معرفتي برفيق العمر سالم موسى عبد {أبو ولاء} بدأت منذ النصف الثاني من العام 1976 بعد أن أنهيت خدمتي العسكرية وبدأت عملي في منظمة حزبية عمالية زراعية، وحين حضرت أول اجتماع كان أبو ولاء مركز النقاشات، كان يقود عدد من التنظيمات الحزبية في مجال عمله وهي (المشاريع المتخصصة بتربية وإنتاج الدواجن) وهي منظمة واسعة وجماهيرية. كان أبو ولاء بجماهيريته وحب العمال له ودفاعه عن مصالحهم وجرأته بطرح مطالبهم ووقوفه معهم ضد اجراءات المنظمات البعثية، سببا في نشاط المنظمة وتوسعها. بالمقابل كان أبو ولاء هدفا لضغوطات وتعسف البعث وأزلامه، ولكن بشجاعته كان المثل والقدوة لمن حوله من العمال وليس لرفاقه فقط. كان مخلصا لأفكاره وجريئا بطرح آرائه في الاجتماعات الحزبية وحريصا على إنجاز كل المهمات مهما كانت صعبة. ومع اشتداد صعوبة الوضع السياسي آنذاك وبدء البعث بشن أقذر حملة ضد حزبنا حيث الملاحقات والاعتقالات تشتد يوم بعد يوم، كان أبو ولاء من رفاق قيادة المنظمة الذين تميزوا في تلك الفترة الصعبة بمساعدة رفاقهم بكل السبل.

 ترك الوظيفة بأسلوب ذكي حتى لايثير الشبهات، واستأجر بمساعدة رفاقه (محلا) في مكان حيوي قرب سينما الصالحية، وكانت قد أُفتتحت للتو، وقام ببيع المنتجات الزراعية من خضار وتمور ...الخ، وكان هذا المكان هو مركز لعملنا وللقائاتنا الحزبية ولتوزيع البريد الحزبي... وكان لأبو ولاء الدور المهم بنجاح عمل رفاقه وصيانتهم بفطنته وإسلوبه وعلاقاته الاجتماعية مع من حوله من الباعة وأصحاب المحلات المجاورة ومساعدته للزبائن وتنبهه للمخاطر. كانت فترة جدا صعبة، فأجهزة الأمن ومنظمات البعث منتشرة وتتابع كل من تشك بأمره، وأصبحت مطاردة واعتقال الشيوعيين من الأمور المألوفة يوميا، مما زاد من صعوبة ظروف عملنا الحزبي، ولكن شهادة للتاريخ لم يؤثر ذلك على حماس وإندفاع الرفيق أبو ولاء الذي كلما إلتقيت به أجده أكثر أملا وأشد حماسا كان الراحل من ضمن الرفاق الأوائل الذين أبدوا استعدادهم للذهاب الى كردستان، وكان ذلك في اوائل سنة 1979 بعد أن أصبح من الصعوبة والخطر أن نبقى في بغداد، وكان أبو ولاء أول من أبدى استعداده لتلبية طلب الحزب، فلم يتوانى أو يتحجج وهو يعرف كم سيكلفه ترك عائلته والسير نحو المجهول من ثمن باهض. اصطحب معه ثلاثة رفاق وتوجه غير مبالٍ بالمخاطر، وكان ضمن الرفاق الثلاثة رفيقا عسكريا هاربا من الجيش، ومن عاش تلك الظروف يعرف خطورة اخفاء عسكري، فكيف اذا كان عسكري وشيوعي!.

في آيار من نفس السنة وصلنا الى قاعدة بلبزان في قاطع سليمانية، وكان أبو ولاء وخمسة رفاق آخرين من أول الرفاق العرب الذين إلتحقو بقواعد الأنصار، بقينا في قاعدة بلبزان وقاعدة أخرى{{هزار يه سي} ثم الى قاعدة نوزنك وهي القاعدة الرئيسية للحزب.. كانت تلك الأيام من أصعب الأيام، حيث كان التسليح والحياة المعيشية مزرية، لكنّها لم تؤثر على روحية وتفاؤل أبو ولاء وعلاقته الاجتماعية مع رفاقه بالرغم من همومه وحنينه لعائلته وإبنته ولاء التي كان كثيرا ما يناجيها عندما نتسامر في الليالي.

في عام 1980 وفي بداية آذار أو نهاية شهر شباط {كما تسعفني الذاكره} تشكلت مفرزة من ضمنها الرفيق أبو ولاء للنزول الى الداخل، وكانت مهام المفرزة اعلامية للتبشير بسياسة الحزب الجديدة وتبنيه لأسلوب الكفاح المسلح ضد البعث ونظامه، وكذلك الاتصال بتنظيمات الداخل في منطقة دشت بتوين وهي المناطق الممتدة بين جوار قرنه ورانيه. وبسبب قلة السلاح وقدم نوعيته كان سلاح أبو ولاء بندقية {برنو}.

في 24 آذار وبعد مسيرة متعبة وصعبة في المناطق الجبلية الوعرة، نزلت المفرزة للإستراحة في قرية قزلر ظهرا، ويبدو انّ المفرزة كانت متابعة من قبل عملاء البعث في المنطقة، فبعد فتره قليلة من الإستراحة أغارت الطائرات السمتية والجحوش والجيش بإسلحتهم المتطورة على رفاقنا، وكان أبو ولاء بشهامته وشجاعته {وهذا ما نقله الرفاق الذين كانوا معه} وسرعة رد فعله، سارع مع مجموعة رفاق بقيادة الشهيد {عمر علي} بصعود المرتفعات المحيطة بالقرية لظمان انسحاب رفاقنا، فكان لهم دور بطولي بتخفيف الضغط على رفاقنا الذين يقاتلون بالقرية، واستمرت المعركة الى بداية الغروب وقد استشهد لنا فيها خمسة رفاق أبطال ... فنال الرفاق وسام وشرف المشاركة بهذه المعركة الغير متكافئة ومن بينهم الرفيق البطل أبو ولاء.

ساهم أبو ولاء مع رفاق من فصائل أخرى بتشكيل سرية بشتاشان وهي السرية التي كانت مهمتها وضع أسس لقاعدة بشتاشان التي ستكون القاعدة الرئيسية للحزب وأجهزته الاعلامية والمكاتب المركزية.. كانت مهمة سرية بشتاشان مهمة صعبة فأعدادنا قليلة والمساحة المكلفين بحمايتها كبيرة ومتباعدة واسلوب تموينها صعب وخاصة أثناء فترة الشتاء وثلوجه الكثيرة وتقلبات الجو القاسية، فتم اختيار الرفيق أبو ولاء بالاضافة الى مهامه الأخرى مسؤولا اداريا لفصيل مقر السرية، وكانت مهمة حقا صعبة في تلك الفترة.

 وعندما علمت السلطة بوصول مفارز الحزب الشيوعي الى منطقة بشتاشان كثفت من {زيارة السمتيات لنا} وعملياتها العسكرية بواسطة الجحوش{عملائها}، وكان أبو ولاء موزع بين واجباته العسكرية ومهامه الادارية، وكان ينجز كل ذلك بروح التفاؤل الذي ينعكس ايجابيا على الرفاق ومعنوياتهم، كما كانت شخصيته المحبوبة واحترام الرفاق له ووجوده المؤثر بينهم عامل طمأنينة، وكانت كلمته التي دائما ما يستعملها بأشد الظروف قسوة { آنا أبوج يا ولاء } تسهل الصعوبات على كل رفيق يسمعها منه..

بعد أن إنتقلت قيادة الحزب الى بشتاشان وتوسعت القاعدة بحيث أصبحت هي القاعدة المركزيه للحزب وكثر عدد الرفاق وتشكلت وحدات أخرى، نُسب أبو ولاء الى أحد السرايا التابعة الى فوج بشتاشان {بتاليون بشتاشان}، وأصبحت لقائاتنا متباعدة بسبب ظروف ومهام عملنا، ولكن حين نلتقي بين فترة وأخرى، أراه نفسه، أبو ولاء بطيبته وتفاؤله وحزنه الداخلي الذي يعاني منه لفراق عائلته وشوقه إليها، {واعتقد وهذا غيرمتأكد منه لضبابية الذاكرة بعد هذا العمر الطويل انّ الرفيق أبو ولاء نُسب الى سرية بولي وهي سرية متقدمة لحماية بشتاشان}. 

فرقتنا معركة بشتاشان وتطوراتها والانسحاب منها، وبعد نجاتي مع مجموعة من الرفاق من الكمين القاتل الذي نصبه لنا الاتحاد الوطني بالتنسيق مع الجحوش، وكان طيف أبو ولاء يرافقني، وكنت أتصوره لو انه معي الآن لفعل ما كان يفعله دائما أوقات المحنة بأن يشدّ الجمداني {اليشماغ } على خصره ويتحزم به ويكرر {آنه ابوج يا ولاء}. خدمتني الظروف ووصلت الى منطقة آمنة مع رفاقي الذين نجونا من الكمين القاتل وأيام الضياع في جبل قنديل، وعندما سألت الرفاق عن أبو ولاء أفرحوني بأنه حي وقد توجه الى منطقة بهدينان حيث قرر الحزب ارساله لبلغاريا للعلاج والراحة..

وبعد بلغاريا فرقتنا الظروف مرة لأخرى، ولكن بقينا نتابع أخبار بعضنا، وعرفت انه ذهب لليمن الجنوبية للعمل ولم شمل العائلة، وبعد سنوات {ولا أعرف التفاصيل بدقة} وصل الى السويد هو وعائلته.

آخر لقاء معه كان عام 2004 في مقر الحزب في الاندلس، كان لقاء سريعا ومفرحا، تعانقنا وتذكرنا كل الصعاب بفخر، ولكني، وفي داخلي كنت قلقا على صحته بعد ان رأيت الشحوب الغير طبيعي ظاهرا على وجهه. أبو ولاء رفيق العمر ورفيق الأيام الصعبة، رجل بكل معنى الكلمة.. رجل بزمن قلّ به الرجال، ضحى بالكثير من أجل أن يصون شرف ما آمن به. لروحك الطاهرة رفيقي السكينة الابدية ولعائلته الصبر والسلوان.