجمهر غالبية أنصار القاطع في ساحة المقر لتوديع رفاقهم في المفرزة وهي حالة يلتزم بها الأنصار في حالة مغادرة أو قدوم أي مفرزة جديدة، كان الموقف مؤثرا" جدا" لنا ونحن نفارق رفاقنا وأحبتنا الأنصار بعد سنوات من الحياة الصعبة والمشتركة وكل منا لا يعرف هل سنلتقي مع رفاقنا من جديد في المستقبل أم لا ؟ فالظروف قاسية والسلطة تتبع أكثر الطرق شراسة ووحشية في تدمير كل ما هو حي في المناطق التي يسيطر عليها الأنصار والقوى الكردية الأخرى ولا تبالي حتى بأستعمال الأسلحة الكيمياوية للتخلص من الحركة المسلحة.

ألقينا نظرات الوداع وتبادلنا القبل مع الجميع ووضعنا حاجاتنا البسيطة على البغل الوحيد الذي يرافقنا في رحلتنا، لقد تركنا الكثير من الشواهد والذكريات في هذا المقر وندرك الآن اننا سوف لن نراه ثانية فالأوضاع تسير من سئ الى أسوء .

تحركت مفرزتنا بعد الظهر والمكونة من الأنصار أبو سعد، أبو أروى، أبو سوزان، أم سوزان، الشهيد أبو نادية أيطاليا، أبو عهد، وأبو شوكت ودليلنا النصير الشاب مخلص وهو شاب في مقتبل الشباب، ذو أخلاق عالية، ويتصف بالنشاط والذكاء، شـتاء كردستان في هـذا الوقت بارد جدا" والثلوج تتساقط بين فترة واخرى وعلمنا أن الثلوج تغطي بعض الجبال التي يتحتم المرور بها في طريقنا الى هناك، كان النصيران أبو سعد وأبو اروى يعانيان من بعض المشاكل الصحية وتقرر إرسالهم الى ايران لغرض العلاج في المستشفيات الأيرانية.

بدأت حركتنا ثقيلة وبطيئـة بعض الشئ وكأن الجميع لا يـود المغـادرة ويترك خلفة رفاقـه وذكرياتـه ورؤوسنا تتجه نحو القاطع بين الحين والأخر حتى وصلنا الى نهر الزاب الأعلى ويتحتم علينا الأن ان نعبر الجسر الخشبي المجـاور لمقر الحزب الديمقراطي الكردستاني (حدك) الذي بني بطرق بدائيـة ويتموج حسب تيار ماء النهر حيث يتجنب الكثيرون من العبور عليه خاصة في فصل الصيف عنـد أرتفاع مناسيبه ويفضلون السباحة للطرف الآخر وهنـا أخبرنا الرفيق النصير مخلص بزيـادة سرعة السير لغرض الوصول الى أول قرية على الطريق قبل غروب الشمس والمبيت فيها وهنا بدأت المسيرة الحقيقية فأمامنا ما يقارب الخمسة ساعات سيرا" للوصول الى الهدف.

 طرق وعرة وضيقة تزداد إرتفاعا" كلما تقدمنا نحو الأمام، الأشجار على الجانبين قد جفت بعد أن تركها أصحابها وهاجروا الى أماكن أخرى أكثر أمنا"، خمسة دقائق إستراحة بين كل ساعة أو ساعتين من السير نواصل بعدها من جديد، بدأت الحرارة تخف تدريجيا" بمرور الوقت ونحن نقترب من غروب الشمس، أخبرنا النصير مخلص بأننا وصلنا الى القرية وعلينا أن نقضي ليلتنا الأولى فيها ونتوزع على بيوتها، ولكن أين هي القرية؟

 واصلنا سيرنا في طريق جانبي ضيق بين الصخور والأشجار المتشابكة ينحدر بنا تدريجيا" الى اسفل الوادي حيث تتواجد مجموعة من بيوت الفلاحين الذين رفضوا مغادرة بيوتهم وأراضيهم وحملوا السلاح لمقاومة قوات السلطة وعملائها ولينظموا الى البيشمركة في حالة أي هجوم على المنطقة، توزع الجميع على بيوت القرية وكان من نصيبي وزوجتي النصيرة أم سوزان أحدى العوائل الفلاحية الكردية المعدمة ، كان رب العائلة يتحدث اللغة العربية قليلا" لإكماله الخدمة العسكرية في جنوب العراق وهناك تعلم اللهجة الجنوبية قليلا"، وضعت هذه العائلة أمامنا كل ما يتوفر لديهم في البيت لضيوفهم العرب وكان عبارة عن رغيفين من الخبز واللبن الرائب وكمية قليلة من البرغل الذي تعودنا على تناوله لسنوات طويلة ويعتبر طعام الفقراء بدلا" عن الرز، أما شرب الشاي فهو على طريقة الدشلمة حيث توضع مكعبات السكر في الفم ويشرب الشاي بعدها برشفات متتالية دون ان تذيبه.

ان هؤلاء الفلاحين الفقراء متعبين من كثرة الزيارات التي يقوم بها الأنصار والبيشمركة المنتشرين في المنطقة الى قراهم ورغم امكانياتهم المحدودة والبسيطة فهم يقدمون لضيوفهم ما يملكون من غذاء متوفر لديهم. إنها ليلتنا الأولى في هذه القرية ومن عادة الفلاحين والقرويين الحديث في فترة الاستراحة مع ضيوفهم في كل ما يخطر في بالهم وما يسمعون من أخبار مبالغ بها عادة عن العمليات العسكرية في المنطقة ونتيجة لبساطتهم فهم مولعون بخلق هالة من العظمة على بسالة الأنصار والبيشمركة وكيف يسقطون الطائرات المقاتلة ببنادق برنو قديمة لغرض الدعاية وكيف ان مقاتل بيشمركة واحد قد اباد فوج من الجحوش في إحدى المعارك، كل هذا يجري لتسلية الضيوف وقضاء الليل، ومن جانب آخر كان حديثي وأم سوزان يتركز حول توديع رفاقنا في القاطع وذكرياتنا الحلوة والصعبة التي عشناها معهم . ترى هل نراهم مرة اخرى وهل ستكتب لنا الحياة لنلتقي معهم في فترة لاحقة وفي ظروف أفضل، في هذه القرى عادة ما كنا نتعرف على أناس جدد وتقاليد ضيافة جديدة لم نتعود عليها سابقا" وترحيب قروي عشائري يجعلنا نحس ببساطتهم وبطيبتهم ومعاناتهم وتحملهم وخوفهم من الغارات الجوية التي عادة ما تبيد كل شئ يملكون.

 غم كل هذا فقد كانت ليلتنا مقلقة بعض الشئ لكون ان بعض عملاء السلطة من الجحوش عادة ما يترددون على هذة القرية بحكم القرابة العائلية مع ساكنيها حيث علمتنا الحياة الانصارية ان لا نثق بأحد وان نكون على حذر دائما" .
  في الساعات الأولى من صباح يوم 7 كانون الثاني تزودنا بعدد من أرغفة الخبز وقدمنا الشكر لمضيفنا وهكذا حال بقية رفاق المفرزة وغادرنا القرية وسط طبيعة جبلية صخرية وعرة، جبال عالية وأشجار مختلفة تساقطت أوراقها بسبب البرودة وحلول موسم الشتاء، تتخللها أراضي زراعية حرثت حديثا" تعيق سيرنا مما جعلنا نستعمل فروع الاشجار وأغصانها لموازنة اجسامنا المتعبة لمواصلة السير، ساعات متواصلة من السير المتعب، حقائب القماش على ظهورنا رغم خفتها أصبحت ثقلا" علينا، لا أحد يستطيع أن يتخيل التعب والإرهاق الذي يلازمنا ونحن نتقدم الى الأمام وسط الجبال الشاهقة الموحشة، كلما تقدمنا في سيرنا تواجهنا سلسلة جبلية جديدة علينا تجاوزها وأخذنا نستعين بركوب البغل ليخفف آلام مفاصل أرجلنا المتعبة ... هدفنا هو الجبل الأبيض الذي نشاهده بالأفق وهو الأعلى في السلسلة الجبلية وسمي بالأبيض لكونه مغطى بالثلوج طوال السنة لشدة أرتفاعه وكثرة تساقط الثلوج عليه في موسم الشتاء.

الساعة الآن تجاوزت الواحدة ظهرا" وقررنا الجلوس وسط ساحة مكشوفة وسط الصخور لغرض تناول وجبة الغذاء بما يتوفر لنا من الخبز الذي حصلنا عليه من القرية السابقة وقدح من الشاي، لم تتجاوز أستراحتنا هذه الساعة حتى سقطت قذيفة مدفعية على مقربة منا وبالتأكيد كنا المستهدفين فيها لكون المنطقة محاطة بالربايا العسكرية لذا قررنا مغادرة مكان أستراحتنا بسرعة ومواصلة السير والوصول الى محطتنا القادمة قبل الظلام، الأرض طينية أصبحت موحلة بسبب تساقط الثلوج في الأيام الماضية وتحولت المنطقة كلها الى أوحال لا يمكن السير فيها، غمرت أحذيتنا وأرجلنا في الوحل بشكل كامل، البرودة أخذت تزداد كلما إقتربنا من الغروب ولا نستطيع تحملها، الجبال المحيطة بنا تغطيها الثلوج، حاول البعض الأستعانة بركوب البغل ليتجنب عناء السير في الوحل إلا ان البرودة الشديدة لا تمكنه من الجلوس على البغل لفترة تزيد عن خمسة عشرة دقيقة عندها يحس المرء بالإنجماد لذا يفضل السير في الأوحال على تحمل البرودة، بدأ الظلام يخيم على المنطقة وبدأ ضوء القمر ينشر أشعته على قمم الجبال العالية وخاصة الثلوج التي تغطي الجبل الأبيض، النصير مخلص ومن كثرة الأنهاك الذي أصابه لم ينتبه الى الطريق المؤدي الى القرية بسبب الثلوج وإختفاء آثار الطريق فأتجه بنا الى طريق آخر ولم يمض وقت طويل حتى تبين له إن الجبل الأبيض قد أصبح على يسارنا وهذا يدل على إننا نسير في طريق آخر، تم تلافي الأمر والعودة من جديد الى الطريق الصحيح، ومن بعيد بانت لنا بيوت القرية المتفرقة التي تحيط بها برك المياه والأوحال من كل جانب، نباح كلاب القرية بدأ يرتفع ويدل ذلك بوصول أناس الى القرية، خرج بعض رجالها لأستقبالنا ومساعدتنا ودعوتنا لقضاء الليل في ضيافتهم.

 توزعت المفرزة في بيوت عدة وكان من حظنا ان ندخل بيت عائلة قروية تتكون من زوج وزوجته وثلاث فتيات تتراوح أعمارهن ما بين العاشرة والرابعة عشرة، كانت الفتاتان الكبيرتان مشغولتين بحياكة السجاد اليدوي ونقشاته الجميلة، وحال دخولنا تركن العمل وتوجهن لمساعدة والدتهن في إعداد الطعام، صاحب البيت قدم لنا بدلتين نظيفتين وطلب منا خلع بدلتينا لغسلها بم تعلق فيها من أوحال الطريق ووضعت الأخشاب في المدفأة المعدنية لزيادة التدفئة. سارعتُ وأم سوزان لغسل جوارينا الموحلة ولكن صاحبة البيت رفضت ذلك وأخذت على عاتقها غسلها وحاولت مسرعة لغسل أحذيتنا أيضا" لولا ممانعتي الشديدة لذلك وقمت بغسلها بيدي أحترامنا" لهم، وضعت بدلاتنا وجواريبنا وأحذيتنا قرب المدفأة وبعد أقل من ساعتين جفت بشكل كامل وتم إرتدائها من جديد

ثم تبع ذلك ما قدمته العائلة من حسن الضيافة وتقديم الدجاج المشوي الذي فقدناه منذ فترة طويلة إضافة للبن الرائب وعنقود كبير من العنب، أحسسنا بالخجل ونحن نحمل هؤلاء القروين أكثر من طاقتهم وهم وسط جبال شاهقة وحصار إقتصادي قاتل للمنطقة .. ربطتنا مع العائلة علاقة وثيقة فأم سوزان أخذت تساعد الفتيات في الحياكة وتعلمهن التطريز على القماش ودخل صاحب البيت معي في نقاش بقليل من العربية واللغة الكردية التي لا أجيد منها سوى بعض الكلمات.

وكانت هذه الأسئلة تتركز هل هذه الفتاة المرافقة لك زوجتك ؟ وهل أنتم شيوعيون ؟ ما هي أهدافكم ؟ وهل تقاتلون صدام حسين مثلنا ؟ والى أين أنتم ذاهبون ومتى تعودون لنستعد لضيافتكم عند العودة ؟ وعلى قلة الكلمات التي نفهمها بالكردية إستطعت أن أوصل له ما يمكن إيصاله وكانت لغة الأشارات هي السائدة في الحديث مع الأخذ بنظر الأعتبار الكتمان وعدم إعطاء الأجوبة الصحيحة على أسئلته ووجهتنا وهذا ما تعود عليه الأنصار إحترازا" وتحسبا" للمجهول، وأدركنا ان الحديث الطويل مع الضيف يدلل على أحترام صاحب البيت له حتى لا يشعر بالوحشة ولغاية أن يغلب عليه النعاس حتى  تعدت الساعة الواحدة ليلا" وبدأت الثلوج بالسقوط من جديد ولا زال صاحب البيت يواصل حديثه الى أن أدرك بأننا قد وصلنا الى حالة الأعياء وعلينا النوم عند ذلك طلب من زوجته بتوفير مكان النوم لنا في الغرفة المجاورة وتدفأتها وتغير الفراش حيث نمنا بعمق حتى صباح اليوم التالي.

جلسنا مبكرين صباح اليوم التالي 8 / 1 / 1986 لنرى مدى ملائمة الطريق لمواصلة الرحلة بعد تساقط الثلوج لليلة الماضية وهل هناك عوائق أخرى وتبين لنا من سكان المنطقة إن الطريق سالك ويمكن السير به حال عبورنا نهر الشين الذي لا يبعد سوى ساعة سيرا" من القرية، جهزنا أنفسنا بما حصلنا عليه من الخبز والجبن وخيارة واحدة وحبة طماطم وهكذا بقية أفراد المفرزة حصلوا على ما يتوفر عند مضيفهم من تموين.

غادرنا القرية في حدود الساعة التاسعة صباحا" وفي طريق ينحدر تدريجيا" نحو نهر الشين ( النهر الأزرق ) الشمس التي بدأت بالظهور من بين الغيوم المتفرقة قد ساهمت بتدفأة الجو قليلا"، بعد مسرة تجاوزت الساعة وصلنا الى النهر وعلينا عبوره الى الضفة الأخرى، نهر الشين عميق وسريع الجريان رغم أن عرضه لا يتجاور العشرين مترا" ولكنه مخيف بعض الشئ ويخشاه الجميع وعادة ما يستعمل القرويين الكلك الخشبي المصنع محليا" لعبوره ماسكين بحبل قوي ربط على الطرفين تجنبا" لجرف الكلك بتيار النهر، أما في حالة المفارز فعادة تعبر البغال سباحة في البداية ثم يعبر افراد المفرزة بعدها .
بعد أقل من ساعتين تم عبورنا بسلام للضفة الثانية من النهر وبدأت مسيرتنا من جديد وكلما تقدمنا الى الأمام تزداد الأرض إرتفاعا" ووعورة وتظهر أمامنا جبال شاهقة ووديان عميقة محاذية للحدود التركية من جانب ومن الجانب الأخر الجبال التي تعلوها الربايا العسكرية العراقية المسيطرة على الطريق والتي تقوم بقصف المنطقة بالمدفعية والرشاشات الثقيلة عن مشاهدة أي شئ يتحرك، كما ان المنطقة تعتبر منطقة تحركات عسكرية للجندرمة الأتراك التي تقوم دوراتها بمهاجمة الأنصار والمهربين على حد سواء وخاصة في منطقة تدعى (عادل بك ) التي شهدت سابقا" إستشهاد (النصيرة انسام ) عن أصطدام المفرزة التي كانت فيها مع الجندرمة الأتراك قرب ( قرية أدلبي )، حاولنا الأبتعاد عن هذا الموقع والسير بعيدا" عنه تجنبا" لأي صدام متوقع خاصة وإن معظمنا لا يحمل السلاح. واصلنا السير ومرت الساعات الطويلة حتى وقت الغداء حيث تمت إستراحتنا على أحدى القمم وقرب أحدى عيون الماء العذبة ووسط طبيعة جميلة لا توصف، بعدها واصلنا الرحلة بأتجاه فصيل الضيافة فأمامنا ليلة أخرى علينا ان نقضيها في الطريق، وصلنا وكما هو مخطط ما بعد الساعة التاسعة ليلا" الى أحد البيوت المهجورة وسط الجبل حيث سبقنا أليه أحدى مفارز الأنصار الأستطلاعية الى هذا المكان الجو بارد جدا" ورطب وعدم توفر الأغطية اللازمة والكافية للنوم وأخذت أجسامنا ترتجف من شدة البرودة، المدافئ الموجودة في البيت تحتاج الى اخشاب للتدفأة غير متوفرة، بعد مشقة كبيرة تم الحصول على بعض القطع الخشبية وهي مغطات بالثلوج وتحتاج الى جهود كبيرة لتجفيفها وأشعالها وأيقاد المادفئ وهذا الأمر اخذ منا ساعات طويلة أضافت لنا متاعب أخرى لما نملكه من أرهاق طيلة رحلتنا حتى بدأت القاعة تدفئ تدريجيا" وعندها أحسسنا برغبة شديدة للنوم فأمامنا يوم آخر من المسير الشاق.

كان صباح اليوم التالي مشمسما" والبرودة تميل الى الأنجماد، أعددنا أنفسنا لمسيرة طويلة تقدر بخمس ساعات، ومن المقرر أن نصل فصيل سبندارة ما بعد الظهر كما هو محدد، تناولنا ما يمكن تناوله من ما تبقى لنا من خبز قديم وباشرنا السير ما بعد الساعة التاسعة صباحا"، الطبيعة جميلة جدا" بجبالها الشاهقة ووديانها، الحرارة أخذت بالأرتفاع كلما تقدم الوقت، مناطق وجبال نراها عن بعد وقد إحتلت من قبل القوات الأيرانية ونشاهد عن بعد طائرات الهلكوبتر الأيرانية وهي تجول وتصول في الأراضي العراقية وهي تنقل المعدات والجنود للجبهة لتعزيز مواقعها.

كانت مسيرتنا مريحة وغير متعبة مثل الأيام السابقة لكون مناطق سيرنا كانت في منطقة ذات ذات طبيعة جغرافية متشابهة تقريبا" وتتخللها صعود ونزول لبعض التلال والوديان وسط الجبال الشاهقة. ومن بعيد شاهدنا مجموعة من أشجار السبندار الكثيفة في منطقة هجرها أصحابها لوقوعها ضمن مناطق العمليات العسكرية المحرمة، ووسط هذه الأشجار بيت طيني لفلاح مهجر يحتوي على عدة غرف إتخذ منها الأنصار موقعا" لهم بعد أجراء عدة تغيرات مناسبة للعمل الأنصاري وليكون مكان مناسب لضيافة الأنصار وهم يتنقلون من موقع الى آخر. وصلنا الى فصيل سبندارة ما بعد الظهر وكان في استقبالنا الرفاق آمر الفصيل (هه زار) والرفيق (أبو زينب) وبقية الرفاق في الفصيل وهنا بدأت حياة جديدة سنتحث عنها في حلقاتنا القادمة.

الهوامش

1 ـ الصورة الأولى في الطريق الى فصيل سبندارة.

2 ـ تناول الغداء على الطريق  ويظهر في الصورة أبو سعد في الخلف، ابو سوزان ، ابو شوكت ، الشهيد ابو نادية ، ومخلص.

3 ـ ام سوزان مع بنات العائلة التي ضيفتنا ليلة من مسيرتنا.

4 ـ عبور نهر الشين على الكلك.