((أنا مفعمةٌ بالحياة داخل هذا التابوت....))!

هكذا خاطبت الشاعرة الروسية الملقبة بـ(القيثارة) آنا أخماتوفا شرطة ستالين، في اشارة: أنّ المقاتل وإن كان مطروحا على الربوة يلعق جراحه، الاّ انّ صمته لن يدوم، وخاصة حين يرى السقف على وشك ان ينهار على رؤوس ساكنيه!.

أمّا نحن، الذين استلهمنا من التاريخ اساطيره ومعجزاته!، فقد شعرنا بفداحة الدراما الانسانية في وقت مبكر، ولذلك رفضنا إغراءات التكيّف، وخبأنا العراق، وقيم العراق، وتيههُ وشجنهُ المتناثر في وجداننا وعقولنا!، على أمل ان نعود من الخنادق المتعددة المهبّات، ونسترد الذاكرة مرة جديدة!.

كنّا نخاف التدجين والاستلاب والوقوع في شرك الضحالة، فأبرمنا، وبلسانٍ واحد، اتفاق مصالحة مع حياة المشاعة البدائية التي رغم ما فيها من قسوة وظلام، لم تستطع ان تقف امام قدرتنا على استبدال الملل!...

كانت ايامنا مليئة بالعواطف والاحاسيس، وكنّا نتقاسم الألفة والحلم، وفي اوقات الهدنة، نترنم بالطرب الاندلسي!، ونقرأ ((الحب في زمن الجبل!!....)) وعذرا للملاك ماركيز!، وكان لنا من الوقت ما يفيض لنفكر في المستقبل!.

لكنّ الذي حصل..................

مؤلم هذا الذي حصل...................!!، (( حسافا .. حسافا.. يا وادي العيون )).. لم تبقي عفاريت النفط وشيوخ التبعية! على حجر، ولا شجر، ولا سابلة، ولا من يحرس البستان!!، حتى تحول الوادي الى جزءٍ من المدى المغبر اللامتناهي، ومتعب آلـهذال يقود ناقتهُ صامتا خائبا خالي الوفاض الاّ من طيفهِ وقربة ماء.

هل اكتبُ بالايماءة والايحاء!؟، أوَ لا أُسمي الأشياء....!؟، أَاحبُّ الغموض والالغاز!؟، أو أني في اغلب الاحيان اسير في طريق السخرية لتخفيف مأساة القلب!؟، ربما.....، ذلك لانّ اللغة الصنمية المتداولة! لا تقوى على التعبير عن هذه الضوضاء السياسية التي انزلت تاريخنا من عليائه الرمزي واغرقته في بركة آسنة!!.

.............................................................................................

هامش: ((وادي العيون)) هو المكان الذي تدور حوله احداث رواية ((التيه)) لعبد الرحمن منيف ومتعب آلهذال احد ابطالها