نشأت حركة الأنصار - البيشمركة الشيوعيين الفعلية والواسعة (وهي غير حركة بيشمركة الحزب التي أعقبت إنقلاب 8 شباط عام 1963) بعد إنهيار التحالف مع السلطة، بين عامي 1979 و1989 ، أي إمتدت حوالي عقداً من الزمن، وفي هذه الحركة الثورية المسلحة إنخرط ألوف الشيوعيين العراقيين وأصدقائهم، ومن جميع مكونات شعبنا من العرب والكرد والتركمان والكلدوأشوريين، ومن النساء والرجال، وكانت فصائل الأنصار التابعة للحزب، قد غطت جميع محافظات كردستان، وأجزاءاً من محافظتي نينوى وديالى، حيث جابت مفارز المقاتلين الشيوعيين ريف وأطراف مدن هذه المحافظات، ودخلت في معارك بطولية مشهودة مع ربايا السلطة ومعسكراتها وأجهزتها الأمنية والمخابراتية، كما شيّد المقاتلون مقراتهم شبه الثابتة، في مواقع مختلفة من ريف كردستان، ومارسوا عملهم السياسي والثقافي والإعلامي، إلى جانب عملهم العسكري، وقد تميزت هذه الحركة الأنصارية الجديدة، عن سابقتها عام 1963 ، التي كانت ذات طابع فلاحي عام، في إنتساب جمهرة واسعة من المثقفين إليها، من الأدباء والفنانين والأكاديميين وأصحاب الشهادات العليا والكفاءات العلمية والثقافية، وغالبيتهم الساحقة من أبناء المدن، لذلك كان العرض المسرحي، والمحاضرة والندوة السياسية أو الفكرية، والأمسية الشعرية أو القصصية، والحفلة الغنائية أمراً مألوفاً بل شائعاً وضرورياً في صفوف الأنصار الشيوعيين، وطوال السنوات العشر التي أشير إليها.

لذلك كان طبيعياً في مجموعة شيوعية لها هذه الميزات والخصائص، أن يكون إحتفالها بعيد ميلاد الحزب شيئاً إستثنائياً وهاماً، رغم الظروف العسكرية والأمنية الصعبة، ورغم الظروف الطبيعية والمناخية التي لا ترحم! ويمكن القول أن الإحتفالات بعيد ميلاد الحزب، كانت تختلف من مفرزة مقاتلة تجوب الوديان والسفوح وقمم الجبال والقرى الكردية لسنوات متواصلة، وبين المقرات شبه الثابتة، حيث الآمان النسبي، كما تختلف الإحتفالات بين مفرزة وأخرى، وبين موقع أنصاري وموقع آخر، ولكن الغالب في إحتفالات المفارز المقاتلة، بمناسبة الحادي والثلاثين من آذار في كل عام، هو التخطيط وتنفيذ عمليات عسكرية نوعية ضد ربايا العدو ومعسكراته وأجهزته القمعية، وقد تشترك أكثر من سرية مقاتلة، في عملية عسكرية مشتركة ضد هدف كبير للعدو، وكان للشهيد البطل خضر كاكيل آمر أحد سرايا قاطع أربيل السبق المعلى في هذا الميدان، إذ كان يخطط وينفذ إقتحام الربايا العسكرية الصعبة للسلطة، في يوم ميلاد الحزب، وكنا في السرية الرابعة في قاطع بهدينان، نقوم بأكثر من عملية عسكرية في هذه المناسبة، إذ تذهب مجموعة من الأنصار مع مدفع 80 ملم وقذائفه، وتقوم بضرب معسكر باطوفا أو دهوك، وفي نفس الوقت تتحرك مجموعة أنصارية أخرى من السرية لزرع لغم في طريق دبابات وآليات الجيش، أو زرع عبوة ناسفة تحت جسر في الطريق الدولي الذاهب والقادم من تركيا، وفي نفس الوقت يقوم بقية أفراد السرية بتنظيم حفل فني وخطابي في الهواء الطلق، تٌدعى له المفارز القريبة لمقاتلي الحزب الديمقراطي الكردستاني، وبعض مواطني قرى المنطقة، وأذكر إنني كنت أقوم بمهمة عريف الحفل، في مثل هذه الإحتفالات، ويساعدني الشهيد سربست بالترجمة للغة الكردية، وكنا نقرأ الأشعار والكلمات الحماسية، كما قدمت في إحدى هذه الحفلات مسرحية ( المخرج الفاشل ) ثم نقوم بتقديم الحلويات للحاضرين، مع ما يتوفر من عصائر وشربت، كما إن من المهم الإشارة، إلى أننا كنا نذبح خروفاً أو معزة في مثل هذه المناسبة، ويتذوق الأنصار طعم اللحم الذي حرموا منذ فترة طويلة.

أما في المقرات الثابتة، فأبرز فعالية للأنصار هي ذبح الخراف أو الماعز والتمتع بباجة الصباح النادرة، ومن ثم التخطيط لفعاليات فنية وأدبية متميزة، فعدى المحاضرات التي يساهم فيها قادة القواطع عادة، فإن المسرح يأخذ مساحته بهذه المناسبة، ففي الوقت الذي يكون فيه النصير حيدر أبو حيدر يعد ويقدم عملاً مسرحياً في مقر الفوج الأول في( مراني ) يكون النصير أبو أروى يعد ويقدم عملاً مسرحياً آخر في مقر القاطع في( زيوة ) ويكون النصير أبو عجو يقدم عملاً ثالثاً في موقع آخر، والرفيق أبو ليث يقدم عملاً رابعاً في (بيربنان ) وربما يقدم غيرهم من المسرحيين أيضاً أعمالاً أخرى في مواقع أخرى في أربيل والسليمانية، وأذكر إنني قدمت في إحتفالات آذار عام 1983 مسرحية ( المخرج الفاشل ) ضمن حفل خطابي وفني كبير في مقر ( خواكورك ) وبحضور قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني وقادة قاطعنا، وحشد كبير من الأنصار والبيشمركة، وفي حفلة مسائية في قاطع بهدينان غنى الأنصار وفرقتهم البصرية ( على شط بحر الهوى، وكلي إشجره يا جودي، عليك أسأل عليك أسأل ) وعشرات الإغاني التي تصاحبها الدرابك والدفوف والزنجاري، وعندما بدأ بعض المقاتلين المميزين يروون ذكرياتهم، وكيف إنتسبوا لصفوف الحزب، تحدث أحد الرفاق القياديين وكان كبير السن، عن وثبة كانون وإنتفاضة تشرين وثورة تموز ودوره في كل هذه الأحداث، وبعده جاء دور الشهيد ( أبو كريم ) ليتحدث هو أيضاً عن نضالاته وذكرياته وكيف إنتسب لصفوف الحزب، فإرتبك الشهيد أبو كريم، وهو أمر نادر أن يرتبك هذا النصير الفكه والجريء، وإتكأ على عمود يحمل سقف القاعة ليداري إرتباكه وقال ( يابه شحجي قابل أسولف عالوثبة لو على دوري بثورة تموز، ومشاركتي ويه الضباط الأحرار ...عمي آنه بالسبعينات جنت أشتغل عامل بالطين عد خلفه شيوعي... فحط الخلفه عينه عليه ... ومن عدها ما شفت روحي إلا إهنا ) ! كما أذكر مشاركتي بحفلة إستثنائية بمناسبة ميلاد الحزب في قاطع أربيل، في مقر كافيا عام 1986 ، وكان (الممنوع!) حاضراً في تلك الحفلة، حيث غنى النصير هوبي المقام وغنى النصير علي الصجي الأبوذية والبستة، وكانا يتناوبان الغناء، ورقص الأنصار كما لم يرقصوا من قبل، وقد كتبت يومها عن هذه الحفلة مادة عنوانها ( رأيت أنصاراً يغنون ! ) وقد إستشهد عدد من الأنصار الذين ساهموا في تلك الحفلة الإستثنائية بعد فترة قصيرة، وبينهم الشهيد ابو تغريد والشهيد دكتور سعيد والشهيد سركوت خضر كاكيل، ثم إستشهد الرفيق سعدون بعد سقوط النظام، وكان ضمن الحاضرين في تلك الحفلة، وأذكر من أبرز الأنصار الذين ساهموا فيها الرفاق ماهر وفرهاد والفقيد ابو علي الشايب وثائر دراو وابو عسكر والفقيد علي الشاهر وحجي رائد وابو دلشاد ومام جلال وشاخوان وعشرات آخرون.