مذكرات بيشمركة / 59/ سعيد الياس شابو/كامران                 

جبل كاروخ

2014.01.08

عندما أسر مصري الجنسية في قاطع بهدينان من قبل أنصار القاطع .. وبعد المسير الجبلي الشاق والصعب وحديثه الذي يكسر الخاطر .. وكلما بدأ الانحدار .. الى النزلة .. أي النزلة من الجبل والرفاق البيشمركة الأنصار يكيفون الى النزلة وكما السيارة تحبذ ذلك .. أي متاعب النزلة أقل من الصعدة !! إلا أن الأخ المصري الأسير .. مبديا تذمره و استيائه وامتعاضه ويصرخ بصوته .. إيه ده .. ؟! النزول كمان ؟! وسرعان ما يجاوبون أنصار المفرزة .. ليش يا رفيق مو هاي نزلة ؟ ! ، ولا يفتهمون همه ! وهو محق ..كل الحق .. ويبدا الاستغراب وعدم الرضا من شكوة الرفيق المصري .. وأخيرا سألوه ؟ ليه بتضوج من النزلة الجبلية ؟ وأبدى برأيه ..... يا أخوان .. مو بعد النزلة .. تأتي الصعدة !! وكم نزلة وكم صعدة .. ؟! نزلنا وصعدنا ؟!؟!؟!؟!؟!؟! .

ولو عدنا الى موضوع عالم الأنصار المتنوع وفي كل حلقة .. سنرى الجديد وقصص بطولية سطرها الأنصار البيشمركة البواسل في مجالات مختلفة ومتنوعة ومن الجدير سردها للدراسة لتصبح مادة لنيل الشهادات المتنوعة ومنها الدكتوراه .

مفرزة في جبل هندرين .. تقتحم حقل الألغام !

النساء تطلق عنوة ! وتتزوج عنوة!

قوة من المسلحين الكورد الأفواج الخفيفة تروم الالتحاق بقواتنا .

عوائل تعتقل !

الحرب العراقية الايرانية يتوسع نفوذها !

المقرات تتكاثر كالأميبيا !

أعداد الأنصار في تزايد ..............................................................

تقارب بين القوى الكوردستانية العراقية  ....

سنة واحدة تكفي ليستهلك النصير!

قبل الحرب بين العراق وإيران .. ثمة من يقول .. لماذا التحقوا أولادكم بالجبل ؟!

وبعد قدوم التوابيت الى أهاليها .. والله عقال أولادكم .. خلصوا أرواحهم ؟ّ وكأنه نحن نلعب ونحزر !!

كان الشروع ببدأ عودة البعض من القرويين الى قراهم الأصلية بغية الافادة من المحاصيل الصيفية المتنوعة ومنها الفواكه والحنين الى الأرض الطيبة أصبح الشغل الشاغل لدى البعض من القرويين .

فأما مفرزتنا .. نهضت في ذلك اليوم التموزي وربما كنا في أواسط شهر تموز من عام 1981 ميلادية من القرن المنصرم .. وبعد( الفطور الصباحي ) والمسير عبر الوادي وبمحاذات الرافد القادم من قرية بيركمة .. والمسير يمكن أن يستغرق لمدة ساعتين متواضعة والتي لا تشكل متاعب فيما لو لم تكن البطن خاوية من المحروقات ! ، فأما بعد ساعتين وعبور النهر بإتجاه اليمين وليس اليسار .. لأن على إيدك اليسار تقع قرية بيركمة ومن ثم قرية لولان وقصتنا طويلة مع لولان ومن ثم جبل ( كيلة شين ) الـتأريخي .

قصدنا يد اليمين وعبور النهر الجاري ومياهه العذبة بالرغم من وجود أصحاب الماشية ورشمالاتهم / البيوت المصنوعة من النسيج / شعر الماعز وليس صوف الغنم ..وبعد صعود بضع من الأمتار وإذ بحية كبيرة جدا تشبه عفريت ! وكأنها هي الأخرى لا طريق لها سوى طريقنا ومضطرة من أن تعلن من أن هذا الموقع .. هو مسكني ومحلي ! فماذا أنتم تفعلون هنا ؟!

فبمجرد أن قطعنا  الأمتار المتبقية من المرتفع .. وإذ بواحة جميلة جدا .. عالم آخر ، ألا وهو عالم المصايف والسياحة ( عالم الكويستان ) الجميل مراعي وواحات خضراء .. مناخ معتدل صيفا في النهار .. في الليل عليك من إيجاد البديل ، لم تكن الواحة غريبة بالنسبة لنا وإنما للوهلة الأولى نرى الموقع ما عدى الأدلاء من الرفاق الأنصار ، لو نظرنا عسكريا للمنطقة .. فعلينا من الحسابات العسيرة والخروج بنتائج غير مرضية .. أي بالصيغة الأخرى .. الموقع لا يصلح للمسير فيه قط ! أي من اليمين هناك مرتفعات تصلح لنصب الكمائن أي المنطقة قريبة جدا من بلدة سيدكان وهناك ربايا يمكن أن تشاهدنا في الناظور ، فأما من طرف اليمين .. سلسلة جبلية طويلة عريضة .. فبأمكان الواحد من أن يوقف السير ويقطعه ويؤذي الرتل ! ، ولم يحصل لنا سوء في هذا الطريق طيلة السنوات الثلاث التي استخدمناه وسلكناه وفي كافة فصول السنة !!!!.

وبالرغم من أني سلكت الطريق للوهلة الأولى .. إلا أني كنت في مقدمة المفرزة بحوالي 200 متر والرفاق الآخرين بين رفيق ورفيق أكثر من 100 متر ، لكون الطريق عدل الى أن تبلغ المرتفعات القادمة !! وفي وسط الطريق هناك رشمالات وأصحابها وماشيتهم مقيمة في المواقع الصيف كله ، وبعد بلوغ المجموعة الأولى من الرشمالات .. وبألتفاتة على اليسار وإذ بينبوعان يتدفق منهما ماءا لا يصلح إلا أن يكون دواءا! وفي الينابيع مجموعة من السطولة والقدورة وأمور أخرى .. وبدون أذن من أحد لكون الرشمالات تبتعد عن العيون أمتار تكتفي من ترفع الدبة المليئة بالشنينة الماستاو (دؤ) ، والى أن يصل الرفاق قد يكون عطشي قد تلاشى والعرق الذي فتح كل المسامات وقلل من نسبة الأملاح في الجسم .. فلا يعوضه .. سوئ ال ( دؤ )! ومن ثم وصل الرفاق تدريجيا الى الموقع .. فتوزعنا في الرشمالات لتناول وجبة الغذاء ، فأما شجرة الجوز المحسود عليها تقع في منتصف الجبل وهي وحيدة معمرة .. ربما يتجاوز عمرها أكثر من مئة سنة وأكثر ، كما أشجار الجوز المطلة على الينابيع مشكلة منظر إضافي جميل الى جمال الموقع السياحي الكويستاني .

ومن ثم استمرت المفرزة الى أن وصلنا المرتفعات وقطعنا المسافة أي الواحة .. بحوالي ساعتان وربما أكثر ، وبعد بلوغ المرتفعات .. الحسابات العسكرية تتغير .. أي لا يمكن من وضع أي اعتبار للكمائن العسكرية ، ولحد هذه الأوقات أحلم بهذا الطريق وعلى شكل الكوابيس تارة  واخرى على شكل سائح جبلي يحب الطبيعة!

وفي المساء التقينا رفاق روست في مقرهم بعد أن كانت المنطقة محروقة بالقصف المدفعي وطيران الهيلوكوبتر .. البكاء لحرق المنطقة ليس معيبا كما البكاء للشهداء والذي نال منا دموع غزيرة .

بعد أيام قلائل تهيأنا لعبور الى الطرف الآخر .. في هذه المرة مناطق عسكرية بحتة ربايا ومعسكرات وكأنه الجيش العراقي لم ينسحب بالرغم من مرور ما يقارب السنة من الحرب الطاحنة! الرفيق أبو داود قاد المفرزة والرفاق كثر عددهم .. أي تضاعف  العدد .. والسير في مناطق غريبة ولآول مرة جبال عديدة  أحاطتنا من كل حدب و صوب ، جبل هلكورد ، حصار روست ، حسن بك ، الجبل الأسود ، ( شاخي ره ش ) وجبال أخرى غير مسماة بالنسبة لنا ! وتجاوزنا قرى جيزان وجيزلنكئ ودار السلام ومن ثم عبور الشارع المؤدي من سوران .. كلالة ، جومان والمسمى ب شارع ( هاملتون ) ، ومن ثم عبور النهر القادم من المناطق الحدودية والمشكلة مياهه خطورة للعبور وخاصة في الليالي وتواجد مواقع الكمائن والتي تشكل خطورة بسبب تواجد جسر ريزانوك والمسيطر على المنطقة ورباياه وثكناته المتنوعة .. ونحن أخذنا موقع أعلى بعد تفحص وتمحص وتدقق وكشف المواقع وشمرة الحصو أي الحجر .. لكشف الكمين في حال تواجده !! انها من أبداعات أنصارية لكشف الكمائن .

عبرنا الموقع الخطر وأصبح اختلاط الأصوات المتنوعة يشكل هاجسا غريبا لدى البعض منا .. وربما لدى البعض من الحنود والذين مكتوب عليهم ( قلة الراحة ) وهم من الغير الراغبين في أذيتنا ! كما سمعنا فيما بعد من (الربع) أي أصحابنا القرويين ، عبرنا وتجاوزنا الأصوات المختلطة من الضفادع والكلاب والرعاة وأصوات العبور وأنفاس الجنود القابعين في الربايا عنوة ومن ثم خرير المياه والهدير المشكل حافز للعبور والمواصلة .

فأما جبل ( مامه روت ) الجبل الحاد والخالي من أي ينبوع يذكر حسب طريقنا السالك وصعوبته .. فهو الآخر نال من طاقتنا الكثير ، وعند بلوغ المفرزة وتجاوز الخطورة .. فأحلينا ضيفا على بستان البطيخ والترعوزي في الجانب الآخر من الجبل .. ومن ثم الاستراحة القصيرة وتناول وجبة الفطور المقسومة ... واصلت المفرزة طريقها الى المقر الصيفي لرفاقنا في جبل كاروخ الشهم .