أوراق أنصارية من الزمن الصعب / اعداد فائز الحيدر

مذكرات الفقيد النصير سلام الحيدر ( د. أبو تانيـا )

فصيل الإعلام المركزي

الفصل التاسع عشر

قصف قاطع بهدينان بالسلاح الكيمياوي

 في بداية شهر آذار / 1988 وصلت معلومات الى قيادة الحزب وقوات الأنصار بوجود نية لدى النظام الدكتاتوري لشن هجوم واسع على قواعد الأنصار في أربيل والسليمانية وبهدينان ولذلك تم أخذ كافة الأستعدادات اللازمة لمواجهة الموقف ، بدأ الهجوم الواسع على قاطعي أربيل والسليمانية حسب الخطة التي وضعها النظام ولكن بسبب التهيأة الجيدة لم تتكبد هذه القوات أية خسائر بشرية أومادية ، وأنتقل الأنصار وكوادرهم وقيادة القاطع الى قواعد أخرى وبدأوا بشن عمليات عسكرية جيدة وناجحة ضد قوات النظام الفاشي من مواقعهم الجديدة .أما قاطع بهدنان فقد تأخر بعملية الأنسحاب نظرا" لتواجد أعداد كبيرة من العوائل والأطفال وقلة الأماكن المحددة لغرض الأنسحاب مما ساعد على عرقلة عملية أنسحابهم الى أماكن مناسبة أمينة بالسرع اللازمة وأستمر ذلك الحال حتى الشهر السابع تموز.

ففي الخامس من حزيران عام 1987 وفي الساعة السابعة مساء" نفذ سرب من طائرات السلاح الجوي من الفرقه الرابعه ( نينوى) هجوما" بالأسلحة الكيميائيه على مقر قاطع بهدينان للحزب الشيوعي ويبدو بأن القوة الجوية قد أستخدمت أفضل مالديها من الخبرات وأوعزت بالمهمة لأفضل طياريها لتنفيذ الجريمة نظرا" لوعرة المنطقة ووجود مقاومات أرضية ضد الطائرات موزعة في مناطق مرتفعة حول المقر ووجود مقرات أحزاب أخرى لديها مقاوماتها الارضية الخاصة بها  ( الحزب الديمقراطي الكردستاني – الفرع الاول وفصيل من الأتحاد الوطني الكردستاني كنتيجة لتحسن العلاقات بين القوى الكردستانية وقتها )  وقد أسقطت الطائرات في هذا الهجوم أكثر من ثلاثين صاروخا" معبأة بمادة دي كلورايد أيثلين (غازالخردل Mustard Gas او عامل الفقاعات ويسمى أحيانا" بالمطر الاصفر) وقد أدى القصف الى سقوط العديد من الشهداء والجرحى وأصابة العشرات وتسبب هذا القصف أيضا" في حرق الاشجار وتحول كل المنطقه المحيطة بالمقر الى منطقة يابسه وتلوث التربة ونهر الزاب الاعلى الذي يصب في نهر دجلة .

 هذه الجريمه لم يتم تغطية أحداثها ولم تأخذ حقها في الأعلام لحد الأن بالرغم من خطورتها على المستوى الوطني ودلالاتها على مستوى الاستخدامات اللاحقة  للاسلحة الكيميائية وكما هو واضح كان السكوت عليها  وعدم التصدي أعلاميا" وسياسيا" في حينها بالشكل المناسب خاصة بعد الأنكار المتكرر لمسؤولي النظام كل هذا شجع هذا النظام في أستخدام الأسلحة الكيميائية على نطاق أوسع وأدخال مواد كيميائية أكثر تأثيرا" ودمارا" ولهذا يمكن القول بأن القصف الكيميائى على مقر قاطع بهدينان شكل بداية لأستخدامات أخرى أكثر بشاعة كما رأينا فيما بعد وقوع الجريمة الكبرى في قصف حلبجة بالاسلحة الكيميائية بعد 9 أشهر تقريبا"من قصف مقر الحزب الشيوعي وأدى القصف الى سقوط الألاف من القتلى غالبيتهم من الأطفال والنساء والشيوخ وتلوث خطير للبيئه  .   

وكانت النتيجة مأساة حقيقية فقد أصيب أصابة مباشرة عدد من الرفاق ومن بينهم أبو فؤاد ( جوقي سعدون حكيم ) وهو من قرية دوغات / ناحية ألقوش كان  يتنتقل من قرية الى أخرى يثقف بسياسة الحزب وتوجهاته . في عام 1985 دس أحد المتعاونين مع المخابرات سم الثاليوم في وجبة غذائية قدمت له في مانكيش وعلى أثرها بدأت معاناته الطويلة مع ظهور أعراض التسمم كانت عائلته قد أضطرت للألتحاق به وتحملت معه أعباء المرض نقل للعلاج في إيران بعد تدهور حالته عاد من العلاج بعد تحسن صحته وفي يوم 5 حزيران 1987 وصل مع مفرزة كبيرة جاءت من لولان ( يستغرق قطع المسافة بين موقع لولان على الحدود الإيرانية وقاطع بهدينان خمسة أيام مشيا" على الاقدام على اقل تقدير ) وكان على الشهيد أن يقطع مسافة يومين آخرين للوصول الى الفوج الاول في ( كلي مراني ) حيث أهله ورفاقه متلهفين للقاء به كانت مفرزة مهيأة للتوجه الى الفوج الاول إلا أن  الرفيق أبو فؤاد أعتذر عن الذهاب معها نظرا" لشعوره بالتعب والأرهاق فتأجلت مغادرته الى يومين آخرين وفي نفس اليوم بالذات قصف المقر بالأسلحة الكيميائية وكان أول الشهداء .

أما الشهيد الثاني بالأسلحة الكمياوية فقد كان ( ريبار عجيل محمود ) أبو رزكار  وهو من مدينة زاخو ، ففي بداية الثمانينات ترك عائلته في ( كييف ) عاصمة أوكرانيا وألتحق بالأنصار ، كان أبو رزكار مثالا" للمناضل الشيوعي حيث كان كل تفكيره منصبا" في كيفية تطوير العمل الأنصاري وتوسيع قواعد الحزب .

أثناء الهجوم الكيميائي سقط صاروخ بالقرب منه فأستنشق كمية كبيرة ومركزة من الغازات السامة فلازمه السعال الشديد ورفض العلاج في البداية لفسح المجال للأطباء لرعاية المصابين الأكثر خطورة ولكن ساءت حالته الصحية تدريجيا" ، وبعد ثلاثة أيام ساد حزن مطبق في المقر  فلقد غادرنا أبو رزكار ، وتبعه ( أبو الوسن)  صاحب الصوت الجنوبي الحزين الذي يتحفنا بأغانيه الشجية وقت الفراغ  ، كما توفي الرفيق ( سعد ) وهو خريج الأتحاد السوفيتي وكذلك النصير( جواد ) وهو ملتحق جديد بالحركة الأنصارية . كما جرح عدد من الرفاق بشظايا الصواريخ وقد عانى الجرحى من آلام شديده نظرا" لتلوث الجروح بالمواد الكيميائية كما أصيب أكثر من 150 نصيرا" أصابات مختلفة الشدة ظهرت أعراضها بعد ساعات ، وعانى المصابون خلالها من عمى مؤقت دام ثلاثة أيام مع أنقطاع الصوت والغثيان وصداع متواصل ولحسن الحظ لم يصب الرفاق( توما توماس ) مسؤول القاطع وسكرتير الحزب ( حميد مجيد موسى ) والموجودين في المقر حينها ، ولقد بذل الرفاق الأطباء  ( أم هندرين وأبو تضامن وأبو الياس ودكتور باسل ) جهود كبيرة لأسعاف المصابين والجرحى .

كان بعض الأنصار يتوقعون وقوع ضربة كيمياوية نتيجة لمعرفتهم  بوحشية عدوهم أضافة  لكثرة الحديث حول أستخدام السلاح الكيمياوي في الحرب مع أيران إلا أنه لم تتخذ أحتياطات معينة ليس عندنا فقط بل حتى عند الأحزاب الاخرى وأثناء حدوث الهجوم الكيميائي لم يكن لدينا أية وسيلة للتعرف على نوع الهجوم هل هو كيميائي أم لا ؟  وقد أستشعر بعض الرفاق روائح غير طبيعية إلا أن الرفيق توما توماس وهو مسؤول قاطع بهدينان حينها لم يرغب في تهويل الأمر وخلق جو من الهلع الى أن ظهرت الأعراض جلية وتاكد لنا استخدام مادة الخردل في قصف مقرنا .

وبعد الهجوم الكيمياوي  وأستتباب الأوضاع في المقر وأستعادة الرفاق لصحتهم أتخذت بعض الأجراءات لتفادي هجوم أخر ونقل المقر الى مكان آخر حيث تم بناء مقر جديد في جبل (  كارة ومتين ) وهو جبل يمكن أعتبارة حصين جدا" ، وبعد أكثر من  سنة وقبل هجوم الأنفال 1988 تعرض المقر القديم أيضا" الى قصف كيمياوي آخر بقذائف الكاتيوشة المعبأة بمادة عامل الاعصاب ( السارين أو  VX ) وكان في ذلك المقر أثناء القصف خمسة من الأنصار كانوا يتابعون مزرعة خاصة بالحزب أستشهد ثلاثة منهم  وأصيب الاثنين الآخرين .