في ليلةٍ قائضةٍ من صيف عام ١٩٨١صدر القرار بأن نجتازَ الحدودَ السوريةَ نحو الأراضي التركية، وكنا مجموعةً تتألف من حوالي ثلاثينَ نصيراً، مدجّجينَ بمختلف أنواع الأسلحة،وبحمولةٍ لا تقلُّ عن خمسةٍ وعشرينَ كيلو،من البريد والمطبوعات والكتب. وبعد أن عبرنا نهر دجلة الذي يفصلُ حدود البلدين بمراكبَ صغيرة،بدأنا نسير في حقول القصب التي كانت تغطّينا بشكل جيد، . وقد وُعدنا منذ اليوم الأول بأنّ (بغالاً مطهّمةً) ستأتي لمساعدتنا بعد أيام ولتأخذ منّا الحمولةَ التي أنقضت ظهورَنا ،وبقينا نعيشُ حلُمَ قدوم البغال على مدى أربعة أيامٍ بلياليها كالحبيبِ المدلّهِ الذي ينتظرُقدومَ حبيبتهِ بشوقٍ جارف ، وفعلاً قدمت ثلاثًةُ بغالٍ مع ثلاثة(كرونچيّه)أي المسؤولينَ عنها، وهنا بدأ الرفاق الأنصار بالإحتفال والرقصِ والغناء إبتهاجاً بقدوم الضيوف الأعزاء، وهنا وقفتُ بين رفاقي المحتفلين لأقرأ القصيدة فأقول:

أُحبُكَ أيّها البغلُ

بوجهِكَ يورقُ الأملُ

أحبكَ أيّها البطلُ الذي

ما بعدهُ بطلُ

 كريمٌ أينَ (حاتِمُهم)

وأينَ عطاؤكَ الجزِلُ؟

صبورٌ مثلما(أيّوبُ) 

لا ينتابُهُ الملَلُ

أحبّكَ يا كحيلَ العينِ

ظبياً ضمّهُ الجبلُ

فَخُذّ بيدي وأنجدني

على الطرقاتِ يا بغَلُ

وخُذْ من ظهريَ المحنيِّ

حملًا ليسَ يحتملُ

حبيبَ النفسِ إنّ النفسَ

قد ضاقتْ بها السُبُلُ

جمالُكَ يجعلُ الأنصارَ

في لُقياكَ تحتفلُ

فترقُصُ في الهوى طَرَباً

ويعلو وجهَكَ الخجَلُ

فأنتَ صديقُنا الأوفى

بنبلِكَ يُضربُ المثلُ

م.ح.الشرقي

 في أيلول عام ١٩٨١