أوراق أنصارية من الزمن الصعب / إعداد فائز الحيدر

مذكرات الفقيد النصير سلام الحيدر ( د. أبو تانيـا )

فصيل الأعلام المركزي

الفصل التاسع

تعليقات الرفيق أبو حسين

 كانت هذه آخر الأيام التي أقضيها في فصيل دراو، ففي تموز 1984 نقلت مع الرفيق سعيد عرب الى الأعلام، وسافر الرفاق ( أبو روزا وأم روزا ) الى أيران للقاء الأهل هناك، وقبلها فارقنا الرفيق الشهيد ( آزاد )، ونقل بعدها الى لولان (  سامان ونوروز ) وكذك نقل الرفيق ( أبو حسين ) الى مقر ( م . س ) في بهدينان، وبالرغم من مرور 19 عام على ذلك الفصيل لكن لا تزال حلاوة تلك الأيام عالقة بالرغم من الظروف الصعبة حيث بعد سنوات وعندما يلتقي الرفاق ويكون النظام قد سقط تعود بهم الذاكرة للفصيل ورفاقه والمطبخ الذي سقط ولكن أول شئ يعود للذهن تعليقات الرفيق ( أبو حسين ) التي عادة ما تعطي الرفاق المحبة والسرور .

طيلة فترة بقائه في فصيل دراو أبى الرفيـق أثير منصور  (أبو حسـين  ) أن يحمل بندقيـة الكلاشنكوف وحمل عوضا" عنها بندقيـة ( البرنـو ) كأي مقاتل كردي مجـرب، كان أبو حسـين سريع البديهية وله قابلية التعليق بشكل سريع ومضحك، أذا لم تعجبه كلمة أو حديث من رفيــق يمسك نظارته ويسـحبها الى الأسفل ويتطلع ماطا" شفتيه ثم يصدر تعليقه الجميل المناسب. لم تكن تعليقاته جارحة يوما" بل العكس كانت مضحكة وتعود الرفــاق عليها.

أطـلق على معظم الرفاق ألقاب وتعليقات على أوزان الكتب القديمــة ومستوحات من الحياة اليوميــة أو من طبيـعة الرفيق، فالرفيقـة ( نوروز ) كانت تذهب يوميا" الى فصـيل الهورمان وتلتقي بالرفـيقات وتستمع الى أحاديثهـن ومشاكلهــن وتدردش معهن وعندما تعود ونحن جالسين حول المدفئة ليلا" تبدا" الرفيقة ( نوروز ) بنقل كل ما يدور عند الرفاق الهورمان من أخبار وتعودنا على ذلك فأطلق عليها الرفيق أبو حسين تعليقا" ( أخبار الهورمان في أسفار الرفيقة نوروز خان ) ، وبحكم علاقتي بالطبابة والأدوية أطلق عليّ ( ألتهاب القولون تجده لدى الرفيق أبو التون ) بالرغم من أنى لم أشكوا أنذاك من أي ألتهاب ولا أعرف كيف جاء القولون بخاطره. الرفيق ( سـعيد عرب ) كان أكثر المشاكسين ومزحا" للرفيقات وخاصة نوروز وليلى، كان يجمع الأحجار الصغيرة ويهيئ الجو ليلا" ويدع الأخرين يصدقون بأن ثعبانا" موجود في سقف القاعة ويرمي خلسة تلك الأحجار علي السقف فتحدث أصوات من حركة الأوراق والأغصان الجافة ويردد بأن الثعبان بدأ يتحرك ويجب قتله في اليوم الثاني وتصدق الرفيقة ( ليلى ) فاتحة الضوء بعد كل رمية حجر، أتذكر كم تألمت الرفيقة (  نوروز ) عندما سرق الرفيق ( سعيد عرب ) صورة فوتغرافية تعتز بها والتي يقف فيها الشهيدان ( ماجد وأخيها آزاد)  وقفة حداد بمناسبة يوم الشهيد الشيوعي، كان سعيد عرب يشاركنا الحديث في موضوع نقاش معين ويأخذنا الى موضوع آخر لا علاقة له بموضوعنا وعندما نقول له هذا ليس موضوع النقاش يجيبنا أنكم لا تفهمون قصدي الآن وستفهمونه بعد أشهر فيداعبه الرفيق أبو حسين ( الأثر البعيد في تعليقات سعيد )

 قدم آمر الفصيل العسكري الرفيق (  هه زار ) أمسية عسكرية حضرها الآمر العسكري للقاعدة آنذاك الرفيق ملازم ( قصي )، وكان المفروض أن تغطي الأمسية أخبار المنطقة وعلاقتنا بالقرويين والركائز ولكن المحاضرة تحولت الى الأنسحاب وطرق الأنسحاب وأفضل مكان له .... ألخ فعلق الرفيق أبو حسين ( أسهل طرق الفرار لدى الرفيق هه زار ).

النصـير ( بستون ) من عائلـة شيـوعيـة من كـركوك وهو من أقرباء الرفيق (هه زار) ، ألتحق بأنصارنا وكان صغير العمر وقليل التجربة ويدردم كثيرا" ويردد دائماً بأن بقائنا هنا ليس له فائدة ويجب أن نهاجم الربايا وتعودنا على هذاالحديث كل يوم، يذهب بستون يوميا" لبقالة أحد القرويين القريبة من المقر لشراء السكائر ويستمتع النظر بأبنته الجميلة ( شكرية ) حتى وأن كانت لديه سكائر فكانت العلب كثيرة يخفيها تحت وسادته وذات ليلة وعندما بدأ يردد ضرب الربية كالعادة تحفز الرفيق أبو حسين وعلق ( بستون يضرب الربية تحت شعار لبيك يا شكرية ) .

 جاء في النشرة الحائطية التي يصدرها الفصيل فقرة أمنيات الرفاق في العام الجـديـد، وكانت أمنيـة الرفيق فيصل العتابي ( أبو محمد روماني ) وأطلق عليه هذا الأسم لدراستـه في رومانيا وللتفريق بينه وبين الرفيق حسام آل زوين ( أبو محمد يماني ) الذي عمل في اليمن، كانت أمنيته سقوط الطاغية صدام ونظامه حيث ينزل الأنصار الى الداخل بملابسهم حاملين أسلحتهم وسط هلاهل الامهات فعلق الرفيق أبو حسـين ( مثل أكل التين والرمانـي أمنية أبو محمد روماني ) .

كان الرفيق ( خالد عرب ) أكثر الرفاق أجادة في تحطيب الخشب وكان يساعد الرفاق وخاصة عندما يريد تفريغ همومه وعصبيته فكان يحطب ويدردم فيعلق الرفيق أبوحسـين ( فن تكسير الحطب لدى الرفيق خالد عرب ) .

عرف الرفيـق ( آزاد ) بكونه نحيفـا" للغايـة وبنفس الوقت كان دودا" وبشوشا" فعلق عليه أبو حسيــن كالعادة ( قلة الزاد لدى الرفيق آزاد ) .

والرفيقة ( ليلى ) الرفيقة الهادئة وذات الصوت الناعم لم تنجوا من تعليقاته فقال ( أنعدام الحيل لدى الرفيقة أم الليل )، أما الرفيق ( أبو محمد يماني ) فكان يعيش في وضع خاص وفي البداية لم يتآلف مع الرفاق وكثير الشكوى وحتى من أبسط الأمور فعلق الرفيق أبو حسين ( مرض الطفولة اليساري لدى الرفيق أبو محمد يماني)

الرفيق أبو حمدان كان يشكوا من ألتهاب مزمن في الكلية وكانت البرودة والحركة الزائدة تهيج آلامه والتي أسكنها له بأبرة البسكوبان فيعلق أبو حسين ( أبرة البسكوبان تهدأ كلية الرفيق أبو حمدان ).

كان بعض الرفاق ينزعجون من تعليقات الرفيقة ( عائدة ) وتدخلها في أمور كثيرة، وكان أبو حسين يخاف من ردود فعلها فعندما تقترب يقول ( آداب المائدة تجدها عند الرفيقة عائدة ) وعندما تبتعد يقول ( كل التعليات الزائدة تجدها عند الرفيقة عائدة)  .                                              

 في أحد الأيام ونحن نتناول الغداء سمعنا خبر وفاة الرفيق ( أندربوف ) سكرتير الحزب الشيوعي السوفيتي آنذاك فعلق أبو حسين على الرفيقة ( هيفاء ) ( بعد وفاة أندربوف البركة بالرفيقة أم الهوف ) .

الرفيق ( سامان ) رغم لطافته كان جديا" في الكثير من الأمور فخلقت هذه الجدية وأمور أخرى بعض الحساسيات مع الرفاق وزادت الشكاوي ضده فعلق أبو حسين ( شكل الثعبان تراه عند الرفيق سامان ) . ويقصد العقوبات الحزبية التي أتخذت بحق عدد من الرفاق.

أصبح بعد ذلك الرفيق ( أبو حازم ) مستشارا" سياسيا" خلفا" للرفيق سامان وكانت غرفته لا تبعد سوى أمتار عن الفصيل فعندما يصل البريد الحزبي من القاعدة يأخذه الى غرفته ويأتي ألينا لينقل الأخبار وربما العقوبات أو التحرك لمفرزة قادمة فعندما نشاهد الرفيق أبو حازم قادم ألينا يعلق أبو حسين ( الخطر القادم في خطوات الرفيق أبو حازم ).

وعندما أنتقـل الرفيق أبو حسين الى بهدينان قلنا له لماذا لا تعلق على نفسك  فقال ( فقدان الشاي الزين بغياب أبو حسين )، لقد كان أبو حسين أكثر الرفاق حبا" لشرب الشاي وكان يردد قول الشاعر الشاي خمرة الثوار.                                                                                   

كانت مقراتنـا هــذه تقع  بين قــرى ليـلكان و أرموش العليـا والسفلى وتبعـد عن فصيل دراو عشرين دقيقـة،  قاعـات عديـدة سبق وأن شغلهــا الرفاق الهورمان وأنتقلوا بعدهـا الى قاطع بهدينان  تخــوفا" من التطورات التي جرت في منطقتن ، فالقوات الأيرانية تقدمت في عمق الأراضي العراقية وأخـذت تشق طريقين الأول من لـولان الى العمق والثاني فيما بعد من )  بيربينان (، وكانت الجرافات الأيرانية تعمل على مدار الساعة بقلع الأشجار والأحجار الكبير .

بعد ان ترك الرفاق الهـورمان هذه القاعات شغلها رفاقنا،  قاعــة صغيرة للرفيق ) أبو عامل ( وآخرى للرفاق ) علي مالية وأبو أحـلام وأبو أزهـار ( وآخرى شغلتها الرفيقة  الشهيدة ) أنسـام ( ومن ثم رفيقات قدمن من الخارج وأخرى للرفيق ) أبو دنيـا) وعائلته  وقاعة كبيرة شغلها بقية الرفاق  .

قبل وصـولي إلى الفصيل كان الرفاق قد أن أنهـوا بناء قاعـة صغيرة ومطعم كبير وأبدى الرفيق ) أبو حسن حبيب ألبي ) مهارة كبيـرة في تنظيمه وبمساعدة المنشار الكهربائي، حيث وصلت في تلك الفترة عدد من المناشير ووزعت على الفصائل لتسهيل قطع الأشـــجار  وذلك بقطع جذوع الأشجار الكبيرة بشكل عرضي منتظم وربط عدة قطع مع بعضها بقيود حديدية بحيث يمكن سحبها لتصبح مائدة وتم تعليقها بحبال من الأعلى وبالرغم من بســاطة الفكـرة ألا أن الجهـود التي بذلها كانت كبيرة وكان يفتخر بعمله ويردد دائما" والله لوعندي أدوات كان عملت المعجزات               

كان لـدى الفصيل سلاح مضاد للجو 14،5 وقد وضع على قطع صخري حاد يتناوب عليه الرفاق يوميا" من الصـباح وحتى المساء ورفيقين في كل نوبة وكان الصعود للسلاح متعب فالمنطقة مرتفعة وحادة القطوع .

تكون مكتب الفصيل من الرفاق  ) أبو دنيا ( كمسؤول عسكري و ) أبو حازم  ( مستشارا" سياسيا" و ) أبو عبيس ( كمسؤول أداري .

اما الفصيل الثاني فقد شغل قاعات مقر الأقليم سابقا " بعد أنتقاله الى قاطع أربيل وكان يبعد عن الفصيل الأول عشرة دقائق ويفصل الفصـيلين نهـر صغير يمر ) بدراو ) ويستمر في جريانه الى لـولان ، شغلت مع الرفاق عدنان و فوقي وأبو آمال وظافر القاعة الجديدة وكانت رطبـة و باردة ومظلمة. وبالأضافة الى المناوبة على سلاح 14.5 كانت للرفاق مهمات أنصارية أخرى وهي أعداد وجبات الطعام والخبز والتحطيب وبالرغــم من أن المنطقــة خضراء وكثيفــة الأشجار ألا أن مهمة التحطيب كانت مرهقة للرفيق الخفر وذلك لكثرة عدد القاعات.

كان الرفيق الخفر يقوم بقطع الأشجار وترتيبها على شكل أكوام بعدد القاعات ويأخذ رفاق كل قاعة حصتها اليومية، ولا أتذكر من هو الرفيق الخفر الذي أخطأ بعدد الأكوام ولم يتمكن الرفيق سليمان يوسف إسطيفان ( أبو عامل ) من أخــذ حصة غرفتـه من الخشب ورقد ليلتها متحملا" البرد القارص بدون مدفئة، وفي اليوم التالي سأل أبو عامل أبو دنيا ( عيوني البارحة الرفاق ما طلعوا للتحطيب )، عندئذ قرر الرفاق مراقبة عدد أكوام الخشب لكل قاعة كل مساء .

يتبع في الفصل العاشر