تركت جماعتي في قاعات الحمام لأستقر في أحد الفنادق مع فراش نظيف واخذ الحمام متى ما أردت، كما إقتنيت بعض اللوازم (منشفة وفرش أسنان وغيرها من الأمور اليومية الضرورية). في اليوم الاول تناولنا الطعام في المطاعم بشكل مريح " طبعا الدفع على صاحبي المسؤول الحزبي " ومن ثم توجهنا كالعادة الى مقهى الجزائر لأعرفه على العراقيين المتواجدين هناك وفي ذات الوقت لاستطلاع آخر الاخبار وتطورات الوضع، كنت في حالة الحسد لدى اصحابي لكنها لم تدم طويلا لاعود ثانية الى سوء الحظ الذي لازمني طويلا .

كان يخرج من الفندق صباحا قبل ان استيقظ من النوم ويعود في المساء متاخرا، قلت لربما انشغل مثلي في البحث عن العمل وهو يحمل شهادة دكتوراه في النفط، مرت على هذه الحالة ما يقارب اسبوعان، وانا كالعادة اخرج من الفندق لاتناول وجبة واحدة من السندويجات المتوفرة في الاسواق لنهار كامل. حدث مرة معي وانا داخل احد الاكشاك لاقتناء لفة معينة واذا بصحن كبير امام صاحب المطعم تصورته صحن معجون طماطم مخفف كأي صاص يضاف للفة، استئذنت منه لاخذ شيئا اشار لي اتفضل، ملئت لفتي بملعقتين او ثلاثة واذا بصاحب المطعم ينظر لي باستغراب عجيب دون ان ينطق بحرف، عند اللقمة الاولى للفة واذا بنار جهنم يدب في جسدي من قوة الحرارة، تبين بعد ذلك بان المعجون الطماطم لم يكن سوى الفلفل الاحمر المطحون " شطه " من الدرجة الاولى، من خجلي طلبت من صاحب المطعم كوبين ماء وانا مستمر في اكمال اللفة على مضض، قلت مع نفسي " اذا طاح الحظ عند احد يستمر ذلك حتى يوم القيامة ".

رجعت مساءً الى الفندق واذا بصاحبي يقول " راح اترك الفندق (لان لكيت صديق جزائري عزيز سوف اسكن معه) " لم اعلق على كلامه سوى " ممتاز، راح ترتاح اكثر ولربما تحصل من خلاله على عمل معين ". كان هذا الخبر صدمة كبيرة لي، لان ايجار الغرفة سيقع على عاتقي وانا لا املك سعر وجبتين اكل يوميا.

غادر مسؤولي الحزبي في الصباح الباكر الفندق وانا توجهت الى مقهى الجزائر لاعود ثانية الى اصحابي مفترشي قاعة الحمامات. الاحاديث متنوعة في المقهى وحتى المجاميع اصبحت متنوعة، ولربما الارتياحات حسب المناطق والمحافظات العراقية، لكن المشترك بين الجميع الوضع العراقي والمستقبل المجهول القادم للعراقيين المتواجدين في الشتات. كانت الحركة الانصارية محور النقاش  للعديد من المتواجدين والاخبار الشحيحة التي تصل الينا بشكل اكثر علانية، بين من ابدى استعداده للالتحاق وبين من قال " يابه تره بس الكوادر الحزبية من الحزب الشيوعي العراقي سوف تتجه هناك، وظلت هذه الاحاديث شبه يومية.

في احد الايام وانا جالس كالعادة في المقهى، انفرد بي صاحبي " ابو هيمن " (حسن المصري) قال " ابو مازن ممكن افتح موضوعا شاغل بالي منذ وصولي الى الجزائر " قلت تفضل ابو هيمن ونحن اصبحنا اصدقاء مقربين ممكن ان اقدم لك قدر امكانياتي المتواضعة وانت ادرى بوضعي المادي، قال لا المسالة ابعد من ذلك بكثير، واردف: عند تركي للعراق كان لدي صلات حزبية في الداخل، والان نحن هنا والوضع مختلف، فانا بحاجة الى تزكية حزبية لعودة صلتي بالحزب، قلت له : اي وثم ماذا؟ قال اريد مساعدتي واعلم بانك على صلة بالحزب هنا، قلت له : حبيبي ابا هيمن اكتب لي رسالة تفصيلية مغلقة عن وضعك عندما كنت في العراق وسوف اكون داعما لك بكل قوة لدى رفاقي في التنظيم هنا. في اليوم الثاني استلمت الرسالة من صاحبي ابا هيمن ووعدته بالجواب ايجابا باسرع وقت. وفعلا ذيلت مع رسالته ملاحظاتي طوال هذه الفترة بالرفيق ابا هيمن وسلمت رسالته مع ملاحظاتي الى مسؤولي الحزبي في الجزائر العاصمة، كان حينذاك الرفيق محمود اشكاره (المتواجد الان على ما اظن في لندن بعدما كان في هولندا)، وشرحت له ما جرى بيني وبين الرفيق ابو هيمن واليك ملاحظاتي مرفقة وانا ازكي الرفيق بالكامل.

استمر الحال بنا على الروتين اليومي في البحث عن العمل وارتياد مقهى الجزائر لاشهر قاربت حوالي ثلاثة الى حين ابلاغي بالحصول على عمل في ولاية تيارت في احد معاهد التكوين المهني من خلال رفاقنا، وطبعا عبر اعضاء الشبيبة الجزائرية. زادت فرحتي عندما علمت بان ابو هيمن ايضا حصل على عمل في نفس الولاية كمدرس في الرياضيات على ما اظن. نقلت فرحتي الى اصحابي في مقهى الجزائر بعدما ودعتهم على أمل اللقاء في أقرب فرصة ممكنة، كما سارعت لتوديع صاحبي ورفيقي الدكتور عطا الخطيب وعائلته الرائعة. في اليوم الثاني استقلنا حافلة متجهة نحو ولاية تيارت على مسافة 6 ساعات عن العاصمة تقريبا.