أخي نافع (أبا لينا)... في السادس والعشرين من هذا  الشهر/ آيار من هذا العام 2019 تمر علينا الذكرى التاسعة والثلاثين لأعتقالك وثم أستشهادك، وفي هذه الذكرى لا نود أن نرثيـك فأنت باقٍ في قلوبنا دومـــا"، ولا نريد أن نبكيك فالرجال لا تبكي أبطالها، ولا نريد اليوم أن نكتب ســـيرة حياتك النضاليــة فأنت الأولى بكتابتـــها، لقد عرفنـاك بأنك المناضل الجسور الذي يهوى السفر بأتجـاه الوطن الحر والشعب السعيد، وبأنظمامك للحركة الوطـنية حققت رغبتك في أكتشاف الطريق التي تسير فيه نحو غدك المشرق.

وفي ظروف عصيبة قاهرة مر بها الوطن، ترجل البعض عن صهواتـهم، وغاب آخـرون، بقيتَ تصول وتجول، فأثبت للجميع بأنك الأبن البار لعائلة الحيدر التي تمرست في دروب النضال لسنين طويلة وهي التي فتحت عيونك نحـو الشمس لتجـد المناضلين منـهم يدفعـون الثمن لمواقفهم الوطنية في السجون والمعتقلات.

أكتب عنك اليـوم هـذه السطور أخي نافع وأنا أحس بالأحـراج الشديـد فعذرا" لكافة الشهداء الأبطال فقد يتصور البعض إني أجحف بحقهم في الذكر، فكل شـهداءنا الأبرار قد سـطروا بدمائـهم مسيرة بطوليـة مشرقة لشـعبنا سـواء أستشهدوا في غياهب السجون أو في المعارك، أن مشاعري تدفعني اليوم للكتابة عنك حيث تمر هذا اليوم وبالذات في 26 /  آيار / 2019 الذكرى  التاسعة والثلاثين لأعتقالك وتغييبك.

ولد أخي الشهيد نافع في مدينة الفلوجة / محافظة الأنبار في 16 / نيسان عام / 1949 من عائلة الحيدر ، تلك العائلة التي عرفت بالنضال منذ الأربعينات من القرن الماضي وقدمت العديد من الشهداء، كان الشهيد نافع دمث الخلق، هـادئ الطباع، صبـورا"، وفيـا"، شديد الدفأ لعائلته ورفاقه وأصدقاءه، يتميـز بالبساطة والنشاط والحيوية، والعلاقات الواسعة خاصة مع رفاقه وفي أي مكان ألتقى بهم، واضعا" مصلحة حزبه وشعبه في المقدمة.

أكمل دراسته الأبتدائية والمتوسطة ثم الثانويـة في (ثانوية النضال) في بغداد، وفيها أنخـرط بصفوف أتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية وكانت البداية لمواصلة العمل والنضال في صفوف الحركة الوطنية العراقية، واصل دراسته الجامعية في بغداد، حيث تخرج وبتفوق كبير من كلية التربية / قسم الجغـرافية عام / 1971 وكان من الأوائل على فرعه، وبعد تخرجه وفي ظروف سياسية غاية في الصعوبة والتعقيد مر بها الحزب والوطن أكمل الخدمة العسكرية في منطقة (النفـط خانة) على الحـدود العراقيـة الأيرانية ولغايـة إنتدابـه وزملائه الخريجين من قبـل وزارة التربية للتدريس على الملاك الثانوي فعين الشهيد مدرسا" لمادة الجغرافية في ثانويـة قضاء سـوق الشيوخ / محافظة ذي قار عام 1974 ولسنوات عديدة، وهناك تبـوء عـدة مراكز حزبيـة، وخلال عمله هناك كسب حب وتقديـر رفاقه وزملاءه وتلامذته وتوطـدت علاقاتـه مع أخوته من أبناء الطائفـة المندائية في المدينـة وخاصة رفاقه الأخوة الشهداء الثلاث ( إلتفات ورعد ورشيد ثجيل خفي ) والذين غيبهم النظام الدكتاتوري في بداية الثمانينات.

ونظرا" لتفوق تلامذته في إداء الأمتحانات العامة وحصولهم على درجات عالية في الأمتحانات العامة نقلت خدماته الى بغـداد عام 1978 ليواصل التدريس في متوسطة ( قتيبة ) للبنين في مدينة الثـورة في بغــداد ليعمل بتفاني على رفع المستوى الدراسي لطلبته وخلق نوع من الصداقة والمحبة بينه وبين تلاميـذه، حيث كان بالنسبة لهم بمثابة الصديق والأخ والمربي ، فحاز على شكر وزارة التربية في يوم المعلم لنسبة النجاح العالية التي حققها تلاميذه في الأمتحانات العامة.

وفي بغـداد واصل عمله وتحمل عـدة مسؤوليات حزبيـة، وبالرغم من الظروف الصعبة التي كان يمر بها أثناء الهجمة الفاشية لتصفية الحزب الشيوعي العراقي كان المرح يطغي على سلوكه وكتوما" لأسراره وحياته الحزبية ورفض بشكل قاطع مغادرة الوطن لأنه كان يعتبر الوطن هو مكان النضال الحقيقي.

في بداية آيار / 1980 وعند أشتداد حملة القمع والأرهاب ضد الحزب الشيوعي العراقي، كان لديه أحساس إنه سيقع في قبضة القتلة، لذلك زار معظم الأقارب في بيوتهـم، يسمعهـم، يدردش معهـم وكأنه يعلم بأنه يودعهم الوداع الأخير مؤكدا" للجميع بأنه سيبقى أمينا" للمثل العليا التي آمن بها وهذا ما حدث في صباح يوم 18 / 5 / 1980 حيث ألقي القبض عليه من قبل المخابرات العراقية في ساحة النهضة في بغداد ونقل الى جهة مجهولة وضاعت أخباره منذ ذلك الحين، وقد حصلت عائلته على معلومات عنه من بعض المعتقلين المفرج عنهم إنه كان بطلا" خلال التحقيق حيث تعرض الى تعذيب وحشي بشع وهو يردد قصيدة سعدي يوسف المحببة لديه....

( كل الأغاني إنتهت إلا أغاني الناس...... والصوت لو يشترى ما تشتريه الناس ) .

وبعد مضايقات يومية لعائلته ونكران أعتقاله من قبل أجهزة النظام دامت عدة سنوات جاء القتلة لعائلته ومعهم شهادة الوفاة الصادرة من مستشفى الرشيد العسكري والتي تحمل رقم 91241 ومؤرخة في 26 / 5 / 1984 والتي تبين أعدامه شنقا" حتى الموت هذه الشهادة التي ستكون شاهدا" ومستمسكا" رسميا" على جريمة النظام الفاشي أمام القضاء ولا زال البحث جار عن رفاته دون جدوى .

بعد سقوط نظامهم المقبور ومن بين الوثائق التي حصل الحزب الشيوعي العراقي عليها وثيقة صادرة من مديرية أمن مدينـة صـدام، سـري للغايـة وشـخصي، معنونـة الى كافـة ضبـاط المعاونيات، م / عوائـل الشيوعيين المعدومين، لاحقـا" لكتابنا 63 في 10 / 10 / 1988 ولكتابنا 286 في 15 / 2 / 1988 ومرفق قوائـم المعدومين والتأكيد في 605 في 23 / 3 / 1988 والتي تؤكد أعدام 91 شيوعييا" وكان أسم الشهيد نافع عبد الرزاق صكر الحيدر من بينهم .

نرثيك اليوم يا عزيزنا نافع، فقد أوفيت لشعبك ووطنك، ومن تبقى من أهلك ورفاقك يذكرونك في أحاديثهم وكلماتهم وعيونهم تذرف الدموع، لقد غادرتنا يا أبا لينا بعجالة، ولكنك لم تغب عن فكرنا وقلوبنا ... فما زال أسمك شاغل رفاقك وأصدقائك وسيبقى خالدا"، تحية إجلال وإكبار لك أيها الأخ الخالد ولجميع رفاقك الخالدين الذين لم تنكس راياتهم يوم إنتكست الرايات. . وفي هذه المناسبة علينا أن نستذكر كل شهيد في هذا الوطن كذكرى أيّام ولاداتهم وبطولاتهم واستشهادهم وأن لا ننسى بأن الجلادين الذين قتلوهم لم يكن هدفهم سوى أن يمحوا أثرهم من هذه الدنيا وبسكوتنا نحن عن احياء ذكراهم سنحقق أهدافهم ....المجد لكل الشهداء.

كندا في 25 / 5 / 2019