بستان اليهود ( جه م جى )

ربما العنوان غير ملائم، لكنّ موانئ الانصار في الجبال تكاد تكون معدومة، لذلك تراهم يقتفون خطى الماضي كلما كان الى ذلك سبيلا.

و( جمجو ) كما نطلق عليها، واحدة من تلك الامكنة القليلة التي تمنحك شيئا من التأمل. وعلى الرغم من ان ( الصفنة ) في الوديان دائما ما تكون صارمة، وتؤدي الى مزيد من الاحباط، الاّ انّ الاحساس اللاذع بالفراغ، يسحبك رغما عنك الى التذكر.

الجبل وحش بمئات المخالب!، ينهش الروح ويجعلها تتهافت قطعة قطعة. صمت متعدد ومتواطئ. صمت العزلة، وصمت الغياب، وصمت الصور.

هناك، لا مرآة ولا تسريحة شعر. ولا فانتا ولا ميرندا ولا جبار ابو الشربت!. هناك، مسارات واقدار وحنين عميق يصيب المواضع الموجعة فينا!.

لا تقع ( جمجو ) بين النهر والبحر!. وليس لها وجود في خرائط الاطلس!. وانما قرية، علامتها الفارقة انها تنام دائما بلا وسائد، وكأنّ شيئا ما يركض خلفها!. فأمام كلّ باب ( رشمال ). وفي رأس كل رجل فكرة غامضة عن موعد الرحيل. وجميع اهلها يعملون في التهريب!.

في الجهة التي تحاذي الشارع الترابي الذي يمر باطراف القرية، كان لاهلها دكاكين ومطاعم. ولا احد يعرف او يفكّر بالزبائن، ولمن يبيعون بضاعتهم!. وكان الطريق يلزم الانصار بالمرور بها عندما يتنقلون بين سوران وبهدينان. وهو اقصر الطرق. اما عكسه فيكلفهم المزيد من الوقت والتعب.

كانت رائحة ( الكباب )، تتسلق السفح حتى تبلغ القمة، ثم تهبط لتسير مع الساقية، وتقف فوق ( الكَنطرة ) التي نعبر منها!، فتستنفر البطون، وتبدأ بالانفعال.

اشارة واحدة، من ( آمر المفرزة ) او ( الدليل )، بأنّ لديه ميزانية مخصصة للطريق، حتى نركض لنملأ الكراسي. شراهة فظيعة!. لكنها نادرة، فامّا الافلاس، وامّا خطورة المكان. والحكومة في ( جمجو )، تعرف كيف تدس السم بالاكل والشراب، كما فعلت بالعديد منّا!.

الضوء الآسر