كثيرة هي الأشياء التي بقيت عالقة في ذاكرة الأنصار والتي من العسير عليهم نسيانها، انها دخلت في صميم تفاصيل حياتهم اليومية ورافقت مسيرتهم الطويلة في الجبال القاسية سواء كانت العسكرية أو السياسية والاجتماعية......

في كردستان حيث الطبيعة الجبلية الغريبة على القادمين من مناطق الوسط والجنوب، بات من الضروري لهم ان يتعرفوا ويتعاملوا مع الكثير من الادوات الضرورية في استخدامها اليومي... ومن تلك الاشياء: الطبر (اﻟﺑﭭﺮ) الذي نستخدمه في قطع جذوع الاشجار.. والتورداس ((وهي آلة تستخدم لقطع أغصان الاشجار وتكون معقوفة الرأس وحادة، وتتكون من كلمتين (ته وه ر) يعني طبر و (داس) يعني يد، أي بالعربي (طبر يدوي)، واستعمال التورداس مهم اثناء بناء المقرات حيث تحتاج السقوف الى المزيد من الأغصان الخضراء))، وايضا الستندة (الجذع الذي تستند عليه اعمدة سقوف الغرف)...

عندما ازداد عدد النصيرات في (ﮔﻠﻲ كوماته) في قاطع بهدينان، حصلن على قرار ببناء غرفة خاصة بهن وان يعملن على بنائها بمساعدة نصير واحد، وهو البناء الشهيد (أبو كريّم). قمن بتوفير المستلزمات من جذوع واغصان وغيرها، وكنا نتداولها باسمائها الكردية، مثل: السبندار(شجرة الحور الطويلة المستقيمة)، ‎واﻟﭽﻗﻞ (الأغصان الرفيعة)، ‎واﻟﭽﻟﻮ (الأغصان الأدق مع أوراقها). بعد ذلك بدأت حملة نقل الصخور المناسبة للبناء وتجهيز الطين لنفس الغرض، وعملنا بجهد ومثابرة وبلا تلكؤ حسب أوامر الأسطة!، مع جو المرح الذي يشيعه الشهيد أبو كريم بتعليقاته ونوادره الفكاهية........

وبعد استكمال البناء، تم فرش سطحه بالطين، الذي انتظرناه حتى جفّ بشكل جيد، لنفرشه مرة اخرى بطبقة من االتراب الممزوج بالصخور الناعمة التي يجري سحقها فيما بعد بواسطة اداة اخرى تسمى (الباكّردان) وهي عبارة عن حادلة مصنوعة من الصخر، تجعل سقوف الغرف متماسكة ومرصوصة وتمنع تسرب مياه الامطار الى داخلها.......

لم تقتصر الحياة على بناء الغرف والقاعات، بل تضمنت بعض الأمور الجديدة، مثل الأكل كل ثلاثة بصحن من الرز أو البرغل مع مرق من العدس أو الحمص أو الفاصوليا، وتكون حصة المتأخر في الأكل غسل الصحنين المصنوعين من الألمنيوم وحتى كوب الشاي من الألمنيوم أيضاً........

ودخل البغل في حياة الأنصار بقوة، فهو واسطة نقل التموين والحطب والسلاح الثقيل، وبدأ عدد من الأنصار تعلم ضبط الكرتان (بردعة الحيوانات) بمهارة تضاهي أكراد الجبل. وتقديراً لجهود وتضحيات البغال منحنا لها أسماءً حسب الظرف وشكل الحيوان مثل: حمه ﮔﻮزي، نامليت، البغل (مارادونا) والبغل ( زيكو) اللذين ابتدع اسميهما الشهيد روبرت بعد كأس العالم 1986 لسرعتهما وقدرتهما على التحمل. ومن مستلزمات شد الكرتان على ظهر البغل (الوريس) وهو حبل مصنوع من شعر الماعز. وهناك الكثير من الأشياء التي لا غنى عنها في حياتنا اليومية في الجبل وممكن ان نشير إليها في مرات قادمة.