أوراق أنصارية من الزمن الصعب/ إعداد فائز الحيدر

مذكرات الفقيد النصير سلام الحيدر ( د. أبو تانيـا )

فصيل الأعلام المركزي

الفصل الثامن عشر

إلتقينا بالرفيق كاظم حبيب / أبو سامر وعدنا الى أيام الأعلام والصعوبات التي رافقت العمل في بداياته وكان مرحا" جدا" وبمعنويات عالية ولم ينجوا من تعليقات الرفاق المرحة .... أكيد أبو سامر صار مكتب سياسي، كلش مرح، الله يدوم المرح عنده. وفعلا" كانت العلامات على وجه أبو سامر دليلا" على مهمته وموقعه الجديد، وأخرون كانت علامات عدم الرضا ظاهرة على وجوهم  وهم الذين أحيلوا على التقاعد. طلبنا من الرفيق عزيز محمد ألتقاط صور تذكارية بالمناسبة فوافق فورا" الأمر الذي رفضه الرفيق م . قصي وعلق .... ( رفيق مو كلنه ماكو صور ،  فرد أبو سعود ، لا أستطيع رفض طلب الرفاق وبعدين هي فرصة أبو فاروق ما موجود !!!  )

حل الرفيق فخري كريم / أبو نبيل ضيفا" على الفصيل وأضطر للبقاء ليومين وأستطعنا خلالها أن نستغل جوده وعملنا حفلة متواضعة وقد ساهم بعلبة حلويات أشتراها من الحانوت وعلق في حينها أن علبة الحلوى ليست من الحزب وأنما من مجلة النهج، ونقلت من خلاله التحيات الى الأقارب في دمشق والذي أثنى على عملهم ونشاطهم هناك، وبعد فترة ألتقيت بالرفيق أبو نبيل عندما نسب الى الأعلام المركزي .

في خظم تلك الأيام المتعبة حصلت تغيرات في سريتنا نتيجة حادثة وقعت بين الرفاق فنقل الرفيق أبو سميح المستشار السياسي للسرية الى مكان آخر وبقي في فصيلنا كضيف لعدة أيام لحين ذهاب مفرزة الى مكانه الجديد ومع الأسف كانت علاقتي به فاترة حتى ذلك الوقت.

في أحد الأيام الممطرة علمت أنه أعفي من الواجبات ولا أدري لماذا ؟ وكأننا في مضيف أحد الشيوخ وكان جميع رفاق الفصيل في مهمات يومية خارج المقر، ولم يكن هناك غيري وأنا مشغول  بأعداد وجبة الغداء وهو جالس بقرب المدفأة في القاعة يطالع أحد الكتب، في هذا الوقت عاد رفيقان مع حيوانات محملة بالمواد التموينية ولسوء الأحوال الجوية وغزارة الأمطار التي هطلت خلال هذه الفترة أصبح عبور الطريق الضيق المؤدي الى فصيلنا صعب جدا" لكثرة الأوحال وكاد يسقط أحد الحيوانات مع حمولته في الوادي فأطلق رفاقنا عدة طلقات من سلاح الكلاشنكوف طلبا" للمساعدة الفورية وهي أشارة متعارف عليها بين الأنصار فأضطررت الذهاب الى القاعة وبعصبية ونبرة عالية سألته ألم تسمع يا رفيق طلقات وصراخ رفاقنا بطلب المساعدة، فنظر اليّ حينها ولم يحرك ساكنا"!  ليس هذا فقط بل أشتكى بعد ساعات للرفيق أبو دنيا كالعادة على نبرة صوتي العالية، وربما فكر في توجيه عقوبة حزبية أخرى لي قبل مغادرته لسريتنا وبعد فشل محاولته الأولى

نسب محله الرفيق أبو أيار مستشارا" سياسيا" للسرية وكانت علاقتي معه ودية وقديمة، وبمناسبة العقوبة فأذا كنت قد أفلحت في تجنبها سابقا" ولكن لم أستطع في المرة الثانية ووقعت في حبائلها ، طلب مني الرفيق أبو آيار يوما" تشكيل مفرزة وكان الوقت في ساعة متأخرة من الليل والمطر يهطل بغزارة والرفاق متعبين ومعظمهم يغط في نوم عميق، وأخبرني أن الرفاق في القاعدة طلبوا منا نقل مواد مهمة للأذاعة والطباعة وقد وصلت في هذه الساعة المتأخرة وقد تتلف بسبب الأمطار أو قد يتلاعب بها القرويين وهي موجودة بالقرب من مقرنا القديم في الأسفل، فسألته ألا يمكن الأنتظار للصباح ؟  فأجابني بأن الرفاق يحبذون جلبها ليلا" خوفا" عليها. كان الرفيق أبو دنيا في مهمة أستطلاعية، ولم يكن الرفيق أبو آيار على دراية بالسرية ومشاغلها حيث نسب اليها حديثا"، أيقضت الرفيق آمر الفصيل ساطع وطلبت منه تشكيل مفرزة من عدد من الرفاق لجلب تلك المواد وشرحت له الأمر. أستغرب جميع الرفاق، فالجميع متعبين للغاية والجو ممطر والطريق ملئ بالأوحال ولكني رجوتهم لأن المواد مهمة وخاصة بالأذاعة ونخشى تلفها. ذهب الرفاق حال سماعهم بأن المواد مهمة وتخص الأذاعة ولكن بعد عودتهم بعد أيام كانت وجوههم عابسة وينظرون لي نظرات غير طبيعية فالمواد لم تكن مهمة ولا للأذاعة أو الطباعة بل كانت معظمها من الحلويات والفستق ومواد أستهلاكية غير ضرورية ما عدا بعض الرزم من الورق وتصور الرفاق بأنني على علم بذلك، فلم العجلة أذن ؟ وخاصة وأن المواد كلها كانت مغطاة بقطع النايلون وخيمة كبيرة حسب ما علمت من الرفاق، وأقسم الرفيق أبو آيار بأنه لم يعلم بهذه المواد . ذهب الرفاق في اليوم الثاني بالمواد الى القاعدة وعلقت حينها ( خلي الرفيق علي مالية يشبع فستق ). لم تذهب هذه العبارة سدا" وخاصة لمن يتربص لمثلها على الرفاق لمعاقبتهم وعوقبت بالتنبيه والنقد الذاتي لأن طرح هذه الأمور يجب أن يكون في هيئتي الحزبية وليس أمام الرفاق خاصة وهم ضمن الهيئة الحزبية المسوؤل عنها. والشئ المضحك أن أكثر الرفاق الذين نالتهم العقوبة هو الرفيق أبو زينب بالرغم من أنه في هيئة عليا أخرى وأكثر الرفاق نشاطا" ولكنه لا يمكنه السكوت على الأخطاء. وكان الرفاق عندما يشاهدون أعضاء هيئة يتهيئون للأجتماع والمستشار السياسي يحمل الأوراق يتهامسون ضاحكين ( اليوم رجلين أبو زينب طالعة من الأوراق ..... أكيد أكو عقوبة ) .   

في أيار / 1984 نقلت مع الرفيق سعيد عرب من فصيل ( دراو ) الى قاعدة ( لولان ) حيث مقر الأعلام الجديد وقاعدة الحماية، كانت لولان منطقة جميلة خضراء كثيرة الأشجار وتبعد أربع ساعات عن فصيل دراو وعلى بعد ساعتين عن الحدود الأيرانية، تتواجد في المنطقة أضافة الى مقرات حزبنا مقرات الحزب الديمقراطي الكردستاني حيث كانت علاقتنا معهم جيدة وتجرى معهم لقاءات مشتركة بأستمرار للتباحث في الأمور الثنائية المشتركة، وهناك أيضا" مقر حزب العمال التركي  PKKوعلاقتنا معهم كانت جيدة في البداية وقدمنا لهم مساعدات تموينية بالرغم من ظروفنا الصعبة في ذلك الوقت ولكن عندما ساءت علاقتهم مع رفاقنا وحزبنا في قاطع بهـدينان زاد حذرنا منهم ولكن لم يحدث أي صدام عسكري معهم.

كانت في لولان بيوت متناثرة لقرويين ربطتنا معهم علاقات جيدة وكانوا يزودوننا بالمواد التموينية أحيانا" ومنها العسل. أحد هؤلاء القرويين كان يبادرنا التحية باللغة الروسية ويفهم بعض مفرداتها وعندما علم بمعرفتي للغة الروسية أصبح أكثر وديا" معي وحكى لي يوما" أنه قضى أكثر من عشر سنوات في جمهورية جورجيا السوفياتية ضمن مجموعة رافقت الزعيم الكردي الملا مصطفى البرزاني وعاد الى العراق بعد قيام ثورة الرابع عشرة من تموز / 1958 وبقي العديد من أصدقاءه هناك وتزوجوا وأنجبوا اطفالا" .

في أحد الأيام جلب ألينا كمية كبيرة من العسل الطبيعي جمعه من شجرة واحدة وحدثنا عن  الطريقة التي يجمع فيها القرويون العسل فهم يتابعون لأيام أو لأسابيع عديدة في الغابات حركة النحل ومن خلال تجوالهم المستمر يراقبون الأشجار وخاصة تلك المجوفة من الداخل ويعرفونها من خلال تجربتهم الطويلة وبعد تحديد الشجرة يقومون بعمل فتحة صغيرة في أسفلها ويضعوا فيها قطعة من القماش ويولعوا فيها النار فيخرج النحل نتيجة الدخان الكثيف ثم يقومون بقطع الشجرة وجمع العسل منها.

 وعـن العسل هناك واقعة طريفة جرت للرفيق ( أبو سـهيل ) مهندس الأذاعة، فعلى بعد أمتار من قاعة الفصيل الكبيرة كانت تقف بشموخ شجرة عالية ميتة و جافة من سنوات ومحفورة من الأعلى ولا أفهم كيف أعتقد أبو سـهيل أنها تحوي العسل فقام بحرق قطعة من القماش ووضعها في داخل الشجرة وبدأ الدخان يتصاعد وتصور أبو سـهيل بأن الدخان قد تصاعد من قطعة القماش ولكنه بعد وقت قصير أيقن بأن الشجرة بدأت بالأحتراق وتزايد الشرار، كنا نجلس داخل المطعم نتبادل الحديث وشاهدنا أبو سـهيل يجري بسرعة حاملا" وعاءا" مملوءا" بالماء وكرر العملية عدة مرات ولكونه محرجا" لم يود أن يخبرنا بالحدث وكان يقول لا شئ مهم وتصور أنه قادر على أطفائها بسهولة ولكن الرفاق لاحظوا عن بعد النيران والدخان الكثيف فهرعوا مسرعين نحو الشجرة حاملين معهم كميات كبيرة من الماء لأخماد النيران خاصة وأنها كانت تهدد القاعة الكبيرة المجاورة لها في حال سقوطها، تحول لون الشجرة الى السواد وبقت تثير فينا الضحك كلما بادر أبو سهيل لفتح موضوع العسل وكيفية الحصول عليه . 

كان مقر القاعدة يبعد عشرون دقيقة عن فصيل الأعلام ويشمل قاعة صغيرة لمكتب القاعدة ويشغلها الرفاق ملازم قصي والمستشار السياسي أبو عادل وفيما بعد أبو زويا أداريا" وبعد أستلام أبو عادل مهمة أخرى حل محله الرفيق اللطيف الحنون أبو علياء وكان الرفاق يلقبونه ( رفيق أبو حصان )، ففي أحد الأيام سقط أبو علياء وأنكسرت ساقه وذهب الى أيران للعلاج وبقيت ساقه حبيسة الجبس فترة طويلة، ولكثرة مهامه وتوزعها بين الأعلام والقاعدة أشترى حصان ليساعده في التنقل لأداء عمله. جاء رفاق من قاطع بهدينان في مهمة خاصة ولا يعرفون أسمه وأنتظروه طويلا" وبادر أحدهم بالسؤال ( رفاق شوكت يجي الرفيق أبو حصان، بس لا حصانه مريض ) ، وبقي هذا اللقب يلازمه فترة طويلة حتى بعد أن ترك الحصان.

أضافة الى قاعدة المكتب كانت هناك قاعة كبيرة للرفاق وأخرى للطبابة وأخرى للتموين، أما فصيل الأعلام فقد تناثرت قاعاته العديدة، واحدة للرفاق ( أبو سـليم وأبو سامي ) وأخرى مجاورة لها للرفيق المستشار السياسي ( أبو ليث ) وعائلته وأخرى كبيرة للرفاق وقاعة صغيرة للأذاعة والتي أهديت لحزبنا من قبل جمهورية ألمانيا الديمقراطية وقد سبق وأن دمرت ألأذاعة القديمة في معارك بشت أشان .

يتبع في الفصل التاسع عشر