امضيت ثلاث ليال في مراني وفي اليوم الثاني جائني الرفيق ابو داود ( خديدة)، وهو الكادر  الحزبي لتنظيم سهل الموصل ضحك و قال لي  : عدنا ملتحق من سوران ها
فعلمت ان لنا عيون في سهل الموصل تستطيع رصد ما يحدث.
التقيت بالشهيد ياسين وكان كثير السؤال عن الداخل و ظروف الحياة هناك و أسرني بأنه ينوي النزول للداخل وكان متحمس جدا ليعمل وينتقم من قاتلي والديه، امين الخيون  وبتول حسين الخزعلي،  لم اخوض معه نقاش حول امكانياته  وما يستطيع عمله هناك ولكن كانت لي رغبة ان اصرخ بوجهه ان لاينزل، ويبقى بأنتظار الظرف المناسب  وجئت له بما كتبه الراحل  ابو زكي ( عبد الحميد بخش)  وهي اشارة ذكية ، بأن الحزب الشيوعي العراقي يعيش في بلد سريع المتغيرات  بل الاكثر من هذا ان المتغيرات تفاجىء الكثير من المراقبين والمهتمين، ويكمل ابو زكي استنتاجه ويقول : فعلى الحزب ان يكون ذا جاهزية عالية لاستقبال الاحتمالات . و أومأت اليه بحقائق وصعوبات لعل يصل الى استنتاج  يجعله اكثر تروي وحكمة وينتظر الظرف المناسب. 
للاسف لم نكن بمستوى حرفية المخابرات العراقية آنذاك ، علاوة على كونهم مجرمين، والتوجيهات التي اعطيت الى الشهيد ياسين ترتقي الى مستوى الحماقة، واذا نتابع خطوات عمل الشهيد في الموصل كما يرويها المسؤًول عنه نجدها اصرار على الحماقة واستهتار بحياة الرفاق، ارفق وثيقة اعدامه والتي تبين سوء التوجيهات الحزبية من المسؤول الاول عليه وهو لبيد عباوي الذي كان من العشرة المبشرة وبعد المؤتمر الرابع سلمت له كل مقاليد الفوج الاول وتنظيم الموصل !!!
تركت مراني متوجها الى الفصيل المستقل في زيوة قرب العمادية للقاء مع  قيادة الحزب  و ما ان وصلت استقبلني الفقيد ابو ناصر  وقال لي بالحرف الواحد ( انت طفرت من الطاوة)، ويعني اني نجوت بأعجوبة من كمين محكم كان معد لي ولغيري في الشورجة!!
وحسبت الايام مابين التبليغ الاول قبل نزولي الى الداخل  من قبل الفقيد ابو ناصر  الى يوم لقائي به ثانية ليبلغني اني نجوت بأجوبة ، ما مجموعه ١٨ يوم !
تسائلت وهل عرفتم بأمر الكمين حديثا ؟ قال نعم جائتنا برقية حديثة وكنا قلقين جدا عليك، تحدثت له عن بقية القصص واعلمته ان من الصعوبة ان تجد زاوية لم يدنو منها النظام وتحت رقابة مخابراته .
علاقتي بأبي ناصر بدأت من عام ١٩٨٢ حيث التقيته بنوزنك وذهبنا معا الى سليمانية وكرميان بصحبة الرفاق ابو كمال وحجي سامي والشهيد ابو حسن ( عماد الجراح) وابو انتصار.
كان ابو ناصر غاية بالجهادية والحرص، والتقيت بوالده ايضا الحاج صفوك  بأحدى قرى گرميان وكان شخصية طريفة جدا وعمره ناهز التسعين عام ، تكلم لنا عن زواجه الاخير وكان حديثًا!! والقى اهازيج واشعار يهيل بها بمواقف و شجاعة ابنه طه ( ابو ناصر) ، والاكثر من هذا قد جعل بستان العائلة في جديدة الشط  التي تبعد عن بغداد بحدود العشرين دقيقة سياقة تحت تصرف رفاقنا و اوصلنا السلاح الى ذلك البستان بواسطة التراكتور سالكين طرق ترابية ريفية تربط بين قرى گرميان وذلك البستان، فأصبح لدينا سلاح و مكان للاختفاء!'.
اتمنى يتحدث غيري عن تلك المآساة  التي انهت ذاك الجهد  واستشهد على اثرها  اخ ابو ناصر بالاضافة الى كوكبة من الشهداء،  وجرف البستان .
و من المواقف التي  اتذكرها ايضا مع الفقيد ابو ناصر اثناء عودتي من قاطع  سليمانية نهاية ١٩٨٥ عن طريق بيربينان ولولان ، كانت اجواء انتهاء اعمال المؤتمر الرابع وكثرة الضيوف والحركة المستمرة للمندوبين ، صادفت وجود ابو هيمن ( العميل عدنان الطالقاني) مع ابو بهاء وكانا الاثنان لايفترقان ابدا، وفي احد الايام كانت هناك طائرات حربية عراقية تغير على المنطقة ولربما على ايران ايضا كواحدة من دواعي الحرب  الدائرة انذاك، الذي اثار استغرابي بل فزعت لاسلوب هذا العميل المتمادي جدا وقال بغزل واعجاب نصا ( شوف  شوف هذا الطيار اخو خيته والله اليوم ناويها على نوط شجاعة) واجابه ابو بهاء (او على اقل تقدير 
وسام الرافدين)
يعني انا كنت اشك بأبي هيمن لانه في شهرزور وقف وسط المفارز وقال لهم مخاطبا وبصوت عالي ( يالا للداخل انت وسلاحك) ووصل به الاستهزاء بسلامة الرفاق الى حد غير مسبوق، ولكنه الان بدأ يمدح الطيارين علنا ويتغزل بشجاعتهم الموهومة .
التزمت الصمت المر و
ابتعدت عنه واذا به في اليوم الثاني جائني وقال ( ترة اني نازل للداخل بعد اسبوع  وانصحك اذا تريد النزول ان تعطيني رقم تلفونكم في بغداد ، لان والله العظيم ابو ناصر مايفيدك وبعده ملتهي بالچاي  والگهوة)
واردف ايضا بقوله ( يعوفوك و لا تصدك يتصلون بك وتضيع بالداخل بدون توجيهات.)
 قلت له دعنا نتواعد تحت نصب التحرير كل ١٢ بالشهر ساعة ب  ١٢ 
قال مباشرة ( دجيب تلفون بيتكم شبيك انت)
قلت له استلم:  ٥٤١٤١٧٢ 
سجله عنده وانا مذهول تماما
وعند وصولي الى بهدينان ولقائي بأبي ناصر في الفصيل المستقل ، اخبرته بكل التفاصيل ، فقال لي تعال معي ، واخذني الى غرفة الرفيق ابو فاروق وهو مسؤول التنظيم المركزي للحزب انذاك
وقال مخاطبا ابو فاروق : اسمع رفيق ماذا قال ابو هيمن الى الرفيق ابو حاتم!!
حكيت وبالتفصيل
لا اعتقد اتخذ اجراء معين.
وهذا ابو هيمن عندما اتفحص قصة اختفاءه في مجاري الصرف الصحي في معركة قزلر أتأكد من عمالته منذ زمن بعيد.
اعود الى لقائي مع ابو ناصر ، اخبرته اني لا اثق بأي مخلوق في بغداد غير اهلي وليس لأهلي الاستعداد بالقيام بعمل ما  سوى الحفاظ على سلامتي مع رجائهم ان اترك العراق واهتم بتطوير نفسي والاهتمام بالدراسة.
بقيت في الفصيل المستقل بأجواء رفاقية حميمية ، نلعب الكرة الطائرة يوميا، وكرة القدم وننزل الى  نهر الزاب مرورا ببعض الحوانيت ، وتجدر الاشارة ان الفقيد آشتي قد شيد ( كپرة)  على نهر الزاب لغرض الخلوة والتأمل كانت فعلا شاعرية.
نزلت مرة اخرى الى بغداد بعد شهور
سأواصل
* الصورة للشهيد ياسين ( جماهير امين الخيون)
* صورة من وثيقة الاعدام للشهيد ياسين وفيها تفاصيل دفعه للعمل كمزدوج 
* صورة للفقيد ابو ناصر ( طه صفوك الغرباوي)
* صورة حديثة للعميل ابو هيمن والمصدر گوگل و وفي گوگل تجد مقالة لهذا الرخيص يرثي فيهاضابط طيار برتبة لواء