تَعارفنا لاول مرة عام ١٩٦٩ ضمن وجهة مواصلة بناء تنظيمات طلابية في الجامعة والثانويات واعادة  تشكيل سكرتارية جديدة لاتحاد الطلبة وبعضا من مكاتبها الفرعية، بعد الاعتقالات التي طالت عدد من اعضاء الاتحاد واضطرار آخرين لمغادرة العراق، وكذلك بعد الانشقاقات والاربكات التي عاشها الاتحاد في تلك الفترة.

 كُنتُ يومها مسؤولا لتنظيم الاتحاد في كلية الطب/ بغداد، وجرى تشكيل مكتب طلابي يضم مسؤولي كليات الطب والصيدلة وطب الاسنان والهندسة والاداب ومعهدي الصحة العالي والطب الفني، ومعهد الادارة، ولان جميع هذه المرافق العلمية تقع في منطقة باب المعظم ومحيطها لهذا سمي المكتب ”مكتب باب المعظم“.

 كان الشهيد ابو رغد مسؤولنا في هذا المكتب.

وارتباطا بظروف العمل السري التي كنا نعمل بها كانت صلاتنا مقتصرة على لقاءات دورية، نتبادل فيها الاخبار والنشاطات مع أقل ما يمكن من القصاصات الورقية، دون اللجوء الى عقد إجتماعات، تجنبا  للكشف غير المبرر والوقوع في ايدي الاجهزة الامنية .

كنا نلتقي غالبا في نهاية النهار وبمعدل مرتين في الشهر في  مناطق مختلفة من بغداد؛ الوزيرية، في الشوراع والازقة الداخلية لشوارع الرشيد والجهورية والكفاح، وفي شارعي السعدون وابو نؤاس وفروعهما.

إمتاز ابو رغد بالهدوء والكفاءة القيادية والاصغاء للاخرين، ما منحه حبنا وإحترامنا وثقتنا، ولم تكن الابتسامة تفارق وجهه حتى في تلك الظروف الصعبة.. من بعض الكلمات والعبارات التي كان يستخدمها خمنت أنه من النجف.

آخر لقاء لاعضاء مكتب ”باب المعظم“ معه، وربما كان ذلك عام ١٩٧١، كان قرب ساحة الجندي المجهول (الفردوس حالياً) أخبرنا بأنه جاء ليودعنا لاضطراره للسفر. عرفت فيما بعد انه اكمل دراسته وتم تعيينه في محافظة اخرى.

إنقطعت علاقتي به من يومها ولم اسمع عنه شيئا سوى انه يقيم في محافظة البصرة.

مع بداية عام ١٩٧٨ حين التحقت بعملي الوظيفي في بغداد وتم ترحيلي من تنظيم محافظة المثنى الى بغداد. كانت مفاجئة لي حقا ان أرى صاحبي القديم ابو رغد موجود في ذات الهيئة التي انضممت اليها ، وهي هيئة حزبية كانت مسؤولة عن عمل ونشاط ذوي المهن الطبية والصحية في بغداد وكان يقودها حينها د. محمد صالح سميسم.

 كذلك ضمتنا هيئة اختصاص مهني اخرى مسؤولة عن متابعة العمل النقابي لذوي المهن الطبية والصحية.

استمر عملنا في الهيئتين حتى نهاية عام ١٩٧٨، حيث إرتباطا بتصاعد الحملة البوليسية الشرسة التي طالت الشيوعين وعموم الديمقراطيين وما صاحبها من اعتقالات ومطاردات وتغييب في عموم محافظات العراق توقف نشاط الهيئة المهنية، وجرى تحويل صلات اعضاء الهيئة الحزبية الى صلات فردية، وانقطعت علاقتي بابو رغد بعد آخر لقاء لي معه نهاية عام ١٩٧٨ حين زارني في مستشفى الطواريء.

حين هربت من العراق في تشرين الثاني عام ١٩٧٩الى لبنان التقيت هناك بابو مسار، كان كعادته كادرا دؤباً نشطاً جلدا متواضعا متبسطاً لا يكل ولا يمل ولا يشكو من زخم العمل وضغطه ، وإن شكى فبنكتة عابرة  ساخرة مرحة.

 في بيروت توطدت علاقتنا الشخصية أكثر؛ كيف لا وأن هذه العلاقة ولدت ونمت في مراحل ثلاث تميزت بظروف إستثنائية صعبة؛ ظروف العمل السري اعوام ١٩٦٩/١٩٧١، والملاحقات البوليسية الفاشية عام ١٩٧٨، وظروف الحرب الأهلية اللبنانية التي كنا نعيش فيها.

في بيروت عقدنا إجتماعا موسعاً لاكثر من ثمانين شابة وشاب لتشكيل لجنة شبابية، وتم إختيار ابو مسار سكرتيرا لها. وعبر هذه اللجنة تعرفت من خلال ابو مسار على العديد من الوجوه الشبابية والطلابية اللبنانية والفلسطينية والعربية التي كانت تقيم في لبنان آنذاك.

لم يمنعه ويمنع زوجته العزيزة أم مسار حداثة زواجهما ووجود طفلة صغيرة معهما من ان يسبقوننا نحن القريبين منهم ويتوجهوا الى كردستان للحاق بصفوف الانصار في وقت مبكر.

عام ١٩٨٤ ونحن في دمشق جاءنا الخبر الصاعق من كردستان باستشهاد الرفيق ابو رغد في كمين غادر جبان في إحدى قرى محافظة دهوك بعد لقاء قصير له مع زوجته المناضلة ام مسار وتوديعها للعودة الى بغداد لمواصلة نشاطها البطولي هناك…

رفيقي وصديقي ابو رغد ليس لدي ما أختم به إستذكاري هذا سوى ان أقول لك نم قرير العين فذكراك وسيرتك باقية في قلوبنا وضمائرنا، والقضية التي استرخصت الغالي والنفيس في سبيلها ونذرت لها حياتك ودفعت عائلتك ثمنا باهضا من أجلها لن تنال منها كل صروف الزمن ومحنه وإنكساراته وتعرجاته.