لا أريد الخوض بتفاصيل مظاهرة 6 آذار1991 في أربيل فقد كتب عنها الكثير ، أريد فقط أن أعطي بعض الملامح المعينة لدورها في الأعداد للانتفاضة كما أراها من منظور المساهم فيها. لطالما أشعر بالانسجام في الكتابة مستمدا من ذلك النداء الأخلاقي الجليل الذي أسس عظمة الشجاعة للمشاركين فيها، فكل شئ يكتب عنها يكتسب دلالة تاريخية في عالم النضال ضد الدكتاتورية الشرسة. فكنت أقف في سوق المخضر قرب القلعة مع مخططي المظاهرة، وكنا ننتظر الخطة التي رسمت لبدئها أن يعتلي أحد المتظاهرين عربة ويصرخ: (هوار)  ثم يطرح شعارات وهتافات لإسقاط الدكتاتورية. 

وفجأة جاءني رفيق من أهل عين كاوة، وهو متنكر بزي جيش شعبي وطلب مني تبادل الأحذية، فحذاؤه أسود لا يناسب زيه بينما كان حذائي بني اللون يناسب تماما زيه، فتبادلنا بالأحذية وسرعان ما سمعنا صراخ: (هوار)، فنزلنا إلى الشارع بهجمة واحدة ونحن نهتف بإسقاط الدكتاتورية، وكانت استجابتنا حماسية ألهبتنا المغامرة ونحن كنا بزي مدني ومسلحين، فتوحدنا  وسرنا متجهين إلى شارع ستين، وسرنا نركض في شارع المخضر ونهتف وكنا على استعداد للمواجهة المسلحة. 

وفي أثناء الطريق بدأ إطلاق النار في الفضاء، وتعرضت سيارة عسكرية لإطلاق النار وكذلك مركز الشرطة  فلاذ الشرطة في داخله وأغلقوا الأبواب عليهم. وسرنا هاتفين إلى شارع ستين، وفجأة سمعنا إطلاق الرصاص من الخلف، وعندما إلتفتنا، وجدنا سيارة جحوش تحمل (بي كي سي)، فجرح عدد منا بينما نحن نتفرق  وتساقط البعض على الأرض فكان الشهيد سعدون ينهضهم من الأرض. صرنا قرب بيت، فكسرنا القفل ودخلناه، وتجاوزنا السطوح إلى زقاق وهكذا تفرقت المظاهرة. 

فوحدة المظاهرة أثرت على مشاعر الناس والروح الجمعية التي ربطتها بالمتظاهرين، كان الطابع المميز إدراكا وممارسة على ملامحها، وكل شيء تشكل في الجهد المعد إلى حد دقيق، لذلك يجب أن نكون على بينة تماما من أنها أسهمت في الإعداد للانتفاضة، فعملية التحول من المظاهرة إلى الانتفاضة هو تمتع بميزة هائلة مقارنة بالأشكال الأخرى للنضال وهو خوض تجربة جريئة في التحول إلى أرقى شكل نضالي، فالمظاهرة الجريئة عرفت نفسها ورغم مغامرتها  فإنها قدمت رمزا وتحركت في موعدها  وظرفها المطلوب، فهي خبرة مدهشة أنتجتها دقة التنظيم، إذ هناك توق غارق في فيضان التخلص من الدكتاتورية الشرسة، وهذا التوق أنتجته عهود من البطش والاستبداد، فالمظاهرة نجحت في استيقاظ الوعي التاريخي، لذلك رحب بها أهل أربيل ، خاصة لحظة ظهور البيشمركة كلحظة متسامية توجت بالهجوم على مؤسسات الدكتاتورية، واحتلالها، فمن خلال التلاحم، والتفاعل، الحيوي بين المتظاهرين، وأهل أربيل، هو الذي مهد للانتفاضة، والمظاهرة أعطت تفسير وبيان، ووضوح أن أهل أربيل ساندوا المتظاهرين والمنتفضين الذين هم أنفسهم أهل أربيل ممن ساهموا بالانتفاضة، فالمسافة التاريخية لعام 1991 لا تخرج عن سياقها التاريخي لعام 1991 التي تخاطبنا لفهمها وتفسيرها، ونحن في عصرنا هذا نشعر بالارتياح في الخلاص من كابوس الدكتاتورية