بين النضال في الجبال مع الانصار، وبين النضال في  طرقات وازقة المدن، نُسجت علاقة رفاقية وحميمية. كان الانصار الابطال يشغلون حيزاً كبيرا من نشاط ونضال رفاق التنظيم الداخلي للفترة من ١٩٧٨-٢٠٠٣، وباستمرار يكافحون في سبيل تطوير وتنشيط وتعزيز دور التنظيم الداخلي بالامكانات المتاحة، صعوداً ونزولاً.

هذا لم يمنع عيون السلطة الدكتاتورية التي راحت تراقب كل شيء مهما كان صغيراً او كبيراً عن نشاط الشيوعيين وحركتهم، وكان الشيوعيون يعتمدون في حركتهم على ذكائهم  المعادلة التي نتحرك على اساسها، هي ان ذكاء المناضلين هو الذي يتحدى اساليب القمع والترهيب، فكانت مهمة توجه الانصار الى الداخل تتطلب معايير محسوبة جيداً، من ضمنها القناعة بالعمل النضالي في الداخل والاستعداد لذلك وايضاً توفر الوثائق المطلوبة القانونية والسائدة في البلد، مع القدرة للاستشعار بالخطر واتخاذ الحلول والقرارات الحاسمة لمعالجة حالات الكشف للتنظيم او الرفاق.

اُعتمِد الحزب اسلوب العمل السري منذ اواخر ١٩٧٨، واصبحت اللقاءات مضطربة بين مسؤولي المنظمات والاعضاء، وتم اعتقال الالاف من رفاق واصدقاء الحزب، البعض منهم لم يستطع الصمود امام آلة الجلاد وتعذيبه، مما تسبب في كشف العديد من التنظيمات الحزبية، كما قام النظام باعدام وتعذيب الآلاف من الرفاق، فصمد الكثير منهم الى درجة التضحية بحياتهم، والبعض الاخر استطاع ان يجد له مكانا امنا وبعيدا عن انظار السلطة ويواصل عمله الحزبي، وقسم كبير من الشيوعيين خرج من العراق ليعود ثانية بعد ان تدرب جيدا ليخوض الكفاح المسلح الذي تبناه الحزب كاسلوب رئيسي في النضال من اجل اسقاط الديكتاتورية واقامة البديل الديمقراطي في العراق والحكم الذاتي الحقيقي لكردستان… لاحقاً بعد الانفالات تطور الشعار الى الفدرالية لكردستان.

 ولكي لا تنكشف التنظيمات الحزبية وتقع في شرك الاجهزة الامنية، تغيرت طرق التواصل بين الرفاق، واصبحت حذرة جداً ومحسوبة بدقة، وبدأ الرفاق بالتواصل بشكل فردي من المسؤول الاعلى الى الادنى وهكذا مع كل المستويات التنظيمية الاخرى في الداخل. لقد دفعت اساليب السلطة القمعية الرفاق الى اتباع اشكال جديدة من التظيم الحزبي، كما دفعتهم الى البحث عن طرق جديدة للحركة، كالتخفي وتغيير الشكل وتوفير الوثائق المناسبة وغيرها الكثير من الاساليب التي تنفع الرفيق اثناء حركته في الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه، وذلك من اجل ان يستمر العمل الحزبي في الداخل وعدم اخلاء الساحة للنظام رغم بشاعة وهول الهجمة البربرية التي اقترفها ضد الحزب الشيوعى العراقي..

  كان رفاق الداخل في المدن والانصار في الجبال، في علاقة نضالية وانسانية وعملية جداً، اذ كان وجود الانصار ونشاطهم العسكري والجماهيري والتنظيمي عامل دفع وإسناد لمعنويات رفاق الداخل بشكل لا يوصف، فقد تولد لديهم شعور بان لهم في الجبال ظهير ينقذهم من براثن وملاحقات النظام التي لم تنقطع لحين نهايته في نيسان من عام ٢٠٠٣

  وبالعكس كان رفاق الجبل الانصار يحتاجون رفاق الداخل في مهام كثيرة ايضاً، واذكر في ايار من عام ١٩٨٣ واثناء معارك پشت اشان الغادرة، جاءتنا رسالة حزبية من القيادة تسالنا عن عدد الرفاق الانصار الذين من الممكن استقبالهم في الداخل كاحد الحلول المتوفرة انذاك لانقاذ الانصار من الهجمة الغادرة لاوك والنظام .. ورتبنا بامكانية استقبال نصيرين … وذلك في الاقسام الداخلية في جامعة الموصل حيث كنا نجري امتحانات نهاية الكورس السنة الاخيرة … وكنا نتابع بقلق بالغ تلك الاحداث الماساوية في الجامعة عبر اذاعة صوت الشعب العراقي وانقطعت بعد يوم او يومين من بدء المعارك واصبحنا نعتمد على المراسلات الحزبية السرية الخيطية واحياناً كنا نعرف ما يدور في مناطق البيشمه رگه ومقرات الانصار عن طريق الطلبة الاكراد ….

   هذا لا يعني ان عيون السلطة كانت بعيدة عن ما يجري في الجبال، فكان النظام يحاول زج اتباعه وعملاءه في التنظيم، واتذكر مرة من خلال رفيقنا (نائل) في التنظيم السري، وكان يعمل في الادارة والكتب ومعروف في تنظيم الاوراق والادارة والارشيف في وحدته العسكرية في الموصل، وخطه جميل جداً، سحبه الامر الى مكتبه، وفي حزيران ١٩٨٧ سلمني وثيقة مهمة جداً تخص تحركات الامن القومي والاستخبارات العسكرية، وهي عبارة عن دورات تدريب لعناصر السلطة الاستخبارية في تخريج ضباط يتقنون الزرع او الاندساس داخل الحزب الشيوعي العراقي، وتشكيل تنظيمات تشل حركته وتكشف اعضاءه الناشطين، وحكى لي كيف سهر الليل كله لينام الجنود ويكتب تحت الضوء الخافت للقاعة تلك الوثيقة المهمة او التوجيهات الصادرة للاستخبارات العسكرية، ورقمها، والى من معنونة، وما الغاية منها، ثم صعوبة اللقاء بنا من اجل تسليمها لقيادة الحزب، وكان هناك اعتراف ضمني في الوثيقة يقول من ان الاختراقات داخل الحزب فشلت من تحت ( خلايا الاصدقاء والاعضاء وما شابه)، وعليه لا بد من التفكير بالاختراق من فوق، من مركز القيادة، وشرحوا لعناصرهم في دورات الامن حول ذلك… فقمت على عجل بارسال التقرير الى مسؤولنا الحزبي الجديد انذاك ( ابو كاظم/ عضو ل. م جديد بعد المؤتمر الوطني الرابع للحزب حيث نزلنا سوية الى الداخل في نيسان من نفس العام) بان يبلغ القيادة بخطط النظام والاجهزة الامنية … ويتخذوا تحوطاتهم، وفعلاً اوصل التقرير الى مسؤولي التنظيم والى القيادة في الجبال بعد ذلك …

هذا غيض من فيض عن نشاط خلاق ومثابر قامت به تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي، سواء في حركة الانصار او في الداخل، ويكشف وشائج وطبيعة العلاقات النضالية والوجدانية والانسانية وطرق النضال التي سادت تلك الفترة العصيبة، وهو مؤشر ودليل على ديناميكية الحزب في التاقلم مع مختلف الظروف، ليواصل كفاحه من اجل مصالح الشعب والكادحين خصوصاً، وايضاً يكشف العلاقات الرفاقية النبيلة والميدئية بين حركة الانصار في الجبال والمدن في كردستان العراق وبين الداخل والمدن والبلدات الاخرى في سائر وطننا الجميل.

عن دورية ( اانصير الشيوعي)